تمزق النسيج الاجتماعي..ناقوس الخطر
تقرير: مشاعر إدريس
قال سياسيون وقادة حركات مسلحة إن السودان أمام واقع مختلف واستقطاب سياسي واجتماعي غاية في الخطورة، خاصة بعد جريمة اغتيال والي غرب دارفور، الشهر الماضي، وتهجير قبيلة (المساليت) من مكانها بشكل انتقائي.
هذا الواقع أعاد إقليم دارفور إلى أحداث العامين 2003 و2004، كما أن هناك نذر حرب أهلية، ليست فقط في دارفور التي تعاني هشاشة في نسيجها الاجتماعي، بل في كل البلاد.
مخططات النظام البائد
قال القيادي بقوى الحرية والتغيير، ماهر أبو الجوخ إن الحرب الأهلية واردة بالنظر لمخططات النظام المباد الذي يسعى إلى تمكين عناصره والاستحواذ على الدولة، ولو بشكل جزئي في بعض الوطن.
وأضاف أبو الجوخ هذا واضح من خطاب التحشيد الشعبوي الذي يقوم على إذكاء وأحياء النعرات العنصرية والجهوية لاستمرار هذه الحرب، وهو خطاب سيقود البلاد في حال تناميه لجرف البلاد صوب الحرب الأهلية.
وأوضح، صحيح أن خطاب التحشيد الذي يبثه النظام السابق يجد أرضية خصبة، لكنها ضعيفة. مبينا أنه بمجرد ظهور رموزهم فإن الخطاب وتلك الدعوات ستسقط وتتراجع خطوات كبيرة إلى الوراء بسبب جوهري، هو أن الناس ليسوا على استعداد لمنح الفلول فرصة جديدة.
وقال أبو الجوخ إن عناصر النظام المباد لا يستحقون، خاصة أنهم لم يعتذروا أو يردموا الهوة الواسعة بينهم وبين الشعب السوداني الذي ثار ضدهم بعدما وصل لعدم جدوى إمكانية اصلاحهم.
وأردف: لذلك حتى إذا اندلعت الحرب الأهليّة فإن أول من ستمسك نيرانها بثيابه وتحرقه هو النظام المباد الذي لم يتعلم أو ينعظ من التجارب.
بينما اعتبر المتحدث الرسمي في حركة العدل والمساواة حسن إبراهيم مفضل إن ما ارتكب من فظائع في العروض في الخرطوم سوف لن يمر مرور الكرام. وتوقع إبراهيم سيناريو أن تكون هناك حرب أهلية شاملة واردة، نسبة لتوفر كل المعطيات الموضوعية لها.
وأضاف: كل أسباب الحرب والانقسام ما زالت متوفرة، دون مناقشة جريئة وشجاعة لها من قبل المعنيين من القوى السياسية.
وأضاف المتحدث باسم العدل والمساواة: كنا نتوقع أن تجري القوى السياسية جميعها مراجعة شاملة لمواقفها، خاصة قوى الحرية والتغيير- المركزي.
وتوقع أن يجري التحالف، بعد الحرب، نقدا موضوعيا لما ارتكبه من أخطاء في محاولته لاحتكار المسرح السياسي والعملية السياسية بالاتفاق الإطاري الذي قسم المجتمع لدرجات من الفاعلية السياسية، وتوزيع صكوك الثورية.
وقال: بكل أسف، بلدنا مقبلة على فوضى عارمة، والعامل الأساسي فيها هو اصطفاف جهوي وقبلي، ولن تقتصر تأثيراتها داخل الحدود، وربما امتدت لدول الجوار مع ما راج من وجود لآلاف من العناصر الأجنبية التي تقاتل وتنهب المواطنين من دول الجوار، والأخطر من ذلك هو وجود قوات لمعارضة دول جارة في المشهد.
مع ذلك، هناك امر خطير جدا هو النشاط المحموم لقوات الدعم السريع للاستيلاء على حاميات ولايات دارفور وكردفان، وتتحدث الأخبار في شمال كردفان عن تعين معتمد للمنطقة يتبع للدعم السريع. وهذا هو السناريو الذي جرى في الجنينة، إذ تم إعادة نائب الوالي الذي اقاله الوالي المغدور قبل اغتياله لنشاطه ولمخالفات جوهرية.
هذه المؤشرات جميعها تدل على أن هناك مخطط لتمزيق الوطن على أسس مناطقية وقبلية.
مسارين عسكري ومدني
ويرى ناشط حقوقي (فضل حجب اسمه لحساسية وضعه) إن المسرح فيه أكثر من طرف: القوات المسلحة، الدعم السريع، والحركة الإسلامية وجناحها السياسي، المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية قيادة الحلو، بالإضافة إلى الأجسام المدنية، كتلة التغيير الجذري والحرية والتغيير بجناحيها، كل هذا المشهد يتحرك في مسارين عسكري وسياسي. وأضاف الناشط الحقوقي أن الحركة جميعها غير متسقة لأن العسكري صار أسرع وأوسع نطاقا وأثرا.
وأوضح أن مباحثات جدة، كمنبر، منذ البداية لم ينتبه للتعقيدات المختلفة والواسعة؛ فعسى إلى تجريب اختباري لوقف إطلاق النار بين الطرفين مع إقصاء للأطراف الأخرى التي كانت باستطاعتها المساهمة في تعزيز وقف اطلاق النار، مثل ممثلين النقابات المهنية من الأطباء والصيادلة والمحامين، وغيرهم .
وأوضح أن غياب البيانات الموثوقة من أطراف الصراع الأساسية، الجيش والدعم السريع بشكل راتب، أتاح فرصة للإعلام المرتبط بالطرفين للترويج وبث الأخبار بطرق تسند مواقف الأطراف؛ فباعد بين الحالة والحلول التي كان يمكن اقتناصها.
وأبان أن وجود المقار العسكرية للطرفين داخل المدن وفي وسطها، ثم انتقال المسرح إلى الضواحي السكينة سواء باتخاذها مقار عسكرية وقصفها، ساهم في خلق حالة الانتهاكات المختلفة.
مبينا أنه أطال وسيطيل أمد الحرب، لأن الاعتماد على المساكن كمقار عسكرية قاد إلى النزوح واللجوء والسرقة والقتل، والانتهاكات الأخرى المختلفة والقصف الجوي.
ويرى أن الخطاب الإعلامي المرتبط بالأطراف قاد إلى تعزيز حالة الاستقطاب، ومهد لما قد يهدد بالانزلاق المحفز سياسيا بظهور الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني ودعوات التجييش الأهلي.
كما تسببت تعدد المنابر السياسية اللاحقة في غياب خارطة متكاملة للإجابة على التعامل مع شمول الأزمة،خاصة المبادرات المدنية المختلفة التي استندت على أفراد أو مجموعات دون أن تخرج من مظلة مؤسسة كحزب أو منظمة وطنية مؤهلة ومحايدة مما ساهم في تكاثر المبادرات وتناسلها.
مشيرا إلى الحركة الأفقية في مجمل المشهد السياسي بسبب غياب المركز الوطني الذي يمكن ان يشكل اجماع ولو على طريقة الاغلبية .
ويرى إن ما جرى في الجنينة والكلاكلة كشف أن تهتك النسيج الأهلي صار يزحف نحو مناطق أخرى، وهي مرحلة الانزلاق التي يجدر الانتباه الجاد والواعية لنتائجها.