26/05/2023

ولاية الجزيرة مهددة بإنهيار المنظومة العلاجية والوقائية

خالد محمد طه: مدني

مع تزايد تدفق الناجين من الإشتباكات العسكرية في مدن وأنحاء ولاية الخرطوم، إلى ولاية الجزيرة، بحثا عن المأوى الأمن والحصول على الخدمات العلاجية، بدأت تتكشف الكثير من مشكلات القطاع الصحي، بعضها قديم ومزمن وأكثرها جديد متصل بالحرب التي إندلعت في منتصف ابريل الماضي ولم تزل تداعياتها مستمرة، وكلها تشير إلى إحتمال إنهيار القطاع الصحي في ولاية الجزيرة خصوصا مدينة ود مدني، بسبب العبء المتزايد على المستشفيات والمراكز والمرافق الطبية والصحية، والحمل المضاعف ففعل قلة المواد الطبية ونقص الدواء وشح المواد اللازمة لعمل المختبرات الطبية ومركز غسيل الكلى وغرف العمليات الجراحية.

بالرغم من أنه لم يجري إحصاء شامل للفارين من جحيم الحرب التى تدور رحاها في ولاية الخرطوم، عدا إعداد محدودة من الذين وصلوا إلى مراكز الإيواء العشرين في مدينة ودمدني، فإن المدينة إستقبلت عشرات الآلاف من الذين دبروا امر سكنهم خارج مراكز الإيواء إما بإستئجار منازل أو بالسكن مع أقارب أو معارف من اهل الجزيرة.

وبدا ذلك الوجود الكثيف والمتزايد للناجين من الحرب في طرح إحتياجات ضرورية أخرى تجعلهم في وضع إنساني معقد يتطلب التدخل العاجل لمنع كارثة صحية وشيكة الحدوث.

لم يكن الوضع مثالي قبل الحرب

اوضحت الدكتورة مروة حسن، الطبيبة المتطوعة في مراكز إيواء النازحين بمدينة ود مدني، أن النتائج الكارثية الحرب جاءت على واقع صحي مضعضع ومنهار سلفا، وهو ما يجعل إحتمال صموده لفترة أطول خلال أزمات الحرب والنزوح، ضعيف وغير متوقع إلا في حال تدخل سريع بحجم الآحتياجات قاطني ولاية الجزيرة وضيوفها.

وبينت د. مروة أن المرافق الصحية بمدينة ومدني تعمل بثلثي طاقتها الان، وذلك في تناقص متواصل مقابل تزايد الطلب للخدمات العلاجية وتوفير الدواء، لن تتمكن الكثير من المستشفيات من تقديم العون اللازم للمرضى لناحية النقص الحاد في المواد الطبية، لا يوجد اوكسجين كافي بالرغم من وجود وحدة إنتاج للاكسجين بالمدينة، وهناك شح في الأدوية المنقذة للحياة، والمحاليل الوريدية، وأكياس نقل الدم، وأدوية التخدير، وتوقف الإمدادات الطبية نتيجة لظروف الحرب.

قلة الكادر البشري والتجهيزات الخاصة بعدد الأسرة أو الطاقة الإستيعابية للمراكز والمستشفيات كان يمكن أن يتم التؤام معها - كما حدث فعلا- بطرائق متعددة فيها ضغط على الأطباء والكوادر الطبية لكنا خلال لمشكلات إنسانية يقدمها العاملين في الحقل الطبي عن طيب خاطر، المشكلة في نقص المستلزمات الطبية والأدوية والمعونات الأخرى مثل الوقود ومستلزمات التشغيل الأخرى.

وتشدد دكتورة مروة: حتى عند الحديث عن الغوث العاجل يجب ضمان وصول المساعدات الى المستشفيات ومراكز تقديم الخدمات العلاحية والوقائية والمختبرات بشكل مباشر، لدينا تجارب مريرة في شأن إدارة الآعانات وتوظيفها وإيصالها للفئة ذات الحوجة في الوقت المناسب، الان تعج مخازن الدواء التابعة لوزارة الصحة في ود مدني، بالأدوات والأدوية منتهية الصلاحية، المكدسة منذ فترة الكورونا والفيضانات، هذه أزمة في إدارة الموارد، وتحديد الإحتياجات، يمكن أن تفتح مجالات أخرى غير نزيهة في سبل صرف الدواء والمستلزمات الطبية وطرائق وصولها للمستفيدين/ المستحقين من المواطنين.

شح في الدواء وغرف العمليات في طريقها للإغلاق

د. الفاتح إبراهيم محمد، العامل في مجال توفير مستلزمات المختبرات الطبية - قطاع خاص - يؤكد وجود نقص بنسبة 20 % خلال الأسبوعين الأوائل من الحرب وبداية النزوح الى ولاية الجزيرة، شمل مواد إجراء فحوصات مهمة مثل تحديد درجة سيولة الدم، وعمل فصائل الدم، وإحتياجات عمليات نقل الدم، وتفاقم شح أكياس نقل وحفظ الدم التي لا بديل لها، حيث كانت ترد من هيئة الإمدادات الطبية وإكتنف وصولها مشكلات قبل حوالي شهر ونصف من الأحداث الأخيرة، أدى إلى تناقص مستمر في عددها بسبب الإستخدام العالي، والآن وصل الأمر إلى إنعدام وجودها في ظرف ايام قليلة.

ويضيف د. الفاتح، يوجد نقص في كل الأدوية الخاصة بمرضى قدامى بحالات نفسية وعصبية، وزادت الحرب ظهور حالات جديدة مع تردي وضع الحالات القديمة أو المزمنة، وليس في المتاح تقديم أي عون طبي لهذه الفئة، طبعا سيتسبب ذلك في ضغوط كثيرة على الأسر والمجتمع.
هذا إلى جانب النقص الحاد في مستلزمات عمليات التخدير لإجراء الأنواع المختلفة من العمليات الجراحية.

أيضا توجد أزمة في توفر دواء الانسولين (لانتوس) المحسن الذي يعمل لمدة أطول من الانسولين المخلوط بالزنك وهو الموجود الان بكمية قليلة موشكة على النفاذ، يمكن القول أن معظم الأدوية المنقذة للحياة في حالة ندرة وعدم .

الناجين من الحرب حالات تحتاج لعناية طبية عاجلة ومتواصلة

حرصت الكثير من الأسر التي قررت الخروج من ولاية الخرطوم بدافع الحرب، على تأمين وضع علاجي آمن للمرضى المزمنين، سيما مرضى الكلى وزاراعي الكلى ومستخدمي أدوية أمراض السكرى والقلب وأمراض الدم وغيرها من الأمراض المزمنة، هذا بالإضافة إلى الأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة.

تقول الدكتورة مروة : يشكل النازحين عموما مجموعات في حاجة للرعاية الطبية العلاجية والوقائية، بينهم مرضى فعلا وبينهم من هو عرضة للمرض بسبب الظروف الحالية التي يعيشونها، مثلا في مراكز إيواء واحد في ود مدني يعاني من شح في المياه ونقص في المرافق الصحية (الحمامات) توجد 54 اسرة، من مواطني دولتي إرتريا وإثيوبيا بينهم 73 طفل، وأسرة واحدة مكونة من 22 شخص من دولة الكنغو، و13 من الأمهات وبعض الحوامل وحديثي الولادة، وحالة سرطان واحدة، وتوجد حالة واحدة لطفل مصاب بالتوحد، وظهرت مؤخرا حالات إسهال وحميات وبائية، وكل المؤشرات تشير إلى تدني الوضع الصحي، ليس فقط في مراكز الإيواء بل في كل المدينة التي استقبلت إعداد ضخمة تفوق طاقتها من حيث القدرة على تقديم الخدمات أو الجاهزية لتوفير الإحتياجات الضرورية.

يشير د. الفاتح إلى أن تدهور الوضع الصحي يسير بوتيرة بطيئة لكنها متواصلة، ومقارنة بأعداد النازحين إلى مدينة ود مدني يتوقع أن تجف الصيدليات وتعجز عن تقديم خدماتها، وأن تتوقف غرف العمليات أصبح في حكم الاتي قريبا.

وتركز د. مروة على أن تخصيص مستشفى واحد للنازحين من الخرطوم ليس كافي لناحية التخصص وتعدد الأمراض القديمة والمحتملة الظهور، فضلا عن أن مراكز الإيواء نفسها ليست مصممة للسكن أو معدة لذلك، ومعظمها أقيمت بعون شعبي لمواجهة الظرف الانساني، وتحتاج إلى جهد طبي وصحي يقلل من المشكلات المتوقعة، ومنها الأمراض المتصلة بنقص الغذاء خصوصا للأطفال والمسنين، وسؤ بيئة السكن، ونقص الاغطية والفرشات واواني الطبخ والوجبات، وتكفي الإشارة إلى أنه يوجد في بعض مراكز الإيواء حمام واحد لعدد مئة نازح.

وتضيف د. مروة: انت الجهات الرسمية وإصرارها على وضع شروط لإستقبال النازحين، ورفع يدعها عن بعضهم يفاقم الوضع اكثر، لكن بالمقابل تعاون جهات كثيرة اسهم في حل أزمة المياه، وتزليل مشكلات الإيواء دون قيد أو شرط، وتطويق إحتمالات إنتشار الاوبئة، ومعالجة عدد من الحالات داخل المراكز، وتحويل البقية إلى المستشغيات، بشكل عام لم يزل الإعتماد على العون الذاتي، ونأمل في أن يتم التنسيق بين الجهد الشعبي والرسمي لاحتواء الموقف قبل أن يصل إلى حد الإنهيار الكامل، وأن تصل المعيقات الطبية فورا.

رغم كل ذلك يظل النقص في الوجبات المخصصة للأطفال شاخص حيث لا توجد خيارات اخرى، وبدأ عليهم التوتر ولوحظ حالات من البكاء الدائم وعدم النوم فضلا عن سؤ الوضع النفسي لكل النازحين من مختلف الفئات العمرية.

معرض الصور