ذات حرب
خديجة عبد المنعم خالد
في مصر، مركز الامتحانات للصف السادس كان في الجيزة، والمدرسة فاتحة علي الشارع، وممنوع دخول اولياء الامور.
في مقهي على شارع جانبي كان أهالي الطلاب وأغلبهم من الامهات، ينتظرون أبنائهم.
صاحب المقهى فطن أن المنتظرين يحتاجون لوجبة إفطار بالإضافة للمشروبات الساخنة والباردة التي يقدمها. في اليوم الثالث احضر كمية من الساندويتشات، وكلف صبي صغير لبيعها، وهذا هو التسويق الذكي بتحديد احتياجات الزبون وتوفيرها.
رابع يوم، وما عارفة منو اللي اوعز ليه بالفكرة، أحضر سماعة كبيرة وبث خلالها اغنية (سوداني الجوه وجداني بريدو)، وهوب.. النسوان ديل عااد.. انفجروا بالبكاء.
في مشهد عجيب، فجأة. بكاء عام شامل لا يستثني احداً. شي بالجعير وشي بالدموع الصامتة وشي بالخجة المكبوتة.
نساء غريبات عن بعض من أنحاء الخرطوم المختلفة اتحدوا في بكاء هيستيري عنيف.
وصار الرجل، صاحب المقهى، يحاول اسكاتهن بعد ان اسرع بإغلاق الاستريو، وقال لهم: انتو بتعيطوا ليه؟؟ في ايه؟؟ طب والله احنا نشيلكوا فوق روسنا، ده احنا بلدكم التاني.
كل ذلك لم يأت بنتيجة، واستمرت الدموع. نساء وحدتهم الحرب، لاجئات في مكان غريب.
جمعهن مستقبل بناتهن وأولادهن في اللحاق بامتحانات لا يدري أحد متى تعقد مرة اخري.
باقي الحناء التي تنسل من الأظافر، اثار الكحل الذي تدفعه الدموع لكنه يأبي إلا أن يتمسك بالعيون التي تحمل شموخ البلد الحنين، رغم الكسر، رغم الفقد، رغم الوجع.
باهيات في حزنهن، سمحات رغم آلامهن.
ساميات رغم الهزائم. صامدات في وجه الحريق.
لكل منهن قصة، بل.. قصاصة من قصة الوطن الذي يمزقه الرجاجيل.
قصاصات سنجمعها ونحيكها يوماً ونجمع بها شعث الوطن الذي حملناه في الصدور اياً كان ما تركنا.
و نضمد بها القلوب المفجوعة التي خلفناها هناك، اياً كان ما حملنا.
زادنا شوية ويكة وبصل ناشف وشرموط مدقق، ما من جوع . لا.. لكن الطعم ما دايرين ننساه.
وبنقول الاكل هنا مسييخ، وهو والله ما مسيخ. الا مسيخة خشومنا.
نحن البنطبطب ونغطي، ونهدهد ونسكت، وبالليل نبكي بصمت.
نحن البنمد وبنسد، ونتم، ونلم، ونرجع نجمع روحنا المبعثرة من سكات.
نحن نساء هذه الأرض، نخلها وتبلديها ومنقتها. نحن ضياها الناصع وسماها المكشوفة علي المدي.
نحن نيلها الإسمه بحر وصحراءها الإسمها صي.
نحن اوتاد هذه الارض، ما خُلقنا للشتات.
٢٢ يونيو ٢٠٢٣
من قروب قصص السودانيين في الحرب والنزوح واللجوء، على فيسبوك
