الصحفيون السودانيون.. واقع الحرب وقلة الموارد

تقرير إخباري - مواطنون
هناك مقولة شهيرة تقول إن الضحية الأولى لأي حرب هي الحقيقة، وكذلك من يمارسون مهنة كشف الحقيقة هكذا ابتدر طاهر المعتصم، سكرتير العلاقات الخارجية بنقابة الصحفيين السودانيين، حديثه لـمواطنون حول أوضاع العاملين في مهنة المتاعب منذ 15 أبريل الماضي. فعندما وجد السودانيون أنفسهم عالقين وسط نيران الحرب التي اندعلت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ففي ذلك اليوم، استيقظ الصحفيون والصحفيات في السودان على هدير سيل هائل من المعلومات والأخبار وبدأوا تلمس طريقهم للحصول على المعلومات التي ستسود صحائف تقاريرهم وموادهم الإخبارية لأحداث بمثل هذا الحجم والسرعة.

لم تبدأ معاناة العاملين في الحقل الصحفي، والإعلامي عموماً، بإنطلاق الرصاصة الأولى في الحرب العبثية الدائرة الآن في أرجاء عدة من السودان، ولكنها ظلت معاناة ملازمة لمسيرتهم الصحفية، وتبدأ تلك المعاناة من صعوبات الحصول على المعلومات وليس انتهاء ببيئة العمل الرديئة من حيث معينات العمل أو الأجور إلى جانب الملاحقات والاعتقالات من قبل السلطات المختلفة، مما دفع الكثيرين لهجرة هذه المهنة في ظل تراجع الوضع الاقتصادي وتدهوره المستمر منذ سنوات.

مثلت الحرب الدائرة الآن قمة الأزمة بالنسبة للعاملين في الحقل الصحفي، وهي حرب لا تحكمها ضوابط أخلاقية ولا اعتبارات لوجود كثيف للمدنيين، بل توقفت إثر اندلاعها كل معالم الحياة. واجتاحت جحافل المتقاتلين ونيران أسلحتهم كل شيء، تعطلت الصحف اليومية، التي تراجعت أعدادها في السنوات الأخيرة لتصل إلى نحو 14 صحيفة من سياسية إلى رياضية واجتماعية من جملة 40 صحيفة، وصمت أثير موجات إذاعات الإف إم التي كانت تملأ فضاءات المدن.
لم تكتف الحرب بحرمان الصحفيين والصحفيات من العمل المنتظم المعتاد، بعد أن أغلقت الصحف أبوابها وسكتت الإذاعات المختلفة والقنوات الفضائية، بل كانت إحدى ساحات المعارك المصيرية بين الجيش والدعم السريع مقر الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون.

تشير بيانات نقابة الصحفيين السودانيين، منذ اندلاع الحرب، إلى استهداف ممنهج للصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي من طرفي النزاع، وذلك بتعرضهم وتعرض مؤسساتهم لانتهاكات بمستويات مختلفة، وهو ما اعتبرته انتهاكاً للحريات وتعدياً صارخاً لحرية العمل الصحفي وخرقاً واضحاً للقوانين والموزاثيق الدولية والإقليمية التي تحمي الإعلام.

استهدف طرفا النزاع في الدعم السريع واستخبارات القوات المسلحة السودانية عدداً من الصحفيين في الخرطوم ونيالا والجنينة وغيرها من مدن السودان، واعتقل بعضهم لأيام مع مصادرة أدوات عملهم وتعطيلهم عن أداء واجبهم المهني.
تقول الصحفية إمتنان الرضي لـمواطنون إن هناك استهداف واضح للصحفيين والصحفيات، مشيرة إلى تعرض العديد منهم أثناء تغطية الأحداث للضرب والاعتداء ومصادرة ممتلكاتهم، كما تعرضوا للتهديد والاعتقال. وأضافت الرضي أن طرفي النزاع لا علاقة لهما بالحريات أو الديمقراطية وهم يستهدفون المؤسسات الصحفية كما حدث لمبنى صجيفة للحراك السياسي. وقالت الرضي إن عدداً من الصحفيين والصحفيات لم يستطيعوا مغادرة العاصمة الخرطوم، وظلوا يعيشون تحت القصف ونيران الأسلحة في وضع سيء ومعاناة شديدة. وهم الآن يعيشون أوضاعاً اقتصادية صعبة للغاية بعد أن فقدوا اعمالهم ومواردهم إلى جانب رداءة الخدمات في الأحياء التي يقيمون فيها بسبب تداعيات الحرب.

ورصدت نقابة الصحفين السودانيين الأوضاع العبة التي يعيشها منسوبوها في ولايات دارفور المختلفة، وقالت في إحدى تقاريرها النصف شهرية التي تصدرها منذ اندلاع الحرب، إن الصحفيين والصحفيات في غرب السودان يعيشون أوضاعاً بالغة السوء، خاصة في مدينة الجنينة بغرب دارفور ومدينة زالنجي بوسط دارفور ومدينة كتم بشمال دارفور، حيث تشتد المعارك وتتواصل الانتهاكات للمدنيين. وكشف التقرير عن المصير المجهول الذي يواجهه العاملون في الحقل الصحفي هناك، على الرغم من المحاولات المستمرة لرصد الانتهاكات، وذلك لصعوبة الاتصال بهم بسبب انقطاع شبكتي الاتصالات والانترنت في وقت يواجهون فيه أخطارا يومية بحثاً عن الحقيقة وسط القتال.

وقال الصحفي آدم مهدي إن التحديات والمشاكل التي تواجه الصحفيين والصحفيات في مدن السودان المختلفة تكاد تكون متطابقة، إذ تطالهم آثار القصف ونيران الأسلحة في الخرطوم ومدن دارفور والأبيض. وكشف مهدي لـمواطنون عن مغادرة عدد من الزملاء الصحفيين لإقليم دارفور إلى دول أخرى مثل يوغندا وتشاد وجنوب السودان، كما غادر البعض إلى قراهم الأكثر أمناً في الإقليم حفاظاً على أرواحهم وذلك لأن تواجدهم في مدن الإقليم بلا جدوى في ظل انقطاع الكهرباء والاتصالات وانعدام معينات العمل الصحفي. وقال مهدي إن الصحفيين هناك يواجهون صعوبات بالغة في الحصول على المعلومات ويشكون من عدم تعاون الأجهزة المختلفة وتهديدهم للعمل الصحفي، إضافة إلى التأثر بالوضع الاقتصادي نتيجة لتوقف الانترنت لأوقات طويلة وكذلك توقف البنوك والصرافات وعدم صرف الرواتب وعدم الحصول على إعانات.

وفي شهادتها كناجية من القتال في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، كتبت الصحفية إنعام النور على صفحتها في الفيس بوك عن الظروف المأساوية التي عاشتها أثناء احتجازها لأربعة أيام بعد اختطافها بواسطة قوة مسلحة. وقالت لحظة الاختطاف، دفعني الخاطفون بعنف داخل عربة دفع رباعي وضربوني على رأسي ما أفقدني الوعي. حين أفقت من الإغماء، وجدت نفسي لوحدي في مكان مهجور، عبارة عن غرفة مغلقة من الخارج.

في المساء حضر 8 أشخاص ملثمين ومعهم كمبيوتري المحمول الشخصي وكاميرات التصوير خاصتي، التي نهبوها من منزلنا بعد تدميره وحرقه بحي التضامن. كانوا يسألونني عن تقارير انتهاكات الحرب التي كنت أعمل عليها، وحين لم يجدوا ما يبحثون عنه في الكمبيوتر ولا الكاميرات، هشموه، وبعدها ضربوني بعنف شديد وأغلقوا الغرفة مجددا وخرجوا.
في يناير من هذا العام عقدت نقابة الصحفيين ورشة حول مسألة الأجور، في دراسات أوضحت وقدمت أن هناك حوالي 250 صحفي وصحفية لا يعملون، وهو عدد ضخم للذين تركوا العمل، لذلك دقت النقابة ناقوس الخطر منذ وقت مبكر حول مسأإلة الأجور وفقدان الصحفيين لأعمالهم.

يقول طاهر المعتصم، سكرتير العلاقات الخارجية للنقابة، لـمواطنون إن عدداً كبيراً من الإعلاميين بعد 15 أبريل عدد كبير جداً من الإعلاميين فقدوا عملهم نتيجة لإغلاق الصحف الورقية وتوقف الإذاعات وبعض المواقع الإلكترونية. وقال إن النقابة بحثت عن سبل تواصل مع الجهات المعنية في محاولة لمعالجة اوضاع الصحفيين. وكشف عن تواصل بينهم ومنظمة مراسلون بلا حدود لدعم الصحفيين والصحفيات الذين فقدوا مواردهم وأعمالهم. وأضاف لا زال النقاش مستمر معهم لدعم ومساندة الصحفيين والصحفيات.

وكشف المعتصم عن الأوضاع الصعبة التي يعيشها الصحفيون والصحفيات الذين نزحوا إلى مدن أخرى بسبب الصراع الدائر في الخرطوم. واكد أن اندلاع الصراع عطل الصحفيين والصحفيات من أداء واجبهم المهني كسلطة رابعة في كشف الحقائق ودحض الشائعات. وقال إن النقابة تتواصل مع الزملاء في عدد من المدن بالولايات. وأضاف بأنهم في النقابة يحاولن القيام بواجباتهم تجاه الزملاء في ولايات دارفور التي تزداد فيها الأوضاع صعوبة. أما بالنسبة للصحفيين الذين غادروا إلى الخارج فالنقابة تتابع أوضاعهم، خاصة في مصر.

وقال سكرتير العلاقات الخارجية بالنقابة إن المنظمات الصحفية الدولية مثل مراسلون بلا حدود والاتحاد الدولي للصحفيين وكل المؤسسات الصحفية على مستوى العالم والإقليم يمكنهم ان يلعبوا دوراً مهماً في دعم ومساندة الصحفيين والصحفيات في السودان في ظل هذه الحرب التي وصفت بالعبثية.