السودانيون في مصر: فاتورة الاستضافة ومسؤولية المجتمع الدولي
رصد - مواطنون
بالرغم من الظرف الإستثنائي القاهر، وتوجه عشرات الآلاف من الناجين من الحرب الدائرة في الخرطوم منذ ثلاثة أشهر إلى مصر الجارة الشمالية الأقرب للسودان في أوجه كثيرة من العلاقات التاريخية والتداخل الإجتماعي والمصالح المشتركة، إلا أن تعامل السلطات المصرية مع المواطنين السودانيين الفارين من الحرب في العاصمة الخرطوم، شكل صدمة غير متوقعة، وأفضى إلى تراكم العالقين في المعابر والمدن الحدودية، المنقطعين عن أسرهم، وفاقدي السند الإقتصادي والغوث الإنساني، والذين عجزوا عن الإيفاء بشروط الحصول على سمة دخول للاراضي المصرية نتيجة لسلسلة التغييرات المعقدة في الإجراءات الخاصة بالقيود الهجرية، وتخلي أو تعطيل الجانب المصري لجزء من (إتفاقية الحريات الأربعة)، الشئ الذي ضاعف من مشقة وصول المواطنين السودانيين للأراضي المصرية كمستجيرين هذه المرة. وهم من مختلف الفئات العمرية ومن الرجال والنساء الذين إصطدموا بقرار إلغاء كل الاستثناءات المسهّلة للحصول على تأشيرة دخول.
بينت إحصاءات أولية للسودانيين الذين وصلوا إلى مصر بعد بداية حرب 15 ابريل، أن العدد وصل خلال الاشهر الثلاثة الماضية، إلى نحو مئتي الف مهاجر سوداني، وتواصل حوالي 3 % منهم فقط مع المفوضية السامية للاجئين، التي سبق أن أعلنت في فبراير الماضي أن مصر تستضيف أكثر من 290 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة مسجل رسميا.
وسبب إحجام السودانيين الفارين من ويلات الحرب عن الإتجاه نحو المفوضية الاممية للاجئين هو صعوبة الحصول على وضع لاجئ، وعدم إعتماد السلطات المصرية لهذا التوصيف منذ البداية. وهو ما جعل السودانيين القادمين إلى مصر في تصنيف آخر غير كونهم لاجئين.
تقليص فترة الإقامة الممنوحة للقادمين بعد بداية يونيو 2023 من ستة أشهر إلى ثلاثة أشهر فقط، ووقف العمل بنظام التأشيرة المتعددة، أدخل الجميع في حسابات جديدة بينها عدم الإحساس بالاستقرار النسبي الذي يتيح ترتيب الاوضاع المعيشية للأسر، التي لم تفق بعد من إثر الصدمات الناتجة عن حالة الحرب.
بينما يرى السودانيون انهم من أفضل الشعوب التي أجادت التضامن مع الشعوب الاخرى في حالات الكوارث والحروب، وأن الأزمة الحالية مدعاة لإعادة النظر في المتصل بالعلاقات الرسمية مع دول الجوار القريب وتلك التي قصدها السودانيون.
كشفت السلطات المصرية عن أن عدد الأجانب الذين يقيمون في مصر بصفة دائمة، قبل الحرب في السودان بنحو تسعة ملايين، أغلبهم من سوريا وليبيا واليمن والعراق والسودان، ودول أفريقية مختلفة.
وحسب هيئة الإذاعة البريطانية حذرت مصر في مايو الماضي من (إستمرار تدفق اللاجئين حال استمرار الصراع الحالي في السودان لما قد يمثل من ضغط على البلاد في ظل استمرار أزمتها الاقتصادية الحالية).
تأخر مفوضية اللاجئين في منح حق اللجوء لملتمسيه يعد سببا آخر من أسباب إعتماد السودانيين الفارين من جحيم الحرب على أنفسهم، في ترتيب أوضاعهم المعيشية تحت ظل واقع إستثنائي، وخوض غمار الأزمة الإقتصادية المصرية لكن من موقع المضطر، وهو ما أنعكس على المستوى المعيشي وتلقي الخدمات - غير المجانية - بالكثير والمرهق من تكاليف مالية.
بين كل ذلك تصبح الإحتياجات الأساسية شاخصة، وفرص العمل ضيقة، والمدخرات في تناقص مستمر، بينما إرتفاع الأسعار في تنامي متواصل، وإستغلال الحوجة أيضا متوفر، هذا إلى جانب القلق المرتبط بإستمرار الحرب إلى أمد غير معروف، مع ضغوط أخرى ناتجة عن واقع الشتات بين أفراد الأسرة الواحدة، وعدم وجود أي معين للحالات الخاصة وكبار السن والنساء والأطفال، فضلا عن أن الدولة المستضيفة ترى في تدفق القادمين إلى مصر عبئا اقتصاديا وأمنيا قد يكون مصحوبا بعوامل سياسية أيضا.
عليه، يصبح أمر حث الأسرة الدولية على القيام بواجبها تجاه الفارين من الحرب في السودان، في كل دول الجوار التي وصلوا إليها، والتي ليست بينها من اعتبرت السودانيين (لاجئين) رغم المحنة الواضحة والتي تعمل ذات هذه الدول على إحتوائها بمبادرات ووساطة بين الاطراف المقتتلة.
من الضروري والعاجل لفت إنتباه المجتمع الدولي أيضا إلى أن يوفر الحد الأدنى من ضمانات العيش الكريم للمواطنين السودانيين، داخل وفي تخوم وطنهم وفي بلدان الجوار، وأن يعمل على توفير الحماية والغوث المؤقت إلى حين انفراج الأزمة ووقف الحرب وإستتباب الأمن في السودان، والإسهام الاستباقي لحالة كونهم (شعب بلا صليح).