مائة يوم من الحرب.. مائة يوم من المعلومات المضللة
عبدالله رزق أبوسيمازه
مع إكمال الحرب مائة يوم، منذ اندلاعها في 15 أبريل الماضي ودخولها شهرها الرابع، أعلنت وزارة الخارجية السودانية، وبدون مناسبة كما يبدو في الظاهر، أن كثيرا من الأخبار المتداولة بشأن ما يجري في منبر جدة من مفاوضات بين طرفي الحرب، القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، غير دقيق.
ذلك مدخل مهم لحقل صناعة الإرباك والمماحاكات والأغاليط المجانية، من طينة: من بدأ الحرب؟ ومن أطلق رصاصتها الأولى؟ وكما هو مدخل مناسب للتقرير بأن المائة يوم الماضية هي مائة يوم من التضليل المنهجي، بقدر ما هي مائة يوم من هتك النسيج الاجتماعي والوطني بخطاب الكراهية وانتهاك حقوق الانسان السوداني أيضا.
لم تشأ الوزارة، ولدواعي المكابرة ربما؛ أن تكذّب نفسها، وتنفي صحة الأخبار التي بثتها ونشرتها في وقت سابق حول الموضوع.
وكانت أنباء مجهولة المصدر تحدثت عن قرب التوصل لاتفاق بين طرفي الحرب، وحول هدنة طويلة الأمد بمراقبة خارجية قد تم تداولها على نطاق واسع مطلع الأسبوع، عقب ترحيب مبدئي بالتفاوض من قبل بعض قادة الجيش (الجنرال شمس الدين كباشي)، والتبشير بقرب انتهاء الحرب (الجنرال ياسر العطا)، وهو ما أوجد حالة من الارتياح وسط المواطنين.
في هذا الإطار، نقلت وسائل إعلام متعددة، منها قناتي الجزيرة والحدث، يوم الأربعاء الماضي، عن وزارة الخارجية السودانية ما مفاده أن مفاوضات وقف إطلاق النار التي يجريها حاليا الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة السعودية، أظهرت علامات إيجابية. حيث من المتوقع أن يوقع الجانبان على اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد في الأيام المقبلة.
يبدو أن هذه البشرى من مصدر رسمي محسوب على أحد طرفي الحرب، لم تجد القبول من بعض الدوائر النافذة والداعمة لاستمرار الحرب، مما اضطر الوزارة للتراجع عنها وتكذيبها بشكل غير مباشر.
فبعد ما لايزيد عن اليومين، وفي تصريح لوكالة الانباء السودانية، سونا، نفى وزير الخارجية المكلف، السفير علي الصادق، تلك الأنباء، وقال إن المعلومات التي يتم تداولها بشأن احتمالات التوصل إلى هدنة في مسار مفاوضات جدة تصريحات غير دقيقة، ولا تعكس واقع الحال.
جدير بالانتباه أن القائمين على أمر المفاوضات قد أحكموا عليها السرية بشكل ملحوظ، بالمقابل، مما صعب من مهمة الصحفيين في تزويد المواطنين بصحيح المعلومات بشأن التفاوض.
ومنذ البداية يواجه الصحفيون صعوبات جدية في تغطية الوقائع اليومية للحرب، كما في التحقق من صحة المعلومات المتداولة، مجهولة المصدر، والتأكد من سلامتها، سواء تلك المتعلقة بوقائع الحرب أو بمجريات عملية التفاوض التي تتم في جدة، برعاية سعودية أمريكية.
إن جبهة مناهضة المعلومات المضللة ومكافحتها، هي جبهة الصحفيين بامتياز. هذه الصعوبات العملية، بما في ذلك المخاطر التي تهدد حياة الصحفي نفسه، هو ما أفسح المجال لسيادة المعلومات المضللة. وتبدو الحرب من هذه الزاوية حربا حول المعلومات نفسها، وسط الرأي العام؛ حيث يسعى كل طرف من أطراف الحرب لترويج الأكاذيب المصنوعة أو أنصاف وأرباع الحقائق للتأثير على اتجاهات الرأي العام وموقفه من الحرب، ولتسويق خطاب الكراهية، خصوصا، لتقويض السلم الاجتماعي وترقية الصراع المحدود الجاري حول السلطة، إلى حرب أهلية شاملة.
لا تكتفي الحرب بتوفير بيئة مواتية لإنتاج وترويج المعلومات المضللة، وحسب، وإنما تعمل، كذلك، لتكريس جزء من أدواتها ووسائلها، مما يجعل من مكافحة المعلومات المضللة وجها من وجوه مناهضة الحرب.
في هذه الأيام التي تفقد فيها الحرب زخم بداياتها، وتتجلى فيها عبثيتها كمأزق شديد التعقيد، أكثر من أي وقت مضى، فإن الأنباء المتداولة حول استهداف مجموعات سكانية بعينها خلال الحرب، من قبل هذا الطرف اوذاك من أطراف الحرب، هي أنباء مزعجة للحد البعيد، صحت أو لم تصح.
فقد أدت دورها في التحريض والتعبئة السالبة، والتحشيد للحرب على خطوط التقسيم الجهوي والقبلي، الأمر الذي يعقد الجهود المبذولة لإنهاء الحرب، مثلما يعقد مهمة القوى الخيّرة والحية في المجتمع السوداني، التي استنفرت قواها من أجل تكثيف جهودها السلمية في جبهة لوقف الحرب.
ومع دخول الحرب شهرها الرابع، وسط مخاوف من تطاول أمدها، وتمددها جغرافيا، تظل الحاجة أكثر إلحاحا لتضافر الجهود، كل الجهود والطاقات، وتنسيقها من أجل محاصرة الحرب وعزلها، ومحاصرة دعاتها، وكشف وفضح حقيقتها، بماهي انتهاك فظ لحقوق الإنسان، في مقدمتها حقه في حياة آمنة مطمئنة.