الباحث في قضايا بناء السلام وفضِّ النِّزاعات عبد اللّه ديدان لـ (مواطنون): سبعةُ عوامل يُمكنها تحويل حرب الخرطوم لمشروعٍ وطنِّي جديد
حاوره :الأصمعي باشري
وصفها جنرالاها بالعبثية، وتقارير اممية بالأشدّ فتكاً؛ بالشعب السوداني، والأكثر شُمولاً من سابقاتها، من الحروب والنزاعات المسلحة المستمرة منذ العام ١٩٥٥، بما أُصطلح على تسميتها في ادبيات السياسة السودانية ، بتمرد توريت.
طرحنا سؤالاً، على الكاتب والباحث في قضايا بناء السلام وفضِّ النزاعات، عبدالله ديدان، حول: كيّف لنا كسودانبن تحويل مهددات، ومخاطر حرب الخرطوم، الي فرصٍ لتأسيس مشروع وطني شامل.
ديدان تخرج من جامعة الخرطوم، وحاصل على درجة الماجستير من معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، بنفس الجامعة، وله العديد من الكتب والبحوث المنشورة في حقل فض النزاعات، بالإضافة إلى أنه كان مديراً لمكتب رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
يقول ديدان وهو يتذكر التمرد الأول على الدولة السودانية، والذي سمي في ادبيات السياسة، بتمرد توريت: إنّ التعاطي مع حمل السلاح يجب ألاّ يخضع لتوصيفات رسمية مغلوطة ، فدلالة نسب التمرد الى المدينة التي بدأ بها، حصرت الوعي الجمعي السُّوداني فى أنّه تمردٌ فى مكان ما، وبعيد ومحصور في توريت، كما أن التفكير السياسي والمؤسسي للدولة نفسه؛ قد وقع فى ذات الفخ الشعبي، فكان أن تم التعامل معه على أساس أنه تمرد توريت، ولم يتم العمل على الحفر والتحليل تحت الارض السياسية والاجتماعية والثقافية والسلوك المؤسسي للدولة تجاه تمرد مسلح.
ويرى الباحث ديدان بأن نتاج ذلك؛ جعل حالات حمل السلاح كمشاريع معزولة عن التخطيط الاستراتيجي لمشروع الدولة السودوانيِّة؛ مما أدى إلى استمرارها وتفاقهما وتطورها. فالمسببات الجذرية ظلت باقية دون معالجة، وفاقمتها هذه الحروب، فكان أن ظلت الدولة السودانية في انهيارٍ مستمر بسبب النِّزاعات المسلحة، وتتآكل كل يوم جغرافيِّا وسياسيِّا واقتصاديِّا واجتماعيِّا. ويضيف: بأنّ هذا الخلل الكبير وصل الآن الى ذروته بالحرب الماثلة، وسيقود إلى ازمة كارثية أكبر من التي نعيشها في هذه الحرب.
وحدد ديدان في حديثه لـ (مواطنون) بأننا مطالبون حاليا بالاقرار بأنّ النّهج السياسي السابق منذ العام ١٩٥٥ في التعامل مع النزاعات المسلحة كان سطحياً، وينبني على الفعل ورد الفعل، وليس هنالك رؤيةٍ مؤسسية وواقعية لاقتلاع الاسباب من جذورها منذ الاستقلال.
وأشار ديدان إلى أنّ تحليل المسببات والأسباب، والأطراف الضالعة فيها، داخليا وخارجيا، والمواضيع المتحارب عليها، والشرارة التي أشعلتها، والمصالح المرتبطة باطراف الحرب، والخطاب السِّياسي والاجتماعي الذي انتجته الحرب سلباً وايجاباً، وماهية دوافعه، من أجل وضع الفاعلين السِّياسيين والمخططين المؤثرين وقادة المجتمع أمام الحقيقة العارية؛ بغية استكشاف أدواتٍ ووسائلَ واتجاهاتٍ وفرصٍ وتحديات ايقاف الحرب، والوصول إلى حلول وطنيِّة، بمشاركة كل السُّودانين الفاعلين، وانشاء منصةٍ وطنية موحدة، لمخاطبة نتائج هذا التحليل، للوصول الى صيغةٍ وطنيِّة جديدة، ولتعريف مشروع جديد للدولة السودانيْة؛ يقود الى معالجة آثار هذه الحروب، وتأسيس الدولة وفقاً لهذه الرؤية الجديدة التي تستوعب لماذا نحن في حالة حرب مستمرة، قبل رفع علم الاستقلال.
ونبّه ديدان لأهميِّة الاتفاق بين القوي السياسيِّة، والفاعلين المجتعيين؛ على اولويِّة، لا تحتمل المماحكات، وصلف الصِّراعات الفوقية الاقصائية بين القوي السياسية والمدنية، وعليهم توحيد الجهود تحت مظلة موحدة، هدفها فقط العمل المشترك لايقاف الحرب فورا.
وطالب ديدان بالعمل بتجرد وخلع جلود الايدلويجيات في هذه المرحلة، لأننا فشلنا طوال تاريخنا في ادارة تبايننا الآيديلوجي، والفكري، ولم نطور مفاهيماً جديدةً لادراك أن هذا التِّنوع لايعني التمسك به كاتجاهٍ واحد فقط، وعدم الاعتراف بحق الآخرين في ان يكونوا مختلفين، وأن التحدي هو: أنْ نعمل معاً لبناء رمزنا الوطني. وبالطبع هو ليس شخصاً وإنما مشروعاً يعبر عننا جميعاً، والذي يشكل السقف الذي نحتمع تحته بكل تنوعنا وتبايننا.
يؤكد ديدان بأنّ الحرب الجارية الآن هي الذروة، ولها تداعيات خطيرة على وحدة الشعور بالانتماء الوطني، والتكوين الاجتماعي، عرقياً واثنياً، وثقافياً، فيجب ان نعمل بمختلف تكويناتنا السياسيِّة والاجتماعيِّة ومراكزنا المعرفيِّة والتنويريِّة، على عزلها من السِّياق الاجتماعي الثقافي، وحصرها في السِّياق السياسي فقط، لأن مكمن الخطورة هو الخطاب العنصري المتبادل، بين الأطراف. وللأسف حتي من بعض القادة، وهذا بالضرورة لا يخدم اي من اطراف الحرب، لا عسكريا ولا سياسيا، بقدر ما هو يشكل المزيد من الخسائر الوطنية التي سيدفع المزيد من فواتيرها الشعب السوداني قاطبة وكل الاطراف الضالعة في هذه الحرب.
وينبه ديدان لواحدة من أزمات الحرب الحالية وأهمية ادراك حقيقة مهمة وهي: أنه اذا ظل تعاطينا مع هذه الحرب على ذات المنوال، حينها لن ينجو أي طرف لينعم بالاستقرار، سوءاً كان ذلك جغرافيّا أم عرقيّا، لأنّ السودان ليس يوغسلافيا ولا نموذج فصل جنوب السودان قابل للتطبيق فيما تبقي من السودان وذلك بسبب تعقيدات وتداخلات كثيرة، فمن يظن بأنّ فصل جزء من السودان الحالي يعني استقرارا، فهو بلا شك ينظر الى الواقع بذات الخلل التاريخي الذي يتعامل مع الأزمة بمنطق مختل يستند على سطح الامور ولا يحفر لباطنها المعقد بكل اثقاله ومحركاته وتداخلاته.
وحول حالة التشظي التي ضربت قوى الثورة وتياراتها المتعددة، يرى ديدان بأنه حاليا هنالك مراكز قوي سياسية ليست طرفاً في الحرب وتشكل تجمعا مؤثرا للقوي مدنية صاحبة المصلحة في الاستقرار الأمني والسياسي ويقع على عاتقها قيادة الفعل المدني لايقاف الحرب وهي تحالف الحرية والتغيير، وتحالف قوي التغيير الجذري، الحركات المسلحة غير المشاركة في الحرب، قوي المجتمع المدني غير الحزبية، فلماذا تعجز هذه القوي حتي الآن عن قراءة التاريخ المختل في التعامل مع النزاعات المسلحة، ولا تجلس مع بعض للعمل المشترك لايقاف الحرب والشروع في تحليل ومخاطبة الازمة التاريخيه للخروج برؤية جديدة لمشروع وطني جديد يعبر عننا كسودانيين ومن ثم تصير مسألة كيف يحكم السودان ليست سؤالا صعب الاجابة مثلما ظل تاريخيا يشكل معضلة اعجزت الناس بسبب ضعف الرؤية والانكفاء علي الذات والمصالح القاتلة للوطن.