حرب أبريل.. ساحاتها المشافي وملاعب كرة القدم وبيوت الناس
الزين عثمان
منذ ما يربو عن المئة يوم، يتجدد الاقتتال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في السودان، وتتواصل في الخرطوم الحرب التي وصفها قادتها بأنها عبثية.
في وسائل الإعلام غير السودانية المتابعة لمجرياتها تتردد أسماء أماكن مثل، القيادة العامة، القصر، المدينة الرياضية، سلاح المدرعات، المهندسين، قيادة قوات الاحتياطي المركزي، سلاح الأسلحة، قيادة وادي سيدنا وحاميات الجيش في الولايات، لكن من المؤكد ستكون مخطئا اذا ظننت أن المناطق المذكورة أعلاه هي ساحة الحرب ومبرر قيامها لانجاز التحول الديمقراطي وفق طرف، واستعادة كرامة قوات الشعب المسلحة وفق الطرف الآخر.
في الإجابة على سؤال أين هو مسرح الحرب السودانية؟ تجيبك سيدة وقد اضطرت للدخول مع صغارها تحت للسرير بعد سماعها لدوي مدافع الطيران التي تستهدف رتلا من سيارات تابعة لقوات الدعم السريع، وقد اتخذت تلك السيارات من إحدى الأشجار وسط حي سكني ارتكازا لها. تقول السيدة: هذه الحرب تشتعل في بيوتنا قبل أن تشتعل نيرانها داخل قلوبنا.
قد لا تحتاج أن تمضي بعيدا، لتخبرك بالمكان. لافتة مستشفى الخرطوم التعليمي، القريبة من القيادة العامة والمغلقة من صبيحة 15 أبريل، مع مستشفى جعفر بن عوف، وهو أكبر مستشفى مرجعي لعلاج الأطفال بالسودان، مرورا بمستشفى الشعب وكل المستشفيات الخاصة في شارع الحوادث، عبورا نحو مستشفى شرق النيل الذي تحول إلى ساحة حرب، وقبله مستشفى الولادة بأم درمان ومستشفى أم درمان التعليمي.
يضاف إلى ذلك أرقام الضحايا جراء اقتحام المستشفيات؛ حيث تعرضت 57 مستشفى للهجمات مع وفاة 10 من العاملين في الحقل الطبي، وتعرض آخرين للإصابات، ما يجعل من المشافي مسرحا للمواجهات بين الطرفين المتقاتلين.
عمليات التفاوض بين طرفي النزاع لا تراوح مكانها، لكن مع ذلك، فإن القضية المحورية للنقاش الآن هي مطالبة قوات الدعم السريع بمغادرة منازل المواطنين التي قامت باحتلالها.
وبرغم إنكار قيادات الدعم تواجد منسوبيها في منازل المواطنين، إلا أن الحقيقة تبدو غير ذلك تماما؛ فمعظم المنازل الواقعة في بحري القديمة ترتكز فيها قوات الدعم السريع، ويطلب جنودها من المواطنين مغادرة منازلهم بذريعة أن الوجود فيها يمثل خطرا عليهم.
البيوت التي تحول بعضها لثكنات عسكرية تحول جزءا كبيرا منها لساحات لعمليات السلب والنهب، وقبل ذلك غادرنها سيداتها. وتكتفي الواحدة منهن لدى علمها بدخول المقاتلين إلى منزلها بالتحسر والأسف على حال مقتنيات المطابخ والبيوت التي هي ساحة جديدة من ساحات الحرب السودانية.
ربما من مفارقات حرب أبريل السودانية أنها انطلقت من ساحة المدينة الرياضية، وهي المدينة التي لم يكتمل بناؤها طوال سنوات النظام المعزول، وكانت أولى المباريات التي شهدتها هي الحرب.
وبالمقابل، تحولت استادات الهلال والمريخ ودار الرياضة بأم درمان، واستاد التحرير ببحري، لمعسكرات يستغلها الجنود. لقد تحولت ملاعب كرة القدم أيضا لمسرح من مسارح لعبة الموت في حرب أبريل.
وعلى السودانيين أيضا أن يشهدوا، بالإضافة لحرب الجيش وقوات الدعم السريع، معارك أخرى ترتبط ارتباطا وثيقا بالحرب.
عليهم أن يخوضوا حرب الحصول على الماء، ومحطة مياه بحري، وهي المحطة الرئيسية لتغذية المدينة وبعض أحياء الخرطوم، تحولت لمسرح حرب، وفشلت كل المحاولات لصيانتها، ما جعل الناس يخوضون معركة الوحل للحصول على مياه تسبب المرض أكثر من قدرتها على أن تروي العطش.
في مسرح المعارك الكبرى، ستشهد معارك صغرى يخوضها الناس للحصول على الكهرباء، أو الحصول على شبكة اتصال، لا بل عليهم خوض معركة من أجل الحصول على أموالهم في البنوك.
بعد أن توقفت معظم المصانع وأغلقت المتاجر أبوابها، فإن الحصول على لقمة تسد الرمق صار أزمة أخرى. عليك أن تحصل عليها بعد مضاعفة أسعارها حتى لا تموت جوعا، أو أن تحصل عليها من الأسواق التي تأستت مما تم نهبه، وهنا عليك أن تموت قهرا.
تقول سيدة اضطرت لمغادرة منزلها في الخرطوم ولم تجد مكانا للإقامة سوى في مدرسة أساسية، آيلة جدرانها للسقوط في إحدى المدن، ما يؤسف له في الحرب العبثية هذه أن مسرحها وساحاتها هي بيوت المدنيين.. سياراتهم المنهوبة.. قلوبهم المحطمة مع أحلامهم.. خذوا ديمقراطيتكم وأعيدوا لنا منازلنا، وأعلموا ألا كرامة لنازح أو مهجر أو خائف.. الكرامة هي السلام.