التشكيلية أميمة حسب الرسول: ليس لدينا ما نقاوم به الحرب سوى الجمال
أقامت الفنانة التشكيلية؛ أميمة حسب الرسول خمسة معارض فردية، كما شاركت في خمسة وثلاثون معرضاً جماعياً، داخل وخارج السودان، ونسقت العديد من الورش والمعارض داخل السودان. وهي أيضاً تنشط في مجال حقوق المرأة والطفل.
يرى الكثير من النقاد بأنّ موضوعها الأساسي في مشروعها الإبداعي التشكيلي هو المرأة، وتوق النساء للعدالة والحرية والمساواة، والتعبير عن الثقافة السُّودانيِّة باستعمال الألوان الدافئة والمباشرة، دون الكثير من التخفيف أو المزج.
كما تُعد البيئة الأفريقيِّة المشبعة بالألوان في الملابس والبيوت والطرقات روحاً لفنها، زادتها ألقاً بتوهج شمس السودان الحارقة.
النحت أيضا جرء لا يتجزأ من مشروعها الجمالي؛ استخدمت فيه المواد المختلفة من الجبس، والرخام، والخشب، والمعدن، والأسمنت. لتظهر منحوتاتها انسجاماً وتوازناً بين الكتلة والفضاء. وتنتج منحوتات تجريدية وشبه تجريدية، باستخدام حركة عنيفة، منفذةٌ بخطوط رقيقة ومرنة.
تصور منحوتاتها وضع المرأة في السودان، وتُجسِّد مناحي الحياة المختلفة. فالنساء في منحوتاتها منغمسات في أنفسهن، ويحاولن النهوض، كما أستلهمت الثراث السوداني في مجمل مشروعها التشكيلي.
حاورها الأصمعي باشري
مشروعك لوحة يومياً في حب الوطن على صفحتك الشَّخصيِّة ب(فيسبوك)، محاولة جمالية ضد الحرب، مالذي تودين قوله عبر هذا المعرض الرقمي؟
- تأتى فكرة مشروع لوحة في حب الوطن لأنه ببساطة؛ ليس لدينا ما نقاوم به الحرب في السودان، والدمار، والقبح سوي الجمال. فقررت أن انشر كل يوم لوحة على صفحتي في فيسبوك، وأدعو بأن يحفظ الله السودان واهله. وأتمنى بأن تظل مبادرة عامة، ولكل المبدعين ان يبدأوا من خلالها نشر اعمالهم الفنية، وليس التشكيل وحده، وإنما الشعر والموسيقي لأن الجمال ضد القتل والبؤس والدمار الذي تصنعه الحرب.
نحن في السودان عانينا كثيرا من ويلات الحروب وكنا ضحاياها، وطول امدها، كما انتجنا العديد من الثورات. ومررنا بتجارب مريرة من الاحباطات، على كل الأصعدة. ومع ذلك تظل المقاومة بكل أشكالها السلمية والجمالية هي سلاحنا الأوحد في معركة المواجهة، من أجل حرية وسلام عدالة. سنبلغها بإخلاصنا وتجردنا في تقديم الفنون بكل أشكالها لأنني اؤمن بأن المبدع هو رأس الرمح في عملية التغيير، وليس السياسي.
كفنانة تشكيلية ومهمومة، ولديك موقفك الفكري من هذه الحرب، كيف تنظرين لما يجري؟
- معلوم طبعا أسباب الصراع السوداني، فالخلاف الآيدلوجي، يمين/ يسار. والمشكلة المزمنة للهُوية عرب/ زنج. كما أن تاريخ السلطة وتحالفاتها خلق شبه طبقة، ومعلوم ايضا أن نسبة التعليم ونوعه ليست بذات أثر على الوعي الجمعي .إضافة إلى التصميم الاستعماري للنظم الحياتية، وعلاقتها بالعمق الاجتماعي المرتبك. وكل تمظهرات الصراع الآن من انقلابات، وثورات، وأخيراً حرب، كلها محاولات للتغيير. هي كلها تقع في خانة صراع القوة من أجل السلطة. نحن كسودانيين ما بين الاستمرار في صراع القوة أو قبول مشاريع تتجاوز ذلك، إلى بناء معرفي يؤسس لمستقبل وطني ديمقراطي واكيد هناك بعض ملامح لمشروعات وطنية ذات فلسفة متجذرة في المكان السوداني، َومشروعي التشكيلي يريد أن يقول ذلك ويكون جزءا من هذا المشروع الوطني الديمقراطي.
في زمن الحرب، هل يختلف المزاج التشكيلي واعني النفسي، وطبقا لذلك تختلف الأفكار والأدوات؟
ـ فكرة العمل التشكيلي في قشرته الخارجية. بينما جوهره هو الأكثر عمقا، وهو الذي تشكله انفعالات الفنان، ففي زمن الحروب والكوارث تزيد المخاوف الهواجس والقلق والحزن. كل هذه المشاعر توفر عمقا جماليا وفنيا للعمل، وحافزا كبيرا لتفريغها في اللوحة، فتأتي معبرة عن الرفض للحرب مثلا، ولتخليد أرواح الشهداء والاستمرار في الفعل الثوري السلمي المناهض للقبح والدمار.
أحياناً تأتي ضمن سياق نفسي خاص، حول أحلام الفنان نفسه، ورغباته الشخصية، فتتعدد الموضوعات، حول الحب، والسلام، والجمال. ولي أن أضيف أيضاً ما يخص رؤية المتلقي نفسه، التي ترى الكثير من المعاني والتفسيرات، للايحاءات والعناصر والرموز المكونة للعمل الفني. اذ يضيف المتلقي بعداً جمالياً جديداً يعطيه الحق في أن يكون شريكاً في صنع الجمال، بعواطفه وانفعالاته الخاصة التي يقرأ بها اللوحة.
هل يختلف الشعور لدي التشكيلي الذي يعيش الحرب من داخلها، عن الآخر الذي يعيش خارجها، أم أن كلا الشعورين واحد في إنتاج عمل فني يخص المأساة؟
في زمن الحرب يكون الجميع شهوداً على القتل والدمار والتشريد. كل مواطن محب وعاشق لتراب بلاده يكون عرضةً للحزن والصمت والبكاء، وهو يرى جرح الوطن ينزف، ويعيش مأساته ومأساة الآخرين، في هذا الاحساس لا يختلف الفنان كثيرا عن المواطن، ولكن يبقى للفنان ان يستلهم فنه من وحي هذه التجربة وهذا الواقع، وتلك الأحداث.
يظل الفنان داخل الحرب، مشدوها بتأمين حياته من المخاطر، ومن اللهث خلف لقمة العيش، وفي الوقت نفسه من الصعوبة بمكان أن يحصل على أدوات إنتاجه، وعلى المكان الآمن للعمل، عكس المتأمل والمتابع من الخارج، لكن في كلتا الحالتين هما شريكين في مقاومة العنف، ومهمومين بإرسال رسالة واحدة لأجل السلام ووقف الحرب.