الإعلام البديل ومهددات السلم الاجتماعي
د. عبد المطلب صديق
يظل إهمال قضية السلم الاجتماعي وثقافة السلام العنوان الأبرز، وربما السبب الرئيس لما نحن فيه من احتراب وقتال وصراعات توشك أن تؤدي الى انهيار كامل للدولة والمجتمع.
وملامح الانهيار المجتمعي الوشيك بادية في تعطل دولاب الدولة وتوقف الإنتاج وانحسار مظلة الأمن وفقدان الطمأنينة على المستوى الفردي والجماعي والمجتمعي، وهي حالة تؤدي الى سيادة روح من التفكير القطيعي الذي تغيب فيه سلطة العقل لتسود قوة الغريزة والتفكير الرغائبي المتعلق بحاجات الانسان الأساسية في الوفاء بحاجات الجسد.
وفي ظل مثل هذا الواقع يصبح التعويل على الاعلام في البحث عن حلول ضرب من ضروب التبسيط والاستسهال. وذلك ليس لعدم دور الاعلام كعامل مهم في المجتمع، ولكن لكثره معاول الهدم المؤدية الى التدهور الذي نعيشه اليوم. ومع ذلك يستكشف المراقب أدوار سلبية للإعلام البديل وأدواته الحديثة المتمثلة في شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات صناعة المحتوى الرقمي المختلفة.
والمقصود بالبديل هنا، ذلك الاعلام الذي يحل محل الاعلام الرسمي والمؤسسي بتقاليده العلمية والعملية والمهنية والأخلاقية المعروفة. صحيح ان العالم أجمع يعاني اليوم من سلطة الاعلام الجديد وتأثيره على الراي العام وما يعانيه من ضعف المهنية وغياب المسؤولية والتضليل والتخفي وعدم الموثوقية والميل الى الاثارة وتأجيج النعرات الجهوية والعنصرية، لكننا في هذه الحرب نعاني من ويلات ضعف مصداقية الاعلام البديل والغياب الكامل للإعلام المؤسسي الناطق باسم الدولة والحزب والجيش وكذلك قوات الدعم السريع.
ويبدو واضحا أن صناع المحتوى ومعظمهم من عامة الناس يشاركون في بث الشائعات والاخبار المزيفة والتهويل والانحياز الأعمى لاحد طرفي النزاع ويحدث ذلك في ظل غياب فعلي لمنهج تعددية الرسائل الإعلامية التي تمثل الضمانة الأم في عالم اليوم للحياد والموضوعية والمصداقية والشفافية وتوفير بيانات تحقق السلم المجتمعي.
إن أي شخص مقيم في دائرة الحرب الملعونة لا يحصل على رسالة إعلامية محايدة موضوعية تؤمن له الخروج الآمن او التحرك الذي يقيه شر رصاصة طائشة او دانة عمياء او قذيفة لا تلوي على شيء، بل حتى انه لا يحظى برسالة تحذير من عمليات عسكرية ستجري في هذا الحي أو ذاك.
وأصبح الاعلام البديل شريك في الحرب وبوق من أبواقها ومِعزَف من الات العزف الحماسي الداعي الى القتل والدمار أكثر من كونه وسيلة للرقابة والوعي وتوفير مظلة آمنة للجمهور وهي من الوظائف الأساسية للإعلام.
لقد دلت الدراسات المتعمقة التي أجرتها مراكز البحث العلمي الأمريكي حول قضايا السلام، دلت على أهمية ثقافة السلام والتعايش والحوار في وقف الة الحرب وتحقيق السلم المجتمعي. وبالتالي فان الآلة الإعلامية الجماعية السائدة اليوم، هي أداة من أدوات الحرب وآلة من آلاتها ووسيلة من وسائل الهدم والتدمير.
والدعوة هنا موجهة الى قوة المجتمع الحية والإعلاميين المهنيين وعلماء الاجتماع بضرورة تحليل واقعنا الحالي واقتراح المعالجات المناسبة له قبل الانتقال من مرحلة الحرب الى مرحلة الحرب الاهلية والتداعي والانهيار المجتمعي الكامل.
لن يكون هناك سودان ولا سودانيين ان لم نحترم الراي الاخر، ونعترف بحق الجميع في المشاركة المجتمعية والسياسية والاقتصادية الشاملة بلا استثناء ولا عزل الا لمن أدين في جريمة تمس الخلق والشرف والأمانة وخان وطنه وشعبه وسقط في اختبار الأمانة و الوطنية.