الفنون الشعبية.. جسرٌ التعايش السلمي
الأصمعي باشري
تتمتع المجتمعات السُّودانيّة؛ بتنوعٍ ثقافي فريد، يُمثل مادةً غنيةً وخصبةً للفنون الشعبية بمختلف اتجاهاتها، وتعدد عناصرها، حيث تتحدث هذه المجتمعات بأكثر من 100 لغة محليِّة ولهجةٍ عاميِّة، بخلاف اللُّغة العربيِّة.
وبحسب باحثين ثقافببن فإن هذا الأمر ساق إلى تنوع الفنون الشعبيِّة السُّودانيِّة المختلفة، ما بين الغناء، والموسيقى والرقص، والتي تعبر بدورها عن حمولات ثقافية وعاطفية.
الفنون الشعبية ميزانٌ للمزاج العام
بيد أنَّهُ، ومع وجود الرّقص والغناء والموسيقى؛ فثمة فنونٌ أُخرى كلاسيكية، وتراثية، ضاربة في القدم، لا تزال تحتفظ بالعادات، والتقاليد، وتعمل على إحياء القيم السّامية وتنميتها، ومنها فن الحكّامَات ، الذي يظل ميزانا للمجتمع في ميوله للحرب أوالسلام، وتعزيز مفهوم الوحدة الوطنيِّة أو تمزيق النسيج الاجتماعي بالاختلاف، ورفض الآخر.
الفنون الشعبيِّة تُناهض خطاب الكراهية
يقول الباحث في الموسيقى السودانية، الماحى سليمان أنّ تاريخ الفنون الشعبيِّة فى السُّودان بدأ في العام 1969م، مع افتتاح المعهد العالي للموسيقى والمسرح والفنون الشعبية، وهو التاريخ الذى بدأت معه كلمة الفنون الشعبية تأخذ بوضوحٍ بعدها الفني والثقافي والأكاديمي، في الأوساط الثقافيِّة، وبدأت بعدها دراسة الفولكلور في المؤسسات الأكاديميِّة بصورة منهجيِّة رصينة.
ويضيف سليمان في ورشةٍ نظمتها وزارة الثقافة والإعلام خلال الفترة الانتقالية المغدور بها، حول دور الفنون الشعبيِّة في التحول الديمقراطي : فى عام 1972م تم إنشاء معهد الدِّراسات الأفريقيِّة والآسيويِّة، حيث عملت هذه المؤسسات على توظيف التراث الفنى لخدمة حركة الموسيقى والغناء فى السودان، ولتأكيد الهُويِّة الثقافيِّة السُّودانيِّة الخالصة، وتحقيق الوحدة الوطنية.
واشار إلى المهمة الجسيمة التى يضطلع المجلس القومي للتراث الثقافي وترقية اللغات القومية بأدائها، مطالباً المجلس بالإهتمام بالجوانب التطبيقية وعنايتها عناية خاصة باعتبار أن المؤسسات الأكاديمية الأخرى عنيت وأهتمت بتغطية الجوانب النظرية؛ بما يسهم فى تحريك الحياة الموسيقية الثقافية والفولكلورية.
وعرّف دكتور الماحى سليمان فى ورقة علمية له حول الفنون الشعبية ودورها في تعزيز الوحدة الوطنية التراث الموسيقي بأنه يركز على الموسيقى التي تعنى بالخصائص الثقافية والفنية والأدبية فى مجتمع من المجتمعات، داعياً الرأسمالية الوطنية والمؤسسات الأهلية والشركات والبنوك بتمويل الأنشطة الثقافية وحثّ الأجهزة الإعلامية، من إذاعة وتلفزيون، وقنوات واذاعات خاصة بإفراد مساحات واسعة للتراث فى خارطتها البرامجية، لافتاً إلى أهمية الحوار الثقافى فى معالجة المشاكل التى نتجت عن العنصرية والمناطقية وخطاب الكراهية البغيض.
وفى ختام ورقته قدم دكتور الماحي جملة من التوصيات تمثلت في إقامة ورش عمل وندوات ومحاضرات بين الولايات لتبادل الخبرات وتشجيع المواهب الشابة، وتدريبهم على الآلات الشعبية بما يحافظ على هذا الفن من الاندثار، وتكوين فرق للآلات الشعبية.
نفخر بالتنوع.. نفخر بالجميع
في غرب ولاية دارفور، مدينة الجنينة، تنشط مجموعة تنوّع للفنون والتنمية، وتقيم برامجها وانشتطتها الثقافية والفنية التراثية بجميع الوحدات الإدارية بإقليم دارفور غرب السودان، وشعارها نفخر بالتنوع.. نفخر بالجميع”، وتحظي انشطتها بمُشاركة واسعة من منظمات المرأة والطفل وشارع الحوادث بالجنينة والطلاب ولجان المقاومة.
وقال ايمن عجبين عضو المجموعة :”إن المجموعة تعنى بالفنون الشعبية اولا الثقافات المحلية، جاءت نتيجة إحساس بالمسؤولية المجتمعية تجاه إنسان غرب دارفور عبر بوابة الفنون الشعبية لترسيخ مفاهيم التعايش السلمي ونبذ العنصرية ”.
وأضاف المجموعة تعمل بتجانس مع الشركاء والمانحين المختلفين، وتنفذ المعارض المختلفة وليالي المسرح الثقافية والمعرفة والترفيه واكتساب المعرفة عبر بوابات المعرض المختلفة”. وقال إن مكونات الولاية المختلفة قد شاركت بتنوعها القبلي والثقافي، حيث توجد أكثر من أربعين قبيلة ولغة محلية وهو تجسيد حقيقي لشعار المجموعة.
الفنون الشعبية جسر حوار الثقافات
يرى الكاتب والباحث عبدالله ديدان، بأن الفنون الشعبية تعبير وجداني عن القيم والاعراف الثقافية، فكلما كان المحتوى الفني لها هو عكس حالة التعايش وإدارة التنوع، كلما كان لها تأثيرها المباشر على الواقع الاجتماعي.
وبشير ديدان الي أن الفنون الشعبية بتعدد لغاتها وتعابيرها وموسيقاها ورقصاتها، هي رسائل سهلة الالتقاط والتأثير على جمهور المتلقين، وهي بمثابة جسر حقيقي لحوار الثقافات، مما يعزز تعارف المجتمعات السودانية على بعضها البعض.
ويختم ديدان حديثه بالاشارة لأهمية الاهتمام بالبحث والدراسة للتراث والفنون في جميع المجتمعات السودانية، وتبادل القيم الثقافية، مما يسهل عملية إدارة هذا التنوع وتوجيه محمولاتها الايجابية، بالإضافة لأهمية وجود منصات اعلامية تقدم هذه الفنون اثراء للوجدان وشحذا للرغبة والشعور الوطني في التعرف على الآخر.
آلية تغيير وأداة مساواة
ويرى الناقد والباحث، هيثم خيري أن وصف الفنون الشعبية لم يعد قاصراً علي وسائل وأدوات الإنتاج الفني والابداعي داخل الانساق الثقافية المختلفة، بل صار يتعداه الي ما يمكن وصفه كنمط إنتاج مستمر ومتحرر يشمل الجوانب الثقافية والإجتماعية، وحتي الاقتصادية ونمط الحياة، ووسائل الانتاج الاقتصادية.
واضاف أنها اداة تعبير أيضا عن مجمل القيم والموروثات داخل النسق الثقافي المحدد، ومن ناحية اخري تمثل فضاء انتاجيا ثقافيا واجتماعيا، له قدرة النمو والتغيير مع تغيّر الاوضاع الثقافية والاجتماعية والتكلنوجية بما يتيح فرصة للتبادل والتلاقي والحوار والتأثر مع الانساق الثقافية المختلفة.
ويختم حديثه لـ (مواطنون) الفنون الشعبية في سياق خطط ومشروعات السلم الاجتماعي، خاصة تلك التي تتبني المقاربة الحقوقية كمدخل لتحقيق التكافوء الثقافي، تعتبر أداة مثالية للمشاركة المجتمعية، وحتي تعزيز المساواة الجندرية، هذا بجانب دورها المحوري كاطار حامل لرسائل التغيير الاجتماعي ودعم اتجاهات بناء السلام وتعزيز الثقة بين الاطراف المختلفة.