كيف نكافح خطاب الكراهية
منتصر إبراهيم
عرّفت الأمم المتحدة خطاب الكراهية أنه أي نوع من التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي الذي يهاجم أو ييستخدم لغة إزدرائية أو تمييزية بالإشارة الى شخص أو مجموعة على أساس الهوية وبعبارة أخرى على أسس الدين أو الإنتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الأصل أو نوع الجنس أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية.
وهذا الخطاب كثيراً ما يستمد جذوره من مشاعر التعصب والكراهية التي يغذيها في الوقت نفسه، ويمكن في بعض السياقات أن ينطوي على الإذلال ويؤدي الى الإنقسامات.
السياق السوداني، الذي نتحدث عنه، في الواقع، هو سياق الإنقسامات العميقة التي تعتمل في البنية السياسية والإجتماعية والإقتصادية، والتي تتمظهر تاريخياً في أزمات ثلاثة متصاحبة أو مترافقة تمسك بتلابيب بعضها البعض وهي:
أولاً حرب أهلية ممتدة ومتصاعدة شملت إتجاهات الجغرافية السودانية، أثرت بصورة خطيرة في الوحدة الوطنية وتماسك الدولة والمجتمع.
ثانياً انهيار اقتصادي متواصل، أدى الى عمليات إفقار واسعة في المدن والأرياف وهجرات سكانية متزايدة.
ثالثاً تغييرات وإنقلابات سياسية متتالية، تبدأ بنظام ديمقراطي مدني، فإنقلاب عسكري وشمولي، ثم إنتفاضة شعبية ونظام ديمقراطي.. وكل نظام يطرح نفسه منقذاً ويستند الى تحالفات محددة في إطار القوى المهيمنة الأساسية في المدن والأرياف، وأدى ذلك الى زعزعة استقرار وتخريب بنيانها الإقتصادي ونسيجها الاجتماعي وتهديد وحدة وجودها.
على ضؤ المتغيرات الثلاثة، أعلاه التي لازمت الحياة في السياق السوداني على مدى سنوات دولة ما بعد الإستقلال، لابد أنها تنعكس في الحياة اليومية للسودانيين وتلامس حياتهم بصورة مباشرة. ويمكن مراقبتها وملاحظتها في سياقات مفردات التواصل اليومي وخطاب التواصل بين المجتمع. ولابد أنها تتضمن خطابات كراهية كإنعكاس لأزمة الديمومة ـ المآسي من الماضي ـ التوتر اليومي في الحاضرـ الخوف من ما يمكن أن يحمله الغيب في المستقبل.
وما المشاعر إلا الانفعالات اليومية المباشرة أو المتراكمة من الماضي في شكل ذكرى أو خاطرة، أو تلك الآمال التي نترقبها أو نتوقعها (غياب اليقين). ولكون أن الحياة في السودان تمر بالمسارات المتنوعة للأزمة الوجودية آنفة الذكر، إذ لابد أن خطاب الكراهية يظل كامن في تضاعيف التواصل اليومي. فالكراهية أو الكره أو البغضاء أو المقت، هي مشاعر إنسحابية يصاحبها إشمئزاز شديد، نفور وعداوة، أو عدم تعاطف مع شخص ما، أو شيء، أو حتى ظاهرة معينة.
أضف الى ذلك، أنه مع تنامي حدة الإستقطاب للتيارات أو المواقف الصراعية التنافسية في السودان، نلاحظ تنامي خطاب التحريض بشكل واضح، وهو ما يشكل خطراً بوجه خاص حين يسعى الى تحريض الناس على العنف تجاه مجموعة معينة، إنما حتى في أشكاله الأقل حدة، مثل حالات الشتم المتكرر أو الإفتراء أو الصورة النمطية المؤذية التي قد تنشئ بيئات مشحونة بالحقد وتؤدي الى حصول تداعيات سلبية.
على ضوء المسارات المتنوعة للتوتر الوجودي في السياق السوداني، نرى أن النظام ككل في حاجة إلى عملية إصلاح شاملة، أي عملية بناء للعلاقات، للقطع مع خطاب الكراهية الموجود بنيوياً، عبر عملية مصالحة.
فالخلل الموجود نتيجة البنية المختلة في العلاقات - رأسياً بين الدولة والمجتمع في شكل أختلال للوظيفة والعلاقة بين السلطة والمواطن من جهة، وأفقياً بين أعضاء المجتمعات بعضهم البعض في شكل تفاوتات حضارية وتنموية وخلافها، لا يمكن معالجتها فوقياً من رصد أشكال خطاب الكراهية فقط إنما من الأوفق والأفضل أن يتم ذلك، من خلال عملية مصالحة، حيث ينتقل من خلالها المجتمع من ماض مقسم الى مستقبل مشترك. والأكثر فائدة هو، عملية تعيد تصميم وبناء العلاقات، حيث تتناول المصالحة العلاقات بين أولئك الذين سيتعين عليهم تنفيذ هذه الحلول.
علاوة على ذلك، في هذا التعريف الموجه نحو الممارسة، عملية تغيير طويلة وعميقة وعريضة؛ حيث يتطلب تغييرات في تطلعات وعواطف الناس ومشاعرهم، ربما حتى معتقداتهم.
كما أنه إلى جانب عملية المصالحة، هناك عملية الإصلاح الهيكلي للدولة، في المستوى الذي يعالج الخلل في علاقات السلطة، في شكل عقد سياسي وإجتماعي يستجيب لتحديات التنمية وردم الهوة التنموية بين المجتمعات، والإرتقاء بحياة الناس بما يشبع حاجاتهم الأساسية والمفضية بالتالي إلى حالة من الرخاء والتكامل، وخلق الإنسجام بدلاً عن حالة التنافس والإنقسام.