الطريق إلى إيقاف الحرب
خالد ماسا
ويمضي عُمر حرب أبريل حثيثاً نحو إكمال الشهر الرابع في العاصمة الخرطوم؛ ولاتوجد في الأفق أي مؤشرات إلى إمكانية سكوت صوت الرصاص وإيقاف حصاد الأرواح وتدمير الممتلكات العامة والخاصة.
إمتلاء صحيفة الحرب بالإنتهاكات والفظائع سيجعل منها جديرة بمنافسة بقية حروب القارة المعروضة في متحف الجرائم، وسيتحدث التاريخ عنها بأنها الحرب التي استمدت طاقتها من خبرات القارة الإقليم في استخدام أقصر الطُرق لتدمير خزانة الموارد التي تتمتع بها.
استمرار حرب منتصف أبريل حتى الآن يدفعنا للاعتراف بتقدم شيطان الحرب على حمائم الدعوات للسلام وخفض أصوات الرصاص، وأن المستفيدين من الحرب كانوا قد حضّروا لاستمرارها، وحشدوا لها كل الغبائن التي كلما القوا بها وقوداً في نار الحرب، قالت هل من مزيد!
تطاول عُمر الحرب ووصول نارها لكل ماهو حرام من حق الشعب السوداني: دمه وماله وعِرضه، يجعل السبيل إلى إدراك ما تبقى من سلامتنا الوطنية الأمر العسير، ويجعل من اليسير على نافخي كيرها أن يتخطفوها وأن لا نجد منها المثقال.
لابد للنادي السياسي في السودان ان يعترف بان الطريقة الضِرار التي كانت تُدار بها العملية السياسية مابعد إنجاز مهمة إسقاط نظام الثلاثين من يونيو كانت حرباً أكثر من أنها مواقفا سياسية متباينة، وتستخدم فيها الأدوات المتعارف عليها لإدارة هذا النوع من الخلافات في الأندية السياسية.
الهوس بالحرب وميول مزاج كثير من السودانيين بها، والصلاة على آذان استمرارها هو بالأساس نتاج طبيعي لكسل القوى السياسية والمدنية، وعجزها عن نشر الوعي المدني والتعريف بالأدوات المدنية التي تحسم أي خلاف وتقطع الطريق أمام دخول أي لاعبين جدد وغرباء عن النادي السياسي السلمي وليس لديهم قناعة ويقين بالحكم المدني.
الحرب هي نتاج طبيعي لعدم الالتزام الصارم بتطبيق الشروط الأخلاقية المطلوبة لدخول النادي السياسي والسماح للمفتقرين للحد الأدنى منها بالصعود إلى منصاتها، لا بل والتلاعُب في ضبطها.
لن تتوقف الحرب لمجرد دعوات فوقية برفضها، ولا بالحديث عن تجريم من تسببوا في إشعالها، أو إصدار قائمة بالمتهمين بالوقوف وراء استمرارها وتعبيد طريقها الذي ينتهي بالدمار الكامل للدولة السودانية؛ لأن هذا من العلامات الصُغرى لانتهاء الحرب.
علاماتها الكُبرى تتمثل في الإجتهاد على الأرض في أن تكون عضوية النادي السياسي السوداني متفقة على تعطيل طريقتها القديمة في إدارة الاختلاف السياسي واستدعاء موقف وطني واحد وموحد من الحرب وأسبابها.
على النادي السياسي السوداني استدعاء ذات الروح التي وقعت بها في ١٩٨٩ ميثاق ميلاد التجمع الوطني الديموقراطي والروح التي أوجدت (إعلان الحرية والتغيير) التي صنعت التغيير ووحدت الكل خلف مشروع سياسي يستهدف التغيير والثورة.
ماراثون المبادرات السياسية قبل الحرب هو الذي أذهب ريح الثورة واختطف مسارات إنجاز أهدافها وفتح شهية أعداء الثورة للصعود مرة أخرى بعد السقوط.
مزاد المبادرات المفتوح الآن لإنهاء الحرب في السودان، وجرس الدلالة الذي يُقرع في الإقليم كانت تلزمه مبادرة وطنية متفق عليها من النادي الذي أنجز الثورة وله المصلحة في الحفاظ على الدولة السودانية وبناء مؤسساتها على ما يقوله الدستور.
لابد للنادي السياسي السوداني أن يعتبر من درس الفترة الانتقالية التي لم يحرس النادي شمعتها التي انطفأت بإحباط الشارع الثائر وزعزعة أوتاد إيمان الشباب بالقوى السياسية وأن يعلم بأن فترة الحرب تصنع البيئة الملائمة لاصطياد الوعي والرأي العام لصالح تخريب الفضاء السياسي والمدني.
ليست مصادفة أن يكون خطاب الحرب يستهدف بريد الكراهية بالقبيلة أو العنصرية، بل هو تخطيط مُدرٍك لنتائج هذا الخطاب في خدمة أهداف الحرب. ولابد من خطاب يقابله من القوى السياسية والمدنية المؤمنة بوقف الحرب ويبحث حثيثاً عن منصة واحدة للتباحث حول سُبُل إيقاف الحرب واستعادة المسار الديموقراطي في السودان، وذلك حتى لا تُعاد علينا تجربة الزعازٍع التي أضاعت علينا الثورة والانتقال؛ فالحرب تُضيّع علينا الوطن.