31/08/2023

في عامها الـ (11).. شارع الحوادث.. الشموع لا تنطفئ

الزين عثمان

في هذا العام، لم يستطع متطوعو (منظمة شارع الحوادث) إيقاد شموع عامهم الجديد. المبادرة التي انطلقت منذ 2012 بتدبير من الطالب وقتها، أحمد إدريس وآخرين، لتوفير الرعاية الصحية والعلاج لأطفال السودان ممن لا يملك أهلهم قيمته. وكان شعارها لذلك (إينما وجد طفلا محتاجا يجب أن نتواجد).

اختارت المبادرة شجرة من الأشجار الظليلة بالقرب من مستشفى جعفر ابنعوف للأطفال بالخرطوم مقراً لها، وطلبت من الناس للتبرع من أجل تقديم الخدمة لمن يحتاجها، يستخدمون دفترا أزرق كتبت عليه عبارة ألف قصة تحدث هنا.

لا ورديات للشارع؛ فلا أحد من المتطوعين يمكنه الوصول إلى المكان الذي اعتادوا الجلوس فيه، بل لا مستشفى تفتح أبوابها في المكان الذي صار ساحة للحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي.

وحتى مستشفى الأطفال المرجعي أغلق أبوابه بسبب الحرب. وقبل 15 أبريل كان الشوارعية، وهو الاسم الذي يطلقه متطوعو (شارع الحوادث) على أنفسهم، يجلسون تحت شجرة تستغلها (ماما قسمة) بائعة شاي. وهناك يتابعون الحالات ويوفرون الدواء والدماء قبل أن تقطع عليهم الحرب الطريق إلى هناك، وتقطع طريق العلاج على الصغار في بلاد تعيش مشاكل متعددة في قطاع الصحة وتوفير الرعاية للصغار.

في عيد (شارع الحوادث (11) يقول مبتدر المبادرة التي ينخرط فيها الآلاف في مدن السودان المختلفة وفي مستشفياتها أحمد إدريس: 11 عاماً، وفي كل عام نقول إن هذا العام سيكون الأخير، لكننا نعود لنجد أنفسنا في الاسعاف دون أن تنتهي عندنا أمنيات أن يجد أطفال السودان ما يستحقونه، وأن نستطيع القيام بما نحب في المكان الذي نحب.

في مكان آخر بعيدا عن (شارع الحوادث) ولكن في ذات شارع الواجب وتقديم الخدمة، يجد إدريس وعدداُ من رفاقه أنفسهم في مكان آخر مجبرين على إيقاد شموع الأمل وعدم التوقف ومواصلة المسير في ذات الطريق.

هناك، في مستشفى (النو) بمنطقة الثورة أم درمان، وهو المستشفى الوحيد الذي يجاهد القائمين عليه من أجل استمرار تقديم الخدمة، يجلس، مؤمن ود زينب، رفقة عدداً من المتطوعين وهو يتناول الشاي مستغلاً فرصة توقف القصف والمواجهات بين طرفي النزاع، ويكتب: سبعة فرسان دون أحصنة، ويكمل تجديد العهد الذي بيننا هو القتال بطرق أخرى من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأن نزرع الأمل في من فقده الكثير من الضحك والحكايات، عن يوم مضى، عن المصابين وأحلامهم. نصف ساعة بلا أصوات رصاص ولا قصف ولا مصابين بأطراف مبتورة، بلا قتلى ولا جرحى ولا شهداء. نصف ساعة من الأمان تعلو فيها أصوات الضحك والقهقهات على أصوات الرصاص والدماء والنواح. نصف ساعة نمسح فيها أحزان الأمس بضحكات اليوم.. وتستمر المسيرة.

وعلى سيرة كوب الشاي فإن هناك ارتباط بين (منظمة شارع الحوادث) والشاي؛ حيث أن مقرهم بالقرب من مستشفى الخرطوم هو في حقيقته مكان لبائعة شاي، يجلسون في مقاعدها وكانت أول غرفة عناية للأطفال أقامتها المنظمة في مستشفى محمد الأمين للأطفال بأم درمان قد تم افتتاحها بواسطة ماما قسمة ست الشاي، وهو حدث أثار جدلاً كثيفاً في حقبة النظام المعزول عبر ثورة ديسمبر.

بعد (11) عشر عاما من قيام (منظمة شارع الحوادث)، لا يزال شبابها ملتزمون بإيقاد شموع تقديم الخدمة للصغار والكبار معا، لا يزال مؤسسها يكتب منادياً الجميع بضرورة تقديم الدعم من أجل شراء دواء أو توصيل أوكسجين أو قيمة إيجار عربة اسعاف، ويناديهم بالتبرع بالدم من أجل إنقاذ حياة الناس، لكنه قبل كل ذلك ينادي عليهم: رجاء احفظوا الأطفال بعيداً عن مرمي نيران الحرب!

معرض الصور