من مذكرات النزوح.. إيواء عزة
أنور النور محمد
هناك طريقتان لنشر النور: إما أن تكون الشمعة أو المرآة التي تعكس ضياءها.
“إيديث وارتون
الأيام تمضي؛ وكل يوم نستقبل هارب من ظلام الحرب إلى نور الطمأنينة. ودائرة التسامر قبالة بوابة دار الإيواء تتسع، وتكثر الثرثرة بشؤون الحرب والعودة.
تعلوا نقاشاتنا وتهبط ثم نضحك؛ لا أدري على ماذا كنا نضحك إلا أننا نضحك وكفى. ربيع يوسف جاي مع اولادو بتين هسي. حا يسكن وين فوق ولا تحت؟ لاحظت اهتمام فوق العادة من دائرة التسامر. لا تبدو ملامحه مختلفة عن ملامحنا إلا أنه كان يحب أن ينجز أمر استقراره بأسرع ما يمكن؟ أشرت عليه بالسكن في صف غرفنا الأرضية، وقد كان.
تعرفت عليه سريعاً. هنالك بشر يدخلون إلى قلبك عنوة ودون استئذان، ينشرون النور من حولك ويبثونك إلي جانب ذلك طاقة إيجابية. اول مرة نأكل في صينية غداء منذ دخولنا المعسكر. كان إعدادها على يد فدوى، زوجة ربيع، وتربيزة وكرسي ودلع على الآخر. أما فدوة فلا تقل عن ربيع شيئا. تحملت إلى جوار مسؤوليتها وهواجسها مسؤولية إكرام أصدقاء ربيع. كان ربيع ولا يزال يمثل دور الشمعة بإخراج باذخ الوضاءة وكانت فدوى تمثل دور المرآة شديدة النقاء.
تعلمت منهما معنى أن تكون نوراً في حالك الظلام ولا أبالي باحتراقي. ثابر ربيع بأشواقه التي تسكنه وجعل المستحيل ممكناً بانتاج عمل مسرحي كبير رغم المتاريس. مشوار كامل الملامح يسوقنا فيه إلى النور. ونحن نشرب الشاي عند محاسن ويدفع ربيع، نخرج للإفطار (الفتة) ويدفع ربيع. لو حاولت ادخال يدك في جيبك الفاضي ستسمع يااااا رجل ..يااا رجل.
النزوح مجهر تبدو تحته الأزهار وهي تغتسل بنداها. لمحة إنسانية مختصرة لإنسان شمعة. سأظل وفياً للحظات وأقدار رغم تعاستها جمعتنا في لمة نزوح. ولن أنسى له لحظة إنكساري العظيم. خرجت دموعه إلى دموعي ونحيبه إلى نحيبي، يشد عضدي ويضمد جرحي.