المسرحيون السودانيون.. مجابهة الموت والحرب بالفن
متابعات ـ مواطنون
قبل اندلاع حرب الخرطوم، وعندما تفف على باب المسرح القومي بأمدرمان، ينتابك احساسٌ حزين بالخراب الذي طال مبانيه، والوجوم الذي يخيم على خشبته، والتي أضحت ثكنةً عسكرية لسنوات بعد سقوط نظام عمر البشير.
في الأثناء كان المسرحيون السودانيون يلملمون في شتاتهم بفعل سياسات النظام السابق، ونجحوا في بناء مؤسساتهم ونقابتهم وتأسيس حقبة مسرحية سودانية جديدة، تستمد صيرورتها من أكثر من مائة عام من التراث المسرحي السوداني.
لكن حرب منتصف أبريل المنصرم، والتي اندلعت في العاصمة الخرطوم، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ونزح الملايين الي المدن السودانية ودول الجوار. فقد الوسط الفني والثقافي على إثرها أكثر من خمسة عشر مبدعاً، ونزح الآخرون يحملون الخوف والقلق المصير المجهول.
استعاد المسرحيون السودانيون ثقتهم في مدن النزوح، وطفقوا يعدون النصوص وورش العمل وتنظيم العروض المسرحية في مواجهة آلة الحرب والدمار، ورويدا رويدا بدأت تشتعل مسارح مدن النزوح في ود مدني وبورتسودان والقضارف والدمازين وعطبرة وشندي بالعروض المسرحية والندوات الفنية.
وحول تجربته في مواجهة الحرب، يقول الكاتب والمخرج ربيع يوسف ل(مواطنون) : التقينا بمركز إيواء بمدينة ود مدني نحن عدد مقدر من المبدعين المسرحيين، والموسيقيين، والتشكيلين، وذلك بعد أن فقدنا في رحلة نزوحنا إلى هذا المعسكر الكثير من أحبتنا وممتلكاتنا، ويعبر يوسف عن حزنه بأن فقد معظم المبدعين المسرحيين النازحين هويته الإبداعية بسبب الحزن والقلق على الذات، وعلى الوطن ، ووصف الحال في معسكر الإيواء الحصار و الانتظار المجهول، حيث كادت الرتابة النيل من عزائمهم ، وبحسب تعبيره: إلاّ أن الرغبة في الحياة، وشغف الانتماء لها دفعانا لخيار المقاومة، بدلا عن الاستسلام فكانت ورشة بناء العرض المسرحي: تلك التي تبادلنا فيها معارف وفنون المسرح دون أن ننسى أن جرحنا الأكبر وحربنا الخرقاء أشتعل أوارها بسبب العنصرية وخطاب الكراهية وتمييزنا ضد النساء والأقليات الإثنية. مضيفا بأن إشتغال ورشة بناء العرض المسرحي على هذه القضايا/ الراحات؛ لتكون مضامين عرض (متاريس) الذي كان نتاج الورشة ، ويرى يوسف بأن جرحهم وجرح من نستهدفهم بالعرض من الجماهير جرحا كبيرا ، فكان حتما عليهم أن لا ينسوا متعة المسرح وضحكاته ، تلك التي يعقبها ألم أكتشاف أن الواحد من يحمل جرثومة تلك الأمراض التي أوصلتنا لهذا النزيف الدعامي.
ويصف يوسف لحظة تقديم العرض، والذي شهده جمهور غفير متحفز، الأمر أكسبهم هوية جديدة هي (المقاومة)، هوية أزاحت هويات النزوح والنجاة والعطالة بحسب تعبيره ، صرنا مشغولين بالوصول لجماهير هي صاحبة مصلحة في المسرح والفن والحياة .
بدوره يرى الممثل عبدالله عبد السلام أن ديدن المقاومة المسرحية المستمرة هو النضال المبدع فى أحلك الأوقات، والقتال بأدوات المسرح من أجل التوعية، وتطييب الجراح رغم الظروف، مضيف بأن عالم المسرح ينسينا مرارات الواقع الأليم الذى نعيشه.
ويعود يوسف لزمن ماقبل العرض بالقول إنها كانت فترة مليئة بمشقات ومطبات كثر ،مطبات التربص والخوف ، حيث أكتشفنا أن ثمة همس في المكاتب والمحادثات، همس ومحادثات تصف عرضنا بالتحريضي والضدية والفضح ، ووصف يوسف المتربصين من اعداء المسرح بالجهل، لأنهم لايدركون بأن مهمة المسرح أن يحرض على الحياة ويفضح الطغاة