ترتیبات الحكم المؤقتة في البیئات الھشة وبیئات ما بعد الصراع (2-3)
روبرت فورستر
نوع الأزمات المؤدية إلى إطلاق شرارة الانتقال.
تسعى غالباﹰ ترتيبات الحكم المؤقت التي تعقب أزمة انتخابية أو مأزقاﹰ سياسياﹰ أو ﹰانقلابا إلى تنفيذ إصلاحات تستهدف مجالات محددة، على غرار النظام الانتخابي، أو إرساء اللامركزية، أو التمثيل المتدني لبعض الجماعات في قطاعات بعينها (مثل الوظائف العامة والمؤسسة العسكرية)، أو إرساء مناخ من الثقة في الحكومة عبر تقاسم السلطة. وبهذا المعنى، فإن هذه الترتيبات لا تستهدف تنفيذ إصلاحات شاملة، وهذا ما وقع في غينيا سنة ٢٠٢٠ وغينيا بيساو سنة ١٩٩٩ولبنان سنة ٢٠٠٨. وفي المقابل، فإن الصراعات التي تنطوي على مطالبة بالانفصال تركز على عنصراللامركزية باعتباره مجال الاهتمام الجوهري (بابوا غينيا الجديدة/بوغانفيل ١٩٩٤- ١٩٩٨؛ الفيلبين/ مينداناو٢٠١٠). ومن جهة أخرى، فإن أصحاب المصلحة في الصراعات الأهلية الطويلة الأمد يطالبون عادة بإجراء عملية إصلاح شاملة للدولة على مستوى الكثير من القطاعات (مثال السودان ٢٠٠٥ ونيبال ٢٠٠٧). ونستثني من هذا التعميم الحكومات التي تنفذ ما يعرف بـ ’عملية سلام من جانب واحد‘، فهي تنجز إصلاحات محدودة تفادياﹰ لحدوث انشقاقات واسعة النطاق، وهذا ما حدث في البحرين (٢٠٠٠) أوالجزائر (١٩٩٤)، حيث لا نية لتنفيذ إصلاحات كبيرة. وفي كل حالة من هذه الحالات يؤثر نوع الأزمة فينوعية الإصلاحات المقترحة ونطاقها.
الحاجة الرمزية إلى التغيير
تعد بعض المؤسسات خلال الفترات الانتقالية عاملاﹰ من العوامل المباشرة للأزمة، وهذا ما يجعلها عنصراﹰ رئيسياﹰ من عناصر جدول الأعمال التي تتطلب ﹰتغييرا. قد تشمل المسائل الرمزية الأطر الدستورية القائمة التي تسمح باستمرار سوء الحكم أو التي تصبح بغير ذات صلة في ظلالضرورة التشريعية، الأمر الذي يقتضي تجديدها. قد يقترن عمل بعض المؤسسات الأمنية أو العسكرية بانتهاكات لحقوق الإنسان أو بالقمع، الأمر الذي يقتضي التعجيل بإصلاحات تهدف إلى إعادة بناء الثقة. عندما تستهدف العمليات الانتقالية إتاحة المزيد من الديمقراطية، قد تكون هناك مطالبات شعبية بإنجاز إصلاحات شاملة للمؤسسات المركزية لتسهيل ’قطع الصلة‘ عن النظام القديم. في مصر على سبيل المثال، في بداية الفترة الانتقالية التي قادها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك مطلع عام ٢٠١١، كان الإصلاح الدستوري ينظر إليه على أنه ركيزة أساسية من حيث إتاحته تغييراﹰ رمزياﹰ يقطع الصلة مع النظام السابق.
مرحلة التفاوض
يختلف مستوى تفاصيل ترتيبات الحكم المؤقتة ﹰأيضا إعتماداﹰ على السياق في نقاط مختلفة في عملية التفاوض. إن الوثائق المبسطة على غرار ’ خارطة الطريق‘٢ التي توفر ﹰملخصا للإصلاحات الضرورية لن تكون مغرقة في تفاصيل تحقيق هذه الإصلاحات. إعلان آرتا الذي اقترح ترتيبات حكم مؤقتة في الصومال عام ٢٠٠٠ هو مثال على مثل هذه الوثائق. لمراعاة عدم وجود تفاصيل، يتم التفاوض على العديد من ترتيبات الحكم المؤقت من خلال اتفاقات متعددة تحدد التغييرات المتفق عليها بطريقة مجزأة. وفي المقابل، فإن الوثائق التي تكون في شكل ’مخططات تصميم‘ تكون بمثابة ’جدول أعمال‘ شامل وأقل غموضاﹰ من خرائط الطريق. يمكن إنجاز ذلك عبر جمع العديد من الاتفاقات في وثيقة شاملة واحدة على غرار ما وقع في طاجيكستان (الاتفاق العام لسنة ١٩٩٧) أو كنتيجة لمفاوضات طويلة الأمد على غرار ما وقع في اتفاق لومي لسنة ١٩٩٩ في سيراليون، أو اتفاق السلام الشامل لسنة ٢٠٠٥ في السودان.
الأطر القانونية القائمة
ستتشكل كذلك الترتيبات الانتقالية وفق الإطار القانوني القائم وستتأثر بما سيتخذ في شأنها من قرارات/ سواء أتقرر تعويضها أم مراجعتها أم غض النظر عنها. أما ’إضفاء الشرعية القانونية‘ على ترتيبات الحكم المؤقت، فتوجد بشأنه خيارات مختلفة، من بينها الاستناد إلى إطار دستوري قائم، أو’القطع المؤقت ‘ مع الأطر القانونية القائمة عبر سن إعلانات خارج نطاق الدستور، أو سن أطر قانونية جديدة تقطع نهائياﹰ مع الأطر القديمة. ولكل خيار نقاط قوة ونقاط ضعف. بالنسبة إلى الترتيبات التي ترتأي الاستناد إلى الأطر القائمة فقد تواجه قيوداﹰ تحد من نطاق الإصلاحات الممكن إنجازها. ففي حالة الترتيبات التي اقتصر تنفيذها على مناطق محددة من دولة ما، أدى ذلك إلى تبعات على مدى اتساع نطاق اللامركزية المراد إرساؤه في بابوا غينيا الجديدة/بوغانفيل وفي الفيلبين/مينداناو. ومن جهة أخرى، فإن الإجراءات الرامية إلى سن دستور وأطر قانونية جديدة تماماﹰ تواجه مشاكل تتعلق بمدى شرعية المشاورات والمشاركين فيها. وبالنسبة إلى الاتفاقات الخاصة بالحكم المؤقت التي يعاد التفاوض بشأنها، فقد تتم عرقلة تنفيذها بسبب وجود نصوص قانونية سابقة تنص على قضايا إحلال السلم والحكم الانتقالي عندما يرفض أحد أصحاب المصلحة الاستناد إليها. بالنسبة إلى حالة اليمن، فقد وﹸضع خط أحمر لا ينبغي تجاوزه في المسار التفاوضي منذ سنة ٢٠١٥ وتمثل في وجوب الالتزام الصارم ب ’ المرجعيات الثلاث‘. والمقصود بالمرجعيات الثلاث هو:
(أ ) مبادرة مجلس التعاون الخليجي لسنة ٢٠١١ التي تدعم الحكومة المؤقتة لعبد ربه منصور هادي وشرعيتها؛
(ب) مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل المدعوم من مبادرة مجلس التعاون الخليجي؛ و
(ج) قرار مجلس الأمن عدد٢٢١٦ لسنة ٢٠١٥ الذي ينص على قواعد مفاوضات السلام الحديثة.
توفر هذه الوثائق إطاراﹰ ملائماﹰ لحكومة منصور هادي الذي فقد (بعد ٨ سنوات في السلطة) الكثير من شرعيته.
١-٣. دور الأطراف الفاعلة الدولية
غالباﹰ ما تكون المؤسسات الدولية الناشطة في المجالين السياسي والمالي ومجال حفظ السلام ذات أهمية بالغة في الدفع بالعمليات الانتقالية وتمكينها. وهذا واضح بوجه خاص في الحالات التي تنطوي على حكومات انتقالية تحتاج إلى اعتراف دولي بها وتسيطر على أجزاء من البلاد سيطرة شكلية لا غير (مثال الصومال، واليمن). تؤثر النزاعات داخل البلد الواحد في الدول المجاورة سواء تعلق الأمر بالجوانب التجارية أم السياسية بقضايا الهجرة وتدفق اللاجئين إلى بلدان الجوار غير المشاركة في الحرب. إضافة إلى ذلك، فإن الصراعات التي تنشب داخل بلد ما غالباﹰ ما يقع تدويلها بشتى الطرق. وقد يشمل التدويل اللعب على وتر الانتماء العرقي على حدود دولتين أو مجموعة دول، أو تلقي دولة ما دعماﹰ سياسياﹰ/عسكرياﹰ عابراﹰ للحدود، أو وجود ثغرات في حدود دولة ما يسهل أمر اختراقها. يتعين على الحكومات المؤقتة أن تمتثل لالتزاماتها القانونية الدولية المتعلقة بالحكم الرشيد وحقوق الإنسان كي تصبح مؤهلة لممارسة التجارة وتلقي التمويلات لتنمية اقتصادها ودعم جهود حفظ السلام فيها.
وقد تضطلع الأطراف الدولية الفاعلة بدوربالغ الأهمية في دعم عملية الانتقال، ويشمل ذلك الجوانب التالية:
الدعم التقني
تعد الأطراف الدولية الفاعلة ﹰمصدرا للخبرة التقنية التي قد تكتسي أهمية بالغة في تحديد خيارات أصحاب المصلحة المحليين في ما يتعلق بمسألة الانتقال، ولا سيما خلال فترة ١٨ شهر الأولى. ويقدم الخبراء التقنيون الذين توفرهم الحكومات الأجنبية والمنظمات المتعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية الدولية والجامعات الدعم والتدريب اللازمين للاطلاع على الممارسات الفضلى في مجال إصلاح القطاعات الاستراتيجية، من خلال النسج على منوال التجارب العملية والمقارنة. ويمكن لنقل الخبرات بهذه الطريقة أن يسهم في بناء القدرات وإضفاء الطابع الاحترافي على النقاشات والتفاعلات بين أصحاب المصلحة المحليين. تشكل البرامج التدريبية غالباﹰ منتديات غير رسمية للتفاوض وجمع شمل الخصوم وطيف واسع من الفاعلين المدنيين. ويمكن أن تؤدي التدخلات غيرالمبرمجة التي تقوم بها أطراف دولية مع ذلك إلى إلحاق الضرر بالعملية الانتقالية. ويمكن أن يكون لهيمنة الأطراف الفاعلة الدولية ﹰتأثيرا على الأجهزة المحلية عبر كتم صوت الأطراف المحلية أو ضعف آليات التنسيق بين الأطراف الدولية الفاعلة، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تضارب الأهداف والغايات.
الدعم السياسي.
عبر استخدام طائفة من التدابير ﹰبدءا بالتدابير العقابية (على غرار حفظ السلام والعقوبات والتنديد) وانتهاء بالتدابير الأقل قسوة على غرار المنتديات واللقاءات والمساعي الحميدة والإجراءات الأقل رسمية، يمكن للاطراف الفاعلة الدولية التأثير في العملية الانتقالية من خلال:
• تعزيز قدرات أصحاب المصلحة؛
• تسليط الضوء على المجموعات المهمشة وإبراز دورها؛
• تقديم ضمانات أمنية؛
• حث أصحاب المصلحة على التحلي بـ ’النضج‘السياسي الكافي لتحقيق التوافق والاتفاق؛
• تقديم المساعدة لتخطي الصعوبات التي يتيح كشفها العثور على الحلول؛
• إنشاء قنوات تواصل محايدة وموثوقة يمكن أن تكون همزة الوصل والوسيط بين الأطراف المتفاوضة؛ و
• إحداث تغيير في العلاقات بين أصحاب المصلحة عبر ’التأثير في البيئة الاجتماعية والاقتصادية التي يقع فيها تدور فيها القوى المحركة للصراع والسلام‘.
ورغم أن بعض الاطراف الفاعلة الدولية تميل إلى الحياد، فإن شقا آخر يصطف في أحيان كثيرة إلى جانب طرف من أطراف النزاع ويسهم في إطالة أمد الصراع.
تمويل الترتيبات المؤقتة
تضطلع الجهات الدولية الفاعلة كذلك بدور أساسي في تمويل المفاوضات المفضية إلى وضع ترتيبات الحكم المؤقت وتنفيذها. ويكتسي هذا التمويل أهمية بالغة في حال كانت الدولة المؤقتة مضطرة لتسديد الأجور واقتناء السلع والخدمات تفادياﹰ للشعور الشعبي بالاستياء وتنامي حالة عدم الاستقرار. لكن التمويل الدولي غالبا ما يواجه مشكلتين اثنتين: الأولى هي أن الحصول على التمويل الدولي عملية شديدة البطء، والثانية هي ان التمويل يكون قصير الأمد ومشروطاﹰ بتحديد المشاريع التي ستنفق فيها الأموال. وهذا يعني أن ترتيبات الحكم المؤقت هشة إلى حد ما، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار تلك التريبات في حال توقفت الجهات المانحة عن تقديم التمويلات. يمكن الحصول على التمويل الدولي عبر الاستفادة من العلاقات الثنائية التي تجمع الحكومة المؤقتة بسائر الدول المانحة التي تتعهد بدعم المسار أو المساعدة في إعادة الإعمار. عندما تعجز الدول عن توفير التمويل المتعدد الأطراف، يمكن أن تلجأ الحكومات المؤقتة المشكلة حديثاﹰ إلى البحث عن وسطاء لتوفير التمويلات.
هناك مصدر آخر للتمويل يتمثل في أدوات التمويل الإنمائي ذات العلاقة بالبنوك الإنمائية على غرار البنك الدولي، إضافة إلى المساعدات الإنسانية. وللحصول على تمويل إنمائي، يتعين على البلدان أن تلتزم ببعض معايير الحكم والتنمية (وهو أمر تبذل الدول التي تمزقها الحروب وسعها لإثباته). إن البلدان التي لا تتقيد بهذه المعايير تكون في وضع حرج في نظر البنك الدولي (وغيره من البنوك الإنمائية) والأمم المتحدة، وكلاهما غير قادر على منح تمويلات طويلة الأمد. غالباﹰ ما تكون الفترة الانتقالية في حد ذاتها غير كافية لإعداد سجل لمتابعة الالتزام بالمعايير المطلوبة. يقتصر الجانب السياسي في هذا الأمر على الأوقات التي تصوت فيها البلدان على موافقتها أو رفضها لمنح التمويل لبلد ما، وبمجرد التصويت بالموافقة يصبح تدفق التمويلات ﹰدائما. ولذلك، فمن المرجح أن تعول ترتيبات الحكم المؤقت على مشاريع المساعدة الإنسانية قصيرة الأمد وعلى تعهدات المانحين التي تتم إدارتها عبر الصناديق الاستئمانية متعددة الشركاء التي تؤسس لدعم الحوكمة ومشاريع إحلال السلام.
المساعدة العسكرية
تضطلع الجهات الفاعلة الخارجية غالباﹰ بدور في إطالة أمد الصراع ودعم الجماعات المسلحة. وقد شاعت هذه النزعة خاصة خلال الحرب الباردة لكنها مستمرة راهناﹰ في نزاعات مختلفة وتتخذ على سبيل المثال شكل تمويل خارجي لمختلف الجماعات المسلحة في سوريا منذ سنة ٢٠١١.و يمكن أن يشمل التمويل ’تقديم الأموال والأسلحة والمعدات و/ أو التدريب‘. وخلال مسار توطيد أركان الترتيبات المؤقتة، يمكن لتدفق التمويلات بشكل متواصل (من مصادر مختلفة بوجه خاص) أن يؤدي إلى تقويض العملية الانتقالية.
العقوبات والحظر
تعد العقوبات والحظر من التدابير العقابية التي تسلط على دولة ما جراء إتيانها أعمالاﹰ غير محمودة، وهي ترمي إلى الحد من قدراتها الحربية (من خلال الحظر الاقتصادي) أو الحد من الأذى الذي يلحق بالسكان المستضعفين (من خلال حظر بيع السلاح). تختلف المقاربات الخاصة بتسليط العقوبات، حيث يمكن التمييز بين الفردية منها والجماعية، وهي تشمل تجميد الأصول والمنع من السفر. وبالنسبة إلى المجموعات التي تتلقى تمويلات من الشتات أساساﹰ، فإن فرض العقوبات قد يساعد في ثني الجهات الممولة عن تقديم المزيد من الدعم المالي، كما هو الحال بالنسبة إلى حركة تحرير نمور تاميل إيلام التي أضيفت إلى قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي لسنة ٢٠٠٦. في بعض الأحيان، قد تفيد العقوبات في حمل مختلف الأطراف المتصارعة على تقديم التنازلات أثناء المفاوضات (ومثاله التهديد بفرض عقوبات على الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح). لكن قد تلحق العقوبات الضرر بالعملية الانتقالية وتدفع الطرف المعاقب إلى التشبث بهويته و’ الالتفاف حول الراية الوطنية‘. وأحياناﹰ، يمكن لأنواع محددة من العقوبات (على غرار وضع بعض الأفراد أو الجماعات على قائمة الإرهاب) أن تعزل بعض الجماعات صاحبة المصلحة التي تكون أساسية في تأمين الطابع التشاركي للعملية الانتقالية على نحو يمنع مشاركتها في الحوار ويدفعها نحو المزيد من الراديكالية. في حالة السودان، تبين أن وضع الحكومة المؤقتة على القوائم الدولية للبلدان الممولة للإرهاب كان له أثر كبير على محاولات السودان تأمين التمويلات اللازمة لترتيبات الحكم المؤقت الراهنة.
١-٤. ترتيبات الحكم المؤقت على المستوى المحلي
يمكن أن ينشأ الحكم المؤقت على المستوى المحلي (في منطقة ما من مناطق البلاد) رداﹰ على الجهود التي تتم من القمة إلى القاعدة لاستعادة قوة الدولة وهيبتها أو نتيجة لتوكيل من الأهالي المحليين. إن ترتيبات الحكم المؤقت على مستوى ما دون الدولة (ويشار إليها لاحقاﹰ بترتيبات ما دون الدولة) نادرة الحدوث مقارنة بترتيبات الحكم المؤقت التي يتم تنفيذها على مستوى الدولة برمتها كما تم شرح ذلك آنفا، ولكنها لا تختلف عنها من حيث السمات والخصائص. لكن يتم اللجوء إليها عندما يتعلق الأمر بالسعي إلى الانتقال من وضع الصراع إلى وضع السلم على مستوى ما دون الدولة (كجزء من مسعى حلصراع حول الأرض على مستوى ما دون الدولة مثلاﹰ. يرتبط استخدام ترتيبات ما دون الدولة بالصراعات التي تنشب على مستوى ما دون الدولة، وغالباﹰ بالحاجة إلى عقد تسوية إقليمية أكثر تشاركية في بلد ما وإقامة علاقة جديدة بين منطقة معينة داخل البلاد وبين الدولة المركزية.
البعد المحلي بوصفه عاملاﹰ لإضفاء الشرعية
عندما لا يكون الاهتمام منصباﹰ أساساﹰ على تأمين الانتقال على مستوى ما دون الدولة، تبرز الحاجة إلى التفكير في أساليب تكفل قيام الانتقال الوطني على مبادرات محلية جديدة للحكم وتحقيق الانتقال. ينصب اهتمام الكثير من عمليات الانتقال السياسي على الإطارالوطني العام ويتم إغفال السياقات المحلية، لكن هذه العمليات تصبح هشة عندما ترفض المناطق الداخلية العمليات الانتقالية التي تم تنفيذها على المستوى الوطني. ولهذا صلة وثيقة بالعمليات التي تتم على المستوى الوطني على نحو يتجاهل الشأن اليومي للمواطنين. ويظهر ذلك جليا في بعض الممارسات التي تنطوي على سياسة انعزالية من قبل الأطراف التي تعقد مفاوضاتها في الفنادق الفخمة بالعواصم البعيدة محصنة بالكتل الاسمنتية والأسلاك الشائكة. وبالنسبة إلى حالة الانتقال السياسي في السودان التي بدأت سنة ٢٠١٩، فقد شجع استمرار حكم ممثلي الجيش للمناطق الداخلية (بسبب إعلان حالة الطوارئ في وقت سابق) سكان تلك المناطق على مقاومة عملية الانتقال المركزية.
علاوة على ذلك، عندما لا تطبق مبادئ تقاسم السلطة على المستوى الوطني على الحكومات الإقليمية أوالمحلية، فإن المظاهر المحلية من الصراع الوطني تستمر. في أفغانستان، تم اختبار نموذج مختلف عبر اعتماد ’مواثيق المواطنين‘ وسيلة لتحسين الخدمات والمشاركة بين الدولة والمجتمع، بهدف تعزيزالاستيعاب المحلي للتنمية وإضفاء الطابع المحلي على السيادة. إذا ما شعر الناس أن اتفاقاﹰ حول عمليات الانتقال السياسي قد أبرم بدفع أو ضغط من الحكومات الأجنبية، فإن ذلك من شأنه أن يضعف القدرة على الاستيعاب المحلي ويحدث أزمة ثقة يصعب تداركها.
المواءمة بين الترتيبات المحلية والترتيبات الوطنية
آليات التنسيق بين المستويين الوطني والمحلي ضرورية بغض النظر عما إذا كانت الترتيبات المؤقتة على المستوى الوطني أو على مستوى ما دون الدولة. لكي تسهم ترتيبات ما دون الدولة في بناء السلام على نحو يتجاوز إدارة العنف في النزاعات المحلية، يجب أن يتوفر قدر من التنسيق مع ما تشهده الدولة من تطورات على مستوى إحلال السلام. في حالة الفلبين/مينداناو، نص الاتفاق الإطاري لعام ٢٠١٢ بشأن بانغسامورو على إنشاء سلطة وطنية انتقالية جديدة للإشراف على الانتقال في مينداناو وإنشاء ترتيبات محلية.
تم بعد ذلك تشكيل لجنة انتقالية مكونة من أعضاء معينين من قبل كل من جبهة مورو الإسلامية للتحرير وحكومة الفلبين للعمل على الدستور الخاص بهذه المنطقة من البلاد (القانون الأساسي)، وتنقيحات دستورالفلبين، وبرامج التنمية لمينداناو. من ناحية أخرى، بذلت ميانمار وسعها لتسهيل عملية التنسيق بسبب الغموض في اتفاقية وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني لعام ٢٠١٥ والتي منحت ’المهام التي يتعين تنفيذها خلال الفترة الانتقالية‘ للمنظمات المسلحة العرقية. ومع ذلك، فشلت الاتفاقية في تحديد هذه المهام أو أي آلية تنسيق بين آليات الحكم الخاصة بالمنظمات المسلحة العرقية والدولة كما هو واضح من حالات أخرى، مثل الصومال، فإن الافتقار إلى المواصفات الخاصة بكيفية شمول ترتيبات ما دون الدولة في تسويات أوسع قد يسمح للكيانات التي تم تمكينها بالظهور كمفسدين قد يقاومون بضراوة عملية الشمول.
المصدر:
www dot idea dot int