الطريق نحو أحزاب سياسية مستدامة في العالم العربي
مواطنون
تحت هذا العنوان يتناول الكاتب مروان المعشَّر مسألة في غاية الأهمية لبناء أحزاب سياسية فاعلة وقادرة على لعب دورها في العملية السياسية الديمقرطية في بلدان العالم العربي. وتناول تجارب عدد من الأحزاب في دول بعينها وهي مصر وليبيا وتونس.
وكمدخل لمقالته القيمة، ركز الكاتب على أهمية أن تتغلب الأحزاب النائة على تحدياتها المؤسساتية وأن تحسن من قدراتها على توفير ما يحتاج إليه الشعب على المدى الطويل. وذهب إلى أنه على الرغم من الكثير من هذه الأحزاب لعبت دوراً فعالاً في الإطاحة بالأنظمة القديمة. لكنها واجهت صعوبة في تطوير هويّات متّسقة، وإنشاء قواعد دعم فاعلة، وبناء قواعد انتخابية مستدامة. وإذا ما أرادت المشاركة الفاعلة في العملية السياسية. وان مصير هذه الأحزاب الناشئة سيلعب دوراً هائلاً في تحديد نجاح مراحل الانتقال السياسي التي تشهدها المنطقة العربية.
ووضع الكاتب عدة توصيات للأحزاب السياسية الناشئة على النحو التالي:
• وضع برامج واضحة ومفصّلة تتجاوز الحديث عمّا يعارضه الحزب لتحدّد ماتنوي عمله، أي تلبية حاجات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية.
• تصميم برامج من خلال مشاورات شاملة مع الناخبين بدلاً من الاعتماد على مشورة مروحة صغيرة من الخبراء.
• التخلّي عن البرامج الإيديولوجية البالية وإيجاد طرق جديدة للتوصّل إلى حلول بشأن تحدّيات توفير فرص العمل، وضمان الحراك الاقتصادي، وتحقيق المساواة أمام القانون، ومكافحة الفساد، وضمان تمثيل سياسي أوسع وأكثر عدلاً.
• عزيز السياسات التعليمية التي تشجّع على التعدّدية، والتسامح، واحترام مختلف وجهات النظر، والتفكير النقدي.
• قامة روابط حقيقية مع الناس، والتعلّم من الأحزاب الإسلامية التي بنت قواعد انتخابية على مدى عقود من خلال توفير الخدمات الصحية والتعليمية، وغيرها.
• ضع استراتيجيات جديدة ومبتكرة لجمع التبرّعات الصغيرة، ولكن المنتظمة، من قاعدة واسعة من المواطنين.
• قناع مجتمع رجال الأعمال بتأدية دور أكثر فاعلية في تمويل الأحزاب السياسية الناشئة، من خلال التدليل على أنّ إنشاء نظام حزبيّ قويّ ومستقلّ ومستقرّ يصبّ في مصلحته.
• قليل التركيز غير القابل للاستمرارعلى شخصيات الأحزاب وقادتها منفردين.
• لتشجيع على توطيد الأحزاب السياسية العلمانية من خلال التركيز على سياسة الخيمة الكبيرة التي تستوعب الجميع.
ويقول الكاتب (لاتزال الأحزاب السياسية العلمانية الناشئة في البلدان الثلاثة تجهد لإثبات وجودها في أنظمتها السياسية. وعلى الرغم من تشكيل بعض التحالفات، لايزال مشهد الأحزاب السياسية في مصر وليبيا وتونس مجزّأ للغاية. والأحزاب تفتقر إلى المستويات اللازمة من الوعي والدعم الجماهيري لتلعب دوراً سياسيّاً فاعلاً، مع استثناءين محتملين هما تحالف القوى الوطنية في ليبيا ونداء تونس في تونس).
التمييز بين الأحزاب في ميدان مزدحم
ويرسم مروان صورة سالبة لظهور الكثير من الأحزاب في أعقاب الثورات العربية، حيث واجه الناخبون مهمة شاقّة في محاولة تحديد الحزب الذي سيمثّل مصالحهم خير تمثيل. ويقول (أمّا مازاد المشكلة تعقيداً فهو واقع أنّ أحزاباً كثيرة بدت وكأنّها صورٌ طبق الأصل عن بعضها البعض، وتخلو من أي إيديولوجيا، وتعتمد على تأييد مجموعة صغيرة من النخبة. حتّى تلك الأحزاب التي تبنّت إيديولوجيا معيّنة تبدو في غالب الأحيان وكأنّها تخفّف من مدى تأثير هذه الإيديولوجيا على تحديد هويّتها. وتملك جميع الأحزاب تقريباً مناهج وخططاً غامضة ومتخلّفة. والنتيجة مستنقع من المنظمات السياسية المتشابهة التي يكاد يستحيل على الناخبين التمييز في مابينها). ويرى الكاتب أن الأحزاب غالباً ما على شخصيات مؤسّسيها اعتمدت بدلاً من التركيز على برامج واضحة، الأمر الذي جعلها غير قابلة للاستدامة على المدى البعيد، وأثار الشكّ في صفوف المواطنين من أن يكون هدف هذه الأحزاب الحقيقي هو تمجيد شخصية الأفراد عوضاً عن رفاه الشعب.
إنّ رفض الإيديولوجيا أو تخفيف وقعها هو خيار استراتيجي يعكس قراءة هذه الأحزاب للبيئة السياسية الخارجية والقيود السياسية الداخلية. وينظر كثيرون إلى الإيديولوجيا على أنّها مسبّبة للانقسام ومجرّدة من فوائد السياسة الفعلية. لذلك، لاترى بعض الأحزاب أي جدوى من تحديد هويّة إيديولوجية لنفسها. حتّى الأحزاب التي تدّعي انتماءً إيديولوجيّاً تظهر وكأنّها تقلّل من أهميّته للحدّ من الانقسامات الداخلية.
عوضاً عن ذلك، ركّزت هذه القوى الناشئة على تأسيس أحزاب أكبر من خلال إقامة سلسلة من التحالفات السياسية. وصار يُذكر حزب المؤتمر الوطني الهندي أحياناً كنموذج يُحتذى به، حيث يركّز هذا النموذج على إنشاء تحالفات تحشد الدعم من قواعد محلّية محدّدة، وكتل الناخبين، والأحزاب الأصغر. والهدف من هذه البنية هو تمكين الأحزاب من التفاعل بشكل أكثر فاعلية مع الشعب واحتياجاته.
ليست هذه الاستراتيجية مخطئة بالضرورة. فالإيديولوجيات البالية لاتروق للناخبين ولاتقدّم حلولاً فاعلة، وبالتالي، الأحزاب محقّة في التركيز على بناء علاقات محلّية مع الناخبين. إلا أنّ المشكلة تكمن في أنّ معظم هذه الأحزاب في مصر وليبيا وتونس نشأت في ظلّ غياب قاعدة اجتماعية قوية أو علّة وجود أخرى. يعني هذا الواقع، إضافةً إلى العدد الهائل من الأحزاب، أنّ معظمها لم تتمكّن من التواصل مع عدد كاف من الناس لكي تبرز في الميدان المزدحم بالأحزاب.
وقد تفاقم الوضع بسبب افتقار الأحزاب إلى خطط وبرامج واضحة. فليس لديها سوى القليل لتقدّمه إلى الناخبين الذين يرغبون في التواصل معها. ومن المرجّح أنّ هذا القصور يُعزى جزئيّاً إلى نقص خبرة الأحزاب في الحوكمة. فقد تمّ استبعاد المواطنين في مصر وليبيا وتونس من عملية صنع السياسات في ظلّ الأنظمة السابقة، وبالتالي، كان من الصعب عليهم طرح مقترحات سياسية جذّابة وواقعيّة. يمكن أن تتحسّن هذه البرامج حين يكتسب أعضاء الأحزاب مزيداً من الخبرة الانتخابية والتشريعية والسياسية، غير أنّ العائق يكمن بالطبع في أنّ هذه الأحزاب تحتاج أوّلاً إلى حشد مايكفي من الدعم لتتمكّن من المشاركة في الانتخابات.
إنشاء قواعد دعم مستدامة
يقول الكاتب لا تزال قواعد دعم الأحزاب الناشئة، في وضعيّة متأخّرة. ويعدد أسباب ذلك في:
كثير من الناس لا يعرفون أسماء الأحزاب في مصر وليبيا وتونس، حتى الأعرق بينها، ومن الدعم المقدّم إليها.
اعتماد الأحزاب على مجموعة صغيرة من نخبة أعضائها من أجل جمع التبرعات والظهور السياسي في وسائل الإعلام .مما يجعلها عرضة للاستغلال من قبل المانحين والأثرياء الشيء الذي في مربع الفساد. وهذا تجنبه يؤدي إلى ضعف التمويل الذي يجعل من الصعب جذب المناصرين، ونقص المناصرين يحول دون تطوير شبكة قوية ذات قاعدة عريضة لجمع التبرّعات.
انعدام الثقة المجتمعية في الأحزاب السياسية التي نشأت في خلال عقود الحكم الاستبدادي في مصر وليبيا وتونس. إنّ الكثير من المواطنين، ومن ضمنهم الناشطون الشباب الذين من شأنهم تعزيز نشاط الأحزاب وظهورها السياسي، سيرفضون الانضمام إلى الأحزاب لاعتقادهم أنّ هذا الانتماء سيقوّض نفوذهم السياسي.
واجهت الأحزاب صعوبات في استخدام الأدوات المتاحة لتجنيد المناصرين وبناء قواعد انتخابية أوسع. وكان الإعلام الاجتماعي تحديداً غير فعّال؛ فمع أنه شكّل منبراً للتعبير عن الآراء، لم ينجح في جذب أعضاء جدد إلى الأحزاب.
العمل في بيئة سياسية مبهمة
يقول الكاتب في مقاله إن ما يزيد الأمور سوءاً، إضافة إلى انعدام الخبرة وإجراءات التمويل المثيرة للجدل، هو البيئات المضطربة للعمليات الانتقالية السياسية التي تعمل ضمنها هذه الأحزاب. إلى جانب البيئة القانونية المبهمة وغير المؤكّدة، حيث الأنظمة المتعلّقة بتنظيم الأحزاب وجمع الأموال توضَع ببطء وعلى نحو غير متساوٍ. ففيما تُصاغ القوانين والدساتير، تركّز الأحزاب على محاولة التأثير على قواعد اللعبة الجديدة أملاً في إقامة أنظمة مؤاتية للعمل الحزبي، أكثر مما تركّز على تطوير هويّاتها الخاصة وقواعد الدعم.
خريطة طريق لأحزاب مستدامة
تباينت سجلات الأحزاب الناشئة في مصر وليبيا وتونس طوال السنوات الثلاث الماضية تبايناً تاماً. صحيح أن الانفجار الأوّلي في نمو الأحزاب تَبِعَته بشائر تعزيزٍ ونشاطٍ متزايدٍ من جانب الأحزاب الأكثر نجاحاً، إلا أنه ما من شكّ في أن هذه القوى كافة لاتزال تواجه تحديات جدّية. فمشاكل الأحزاب كبيرةٌ في مايتعلّق بتحديد هويّاتها، وبناء قواعد دعم مستدامة لها، والتعامل مع البيئات السياسية المبهمة. كما أن الأحزاب تعاني تمويلاً ضعيفاً، وبرامج غير محدَّدة، وعجزاً أو عدم استعداد للتركيز على المطالب الاقتصادية التي تهمّ معظم المواطنين في العالم العربي. لذلك، ينبغي على الأحزاب الناشئة، بغية السير في الاتجاه الصحيح، أن توسّع أفق تفكيرها وتنظر إلى المستقبل.
ويستطيع المجتمع الدولي أن يضطلع بدورٍ داعمٍ مهمٍّ في هذا الإطار. ففي حين أن المقاومة الشعبية والحكومية لبرامج المساعدة الأجنبية من أجل الديمقراطية جعلت من الصعب أكثر فأكثر العمل مباشرةً مع الأحزاب السياسية في العالم العربي، لاتزال الفرص قائمة لتعزيز عملية بناء أحزاب أقوى من خلال دعم ظروف تنظيمية مفيدة. ويقع على عاتق الأطراف الدولية الفاعلة تشجيع الحكومات على اعتماد قوانين تسهّل الخطاب السياسي الصريح والحرّ، ومكافحة الفساد، والسماح بتشكيل تنظيمات سياسية وجمع الأموال، وتعزيز العدالة والشفافية في النظم الانتخابية. كما يمكن لهذه الأطراف أن تطالب بالتزام جادّ بإجراء انتخابات حرّة وعادلة تُمكِّن المواطنين من المشاركة بفعالية في العملية الديمقراطية.
بيد أن مصدر التغيير الحقيقي يكمن في الأحزاب الناشئة نفسها. فعلى هذه الأخيرة أن تتّبع أهدافاً واضحة لتحسين أدائها على الأرض وقدرتها التنظيمية.
وضع البرامج
وضع برامج واضحة ومفصَّلة تلبّي حاجات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية الفعلية. قدّمت هذه الأحزاب أداءً أضعف في تحديد الأهداف التي تنادي بها، وخصوصاً في مايتعلّق بمواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، مثل إيجاد فرص العمل، وتحقيق نمو أكثر شمولاً، وتأمين معاملة عادلة أمام القانون. وفي حين أن التشديد على مبادئ مثل التعدّدية والشمول هو جزء ضروري من عملية بناء الديمقراطية، تحتاج الأحزاب العلمانية أيضاً إلى وضع مقترحات أكثر شمولاً تستجيب للمشاكل التي تهمّ المواطنين في بلدانها.
الانخراط في مشاروات شاملة مع الناخبين عوضاً عن الاعتماد على مشورة مجموعات صغيرة من الخبراء. يتعيّن على الأحزاب أن تحصل على الموافقة الشعبية الأشمل عبر إشراك جمهورها في عملية وضع برامجها. ويمكن تحقيق هذا الهدف بتنظيم أنشطة على غرار الاجتماعات في دور البلدية والزيارات إلى المناطق النائية لاستطلاع حاجات المواطنين مباشرةً. عندئذ تستطيع الأحزاب الاستعانة بالمعلومات التي جمعتها في وضع برامجها.
التخلّي عن البرامج الإيديولوجية البالية، وإيجاد سبل جديدة للتوصّل إلى الحلول. على الأحزاب الناشئة إيجاد طرق جديدة ومبتكرة للترويج بشكل مقنع للحلول السياسية الحقيقية التي تتصدّى لتحديات إيجاد فرص العمل، وضمان الحراك الاقتصادي، وتعزيز الاستثمار، وتحقيق المساواة أمام القانون، ومكافحة الفساد، وضمان تمثيل سياسي أوسع وأكثر عدلاً.
تعزيز السياسات التعليمية التي تشجّع على التعدّدية، والتسامح، واحترام مختلف وجهات النظر، والتفكير النقدي. إذا أرادت الأحزاب أن تعزّز صحة الأنظمة الديمقراطية الوليدة في بلدانها على المدى الطويل، فعليها أن تنادي بقوةٍ بالإصلاحات التعليمية التي تشدّد على التعدّدية والتسامح. كما يجب أن تهيّئ سياساتُ الأحزاب أبناءَ الجيل المقبل في سنّ مبكرة ليصبحوا مواطنين حقيقيين لا أتباع.
بناء قواعد شعبية
لن تتمكّن الأحزاب العلمانية الجديدة، بين ليلة وضحاها، من إقامة القواعد الاجتماعية الشاملة لكنها يجب أن تضع استراتيجيات تتيح لها الوصول، على المدى الطويل، إلى القواعد الاجتماعية الموجودة أصلاً، مثل الاتحادات والمجموعات الطلابية، وتمكّنها من بناء قواعدها الخاصة على المدى الأطول. أما استخدام الإعلام للتعبير، كما يفعل العديد من هذه الأحزاب، فهو بداية لكنه ليس كافياً للوصول إلى الناس بشكل فعّال.
وضع استراتيجيات جديدة ومبتكرة لجمع التبرّعات الصغيرة ولكن المنتظمة من قاعدة واسعة من المواطنين.
إقناع مجتمع رجال الأعمال بتأدية دورٍ أكثر فاعلية في تمويل الأحزاب السياسية الناشئة من خلال التدليل على أن إنشاء نظام حزبي قوي ومستقرّ يصبّ في مصلحته. يتعيّن على الأحزاب العلمانية الناشئة أن تقنع القطاع الخاص بأن نظاماً حزبياً ثابتاً وحيوياً وتعدّدياً هو عنصر أساسي في حكومة ديمقراطية فاعلة قادرة على تعزيز النمو الاقتصادي.
إعادة هيكلة التنظيمات الحزبية
تقليل التركيز على شخصيات قادة الأحزاب. وأن تسعى إلى بناء تنظيماتها بشكل لايعتمد على المصير السياسي لشخص واحد.