الحرب العبثية في شهرها السادس، مقتلة المدنيين
عبدالله رزق ابو سيمازه
وهي تقف على مرمى دانة من شهرها السادس، فان ابرز ما يسم الحرب العبثية، في الطور الحالي من تطورها ،هو اشتداد الضغط على المدنيين ،بما ينطوي عليه ذلك من تزايد اعداد الضحايا من القتلى والجرحى والمهحرين قسريا والنازحين واللاجئين...الخ.
فالهجمات والهجمات المضادة، التي شغلت غالب الشهر الماضي، قد وصلت الى نهاياتها،دون تغير حاسم في ميزان القوى لصالح اي من طرفي الحرب.(ما من منتصر ،كما لاحظ المبعوث الاممي فولكر بيرتس خلال افادته لمجلس الامن الدولي نهاية الاسبوع الماضي).
حتى خروج الجنرال عبدالفتاح البرهان، من حصار القيادة العامة، اهم احداث الشهر الماضي، لم يكن نتيجة تطور درامي في مجرى الحرب، وانما كان محصلة توافق اقليمي ودولي، قال به اللواء (م) فضل الله برمة ناصر، رئيس حزب الامة، ايده د. محمد ودلبات، المسؤول بالاتحاد الافريقي، وسخر منه البرهان.
فقد تميزت الفترة الاخيرة بارتفاع وتائر تعرض المدنيين للقصف، الجوي والمدفعي، ما يؤشر دخول الحرب في نفق مسدود، ولم يبق غير ان تتقيأ عبثيتها .تلك هي مقتلة المدنيين.
فبعد حين من اللامبالاة، المحسوبة، كشفت الولايات المتحدة، كبيرة رعاة مساعي تفكيك ازمتي 25 اكتوبر 2022 و15 ابريل 2023، شعورها بالقلق البالغ (إزاء زيادة الهجمات الجوية والمدفعية العشوائية في السودان مؤخرا، بما في ذلك ولايات الخرطوم وجنوب دارفور وجنوب كردفان، مما أسفر عن وقوع عدد كبير من الضحايا في صفوف المدنيين.). قد لا يخلو وصف تلك الهجمات بالعشوائية من تطفيف ما..!
ومع تعثر العملية التفاوضية بمنبر جدة، التي كفت عن منح الامل لملايين السودانيين، المصطلين بنار الحرب، بحيث انها لم تعد تفعل اي شيء، تقريبا، سوى، منح المتحاربين زمنا اضافيا للاقتتال، بدا المجتمع الدولي اقل حساسية تجاه قتل المدنيين.عاجزا وعديم الحيلة. وبالمقابل ،فقد كانت بلدان الجوار السوداني مسرحا لنشاط سياسي ودبلوماسي مكثف، تمحور حول الحرب وضرورة وقفها، غيران نتائج ذلك الحراك الذي شارك فيه سودانيون، لازال حبرا على الورق.
ومع ذلك، فان انتقال مركز نشاط العديد من القيادات السياسية للخارج، كمعلم بارز من معالم التحولات السياسية، تسبب في اضعاف الحراك الشعبي في الداخل، وعطل تبلور الجبهة المدنية المناهضة للحرب، والتي ينعقد عليها الرهان للانتصار في معركة السلام والديموقراطية والوحدة الوطنية.
ان استمرار القتال، لشهر او لشهرين قادمين، كنتيجة حتمية لتعثر جهود وقف الحرب، بما يعنيه من تطاول امد الحرب، وتطاول معاناة المدنيين، بالنتيجة، من شأنه ان يعرض البلاد لمخاطر جدية، وفق يونيتامس، ادناها تقويض امكانية انتقال مدني. فحسب التقرير الدوري للبعثة الاممية، الذي نشرته مؤخرا، فان وحدة السودان والحفاظ عليه وعلى استقرار المنطقة على المحك، فيما تهدد التعبئة العرقية وزيادة الهجمات ذات الدوافع العرقية باغراق البلاد في حرب اهلية شاملة.
لا تخلو التراجيديا السودانية، التي تحظى باهتمام ملموس من العالم الخارجي، من مغزى متجاوز للحدود السياسية، بعد انقلاب غابون، وانقلاب النيجر الذي سبقه، حيث تتحول الانقلابات العسكرية الى خطر داهم يهدد مستقبل الديموقراطية والحكم المدني في افريقيا. ثمة فرصة جديدة للوحدة الافريقية لتعبر عن نفسها في التضامن والكفاح المشترك عبر جبهة قارية للقوى الديموقراطية، من اجل اسقاط الانظمة العسكرية، والانظمة المدنية شبه الملكية، والحكم الوراثي.