(نداء الموت)!
عثمان حامد سليمان
* إلى كافة الموتى الجدد، الخارجين من نعيم دنيا أمدرمان شمال، خاصة من تعذرت عليهم سبل الوصول إلى مدافن احمد أفندي شرفي أو البكري.
يناديكم ( ابوحبيب)، تفضلوا حتى بدون اكفان!!
* هلموا فالدار القديمة تفتح أبوابها لاستقبالكم ويفسح لكَم قدامى قاطني المكان في المرقد، الذي يكاد يندثر بعد أن اخترقته الدروب وعبثت به أقدام المارة وكاد أن يتحول، تحت هرولة أقدام الصبية، إلى مضمار لماراثون المشى اليومي في رحلاتهم العجولة نحو الأسواق والمراتع الأخرى.
* انتهكوا جلال الموت القديم اولاد اللذين!
فلم تعد تفزعهم فكرة القبور التي امحت آثارها، وقد تفتحت لحود بعضها بفعل خريف سحيق، وغمر الماء فتات العظام فاختلطت مع عجائن التراب الأحمر والرقيطاء التي تجلل المكان بحلة رمادية باصرار!!
تقول بعض الحكايات:
(إن أبو حبيب كان شيخاَ على عشيرته القادمة من دار فور، وإنه مات في تلك الفترة الباكرة من الزحف نحو أمدرمان. و قيل أيضاَ إنه قائد وحدة عسكرية، (رأس مية) مات متاثراَ بجراحه وهو أحد رجال معركة كرري الشهيرة. وقيل لا هذي ولا تلك، ولكنه ريس مركب معروف لأهل الضفتين، كان يجلب خيرات أسفل النهر وأعلاه في رحلات معلومة إلا أنه وفي طوفة من طوفات الماء المباغتة وعند غبش الفجر الحزين غرق الريس ابو حبيب ورفاقه من النوتية فأخرج أهل منطقة ود اب روف، التي عرفت باسم القائد الشهير فيما بعد، وستروا أجساد الغرقى الذين أخرجوا بعضهم بوسائل وقلة حيلة ذلك الزمان. وقبروهم في تلك البقعة وذلك المكان.
الاَن.. يفسح أولئك الموتى القدماء النبلاء الذين عمدتهم مويجات بحر النيل بعد هدوء الطوفة،
افسحوا مساحات يرتاح فيها موتى الغباء والحرب الهوجاء !!
إن اسوأ ما في الموت، المهانة وقلة القيمة، وخاصة نهش اللحم الاَدمي بأنياب الكلاب الجائعة.
* ما يرعب النازحين والذين تركوا بيوتهم للناهبين واللصوص أن تتحول تلك الدور العزيزة إلى مقابر ومساكن للموتى الأعزاء.
ومن هنا جاءت حكمة ملجأ ابو حبيب - عليه وعلى من معه السلام - في رقادهم الطويل الذي أقلقه هرج الدانات وتزاحم الجثث العارية والممزفة الثياب والأوصال.