السودان ١٦٠ يوما من الحرب ومعاناتها
وليد النور
المعاناة التي يكتوي بنارها الشعب السوداني، جوعا وعطشا وتشريدا وفقدانا لكل الممتلكات، خاصة في الخرطوم، جعلت الغالبية منهم لا يحفلون بالفائز أو المهزوم في الحرب اللعينة، ولا عن الأطراف التي تدعم طرفي الصراع.
ما يشغل هؤلاء الضحايا هو المصير المجهول الذي يعيشونه بعد فقدان الوظيفة والمأوى، وأصبح مصير تعليم الأبناء مجهولا بالنسبة لأولياء الأمور في عاصمة تدمرت مؤسساتها ونهبت في وضح النهار، ويشغلهم مصير بلد تضيع ومهددة بالتقسيم والتشظي.
مراقبون يرون أن السودان لم يكن مستعدا لتحمل تكلفة حرب جديدة تضاف إلى حروبه السابقة، خاصة بعد ثورة عظيمة أزاحت نظام الإنقاذ الذي شهدت حقبته مأساة حرب دارفور وفجيعة انفصال الجنوب، وأن الشعب السودان كان يأمل في انطلاقة حقيقية نحو التنمية العادلة والمستقبل وبناء السودان الجديد، وحل جميع مشاكله و تفجير طاقاته.
غير أن حرب منتصف أبريل جعلته يدخل في مأساة جديدة مع وجود مشكلات اقتصادية وإنسانية ونزوح كانت البلاد تعاني منها مسبقا بشكل متوارث. وهي مأساة قال عنها مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك ساليفان، فى بيان سابق له للإدارة الأمريكية ينبغي أن تتوقف وأن حمام الدم في الخرطوم ودارفور مروع.
ما حدث في الخرطوم ودارفور وصفته منظمات اقليمية و دولية مراقبة لحقوق الإنسان بأنه مروع وإذا لم يتم تدارك ما تبقى ستدفع بالسودان نحو الانهيار. فيما وصف وزير وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلنيكن، في تصريح سابق له أيضا بأن الوضع فى السودان هش بشكل لا يصدق.
كما رصدت منظمات حقوقية دولية وإقليمية فظائع إنسانية جراء الحرب، وحذرت من أن السودان على شفير مجاعة حقيقية، وأن أكثر من 27 مليون سوداني أصبحوا في حاجة ماسة لمساعدات إنسانية بعد أن فشلت أكثر من 12 هدنة في الصمود وفر أكثر من 400 الف لاجئ لدول الجوار، خاصة مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى، فضلا عن نزوح الملايين داخليا نحو الولايات.
ما حدث في 15 أبريل من نزاع مسلح، أيا كانت أطرافه، لا يخص الشعب السوداني الذي ظل طوال الحقب التي أعقبت الاستقلال يؤكد أن مصالحه تمكن فى تحقيق السلام والديمقراطية والعدالة والفدرالية وحسن إدارة التنوع، وأن تكون المواطنة أساس لنيل الحقوق والواجبات والتنمية المتوازنة النابعة من المواقع الجغرافية حسبما يرى الأكاديمي عبد الله آدم خاطر.
ويشير خاطر إلى أن كل التوقعات، عقب ثورة ديسمبر، كانت عشما في تحقيق أقصى درجات التضامن واحترام تراب الوطن، ولكن دخول الفصائل العسكرية في حرب شتت كل تلك الجهود والمساعي.
ويرى خاطر أن الأحداث الجارية الآن تتطلب تكوين لجان تحقيق لمعرفة من ورائها، ليس للمعالجة فحسب، إنما لوضع حد لتكرارها.
خاطر نبه إلى أن اندلاع الحرب في الخرطوم بين الجيش والدعم السريع كان مفاجئا لكثيرين من قطاعات الشعب السوداني الذي لم يكن مستعدا لها، الأمر الذي خلق اضطرابا لدى الأسر، سواء في العاصمة أو الولايات التي تشهد امتدادت للحرب.
ولفت إلى أن النزاع المسلح أحدث تغييرا هائلا في طبيعة العاصمة، حيث أصبحت الخرطوم مدينة أشباح واستشهد على ذلك بالحي الذى يقطنه، وقال: بعد أسبوعين فقط من الحرب باتت تسكنه الطيور والكلاب بعد أن كان يضج بالناس والحياة، معتبرا مقر سكنه مثالا على بقية أحياء العاصمة، أضف إلى ذلك، حسب خاطر، فإن فقدان آلاف من الأرواح من المجموعات المتقاتلة والمدنيين، على حد سواء، خاصة الشباب، يعد خسارة كبيرة كان الوطن فى أشد الحاجة إليها للبناء والإعمار.
وأشار خاطر إلى أن التدمير الذي طال المباني والمستشفيات والمصانع، وغيرها من المؤسسات الحكومية والخاصة، بجانب مساكن المواطنيين، سيقعد بالوطن، ويعقد أوضاعه الاقتصادية؛ حيث كان المواطن يعاني مسبقا في أكله وشربه، ولم يستبعد خاطر، في ظل هذا الوضع البائس واستمرار الحرب وتعنت طرفي النزاع، حدوث مجاعة، وبالتالي وقوع السودان رهينة لرحمة المجتمع الدولي.
خاطر طالب بطرح المزيد من المبادرات من قبل السودانيين الرامية لجعل الحل عبر التفاوض والسلام ممكنا، كما طالب أيضا القانونين والقضاء في السودان القيام بواجبهم كاملا تجاه الوطن، وذلك بتشكيل لجان تحقيق قانونية لمعرفة ماحدث ووضع حد لتكراره وفق القوانين واللوائح، وأن يكون السودان دولة حقيقية تسود وتحترم فيها القوانيين، وليس بلدا مفتوحا للمعتدين والمخربين.