حركات دارفور المسلحة هُزمت بصمتها
عبد الرحمن العاجب
قبل اندلاع حرب أبريل المدمرة، كان عددا كبيرا من النازحين واللاجئين يحلمون بمغادرة مخيمات قديمة خلفتها حرب دارفور (2003)، ولم تكن تختلف كثيراً عن السجون. كان يحلمون بالعودة مرة أخرى إلى القرى والمناطق التي فروا ونزوحوا منها قبل 20 سنة.
لعقدين من الزمان ظلت آمال النازحين واللاجئين تصطدم بواقع مرير، هو أن القرى التي فروا وَنزحوا منها لا تزال تفتقر لأدنى مقومات الحياة، ولاتوجد بها (لا صحة ولا تعليم ولا مياه شرب نقية)، فضلا عن الوضع الأمني الجديد الذي أفرزته حرب أبريل.
آلاف من النازحين الذين شردتهم الحرب التي قادها نظام الإنقاذ في إقليم دارفور، عام 2003، كانوا يخططون للعودة للمناطق التي فروا ونزحوا منها، غير أن حرب أبريل قطعت الطريق أمامهم، ولا يزال كثيرون منهم يشكون حالة الهشاشة الأمنية التي تعانيها مناطق متفرقة من الإقليم المضطرب، الأمر الذي فاقم مخاوف السكان من جراء تزايد حالات الاختطاف والقتل المتعمد، والانفلات الأمني.
فيما يؤكد الواقع أن شبح الحرب الأهلية لازال يهدد سكان دارفور بسبب عدم تنفيذ (برتكول الترتيبات الأمنية) المحلق باتفاقية جوبا (أكتوبر 2020). وفي ظل الهشاشة التي باتت سمة الحياة في دارفور، يصعب عودة المواطنين لديارهم، لا سيما أن التحديات كثيرة.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، في الخامس عشر من أبريل الماضي، شهدت جميع ولايات دارفور، باستثناء ولاية شرق دارفور، معارك طاحنة أدت إلى مقتل وتشريد المواطنين في مدن (الفاشر وكتم ونيالا وكاس وكبم وزالنجي والجنينة)، وغيرها من المناطق الأخرى.
ولم يمنع اتفاق جوبا للسلام الذي وقعته الحكومة الانتقالية مع حركات الكفاح المسلح (2020)، وقف أعمال العُنف المتصاعدة في إقليم دارفور، وتعزو الحركات المسلحة الانفلات الأمني لعدم تتفيذ برتوكول الترتيبات الأمنية إلى اندلاع حرب أبريل التي زادت الواقع تعقيدا.
وبالعودة للوراء نجد إن اتفاقية أبوجا الموقعة بين حكومة السودان وحركة تحرير السودان بقيادة، أركو مناوي، (2006) فشلت في معالجة قضايا النازحين واللاجئين. وطوال خمس سنوات من عمر الاتفاقية فشلت مؤسسات السلطة الانتقالية لولايات دارفور برئاسة مني أركو مناوي والمفوضيات والصناديق التابعة لها في تحقيق شيئا يذكر للنازحين واللاجئين إلى أن انتهى أجل السلطة الانتقالية وعاد مناوي للتمرد مرة أخرى.
وقبل انتهاء أجل اتفاقية أبوجا دخلت الحكومة السودانية في ماراثون تفاوضي انتهى إلى توقيع اتفاقية الدوحة لسلام دارفور والذي تم توقيعه بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة برئاسة الدكتور التجاني سيسي في عام 2012. وبالنسبة لبعض المتابعين والمهتمين بالشأن الدارفوري فإن تجربة اتفاقية الدوحة نجحت في تقديم بعض المشروعات التنموية، ولكنها بالنسبة لهم دون الطموح، فيما فشلت هي الأخرى في تقديم نجاح يذكر في ملف النازحين واللاجئين.
وفي الثالث من أكتوبر عام ٢٠٢٠م تم توقيع اتفاقية جوبا للسلام بين حكومة الفترة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح، وضمت عددا من البرتكولات، من بينها برتكول قضايا النازحين واللاجئين الذي أكد فيه الطرفان التزامهما بالعمل الجاد على عودة النازحين واللاجئين إلى مناطقهم الأصلية. ولكن بعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاقية جوبا للسلام وتعيين مناوي حاكما على إقليم دارفور لازال حال النازحين واللاجئين كما هو، بل ازداد عددهم ومعاناتهم بسبب تجدد الصراعات في الإقليم، بجانب ما أفرزته حرب أبريل.
وبحسب ما نصت اتفاقية جوبا فإن الطرفان، الحكومة وحركات الكفاح المسلح اتفقا في مسار دارفور على إنشاء مفوضية النازحين واللاجئين خلال 60 يوماً من تاريخ التوقيع على الاتفاق لتشرف تلك المفوضية على عمليات العودة الطوعية وإعادة التوطين وإدارتها وتسييرها، وذلك بمساعدة المجتمع الدولي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والوطنية الأخرى ذات الصلة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن. وبعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاق جوبا للسلام وتعيين مناوي حاكما على إقليم دارفور لم يتم حتى الآن إنشاء مفوضية النازحين واللاجئين.
وبالنسبة للنازحين واللاجئين معلوم أنهم من أكثر الفئات التي تضررت من النزاع في دارفور، ولذلك من الطبيعي ومن حقهم الحصول على تعويضات وجبر ضرر مرض لهم ولأسرهم. ولتحقيق هذا الهدف اتفق الطرفان في اتفاقية جوبا على إنشاء صندوق التعويضات وجبر الضرر في دارفور خلال 90 يوماً من تاريخ توقيع الاتفاق لاستلام ومعالجة قرارات التعويض وجبر الضرر الصادرة من الجهات ذات الصلة. ولكن بعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاق جوبا للسلام وحتى الآن لم يتم إنشاء صندوق التعويضات وجبر الضرر.
ومنذ تنصيب مني أركو مناوي حاكماً لإقليم دارفور في 10 أغسطس 2021م ظل الواقع على الأرض في حالة تراجع للأسوأ. وإذا عقدنا مقارنة بين الأوضاع في إقليم دارفور قبل تعيين مناوي وبعد تعيينه، فإننا نجد أن الأوضاع قبل تعيين مناوي كانت أفضل بكثير، وبعد تعيينه ازدادت وتيرة الانفلات الأمني، وشهدت ولايات دارفور صراعات عنيفة وتفلتات أمنية، كما لم تشهد جميع الولايات تنفيذ مشاريع تنموية وظل الوضع كما هو عليه في الماضي، بل ازداد سوءا.
دخلت حرب أبريل المدمرة شهرها السابع، ولازال مناوي ومجموعة اتفاق جوبا يمارسون الصمت تجاه انتهاكات حرب أبريل، وما شهدته مدن إقليم دارفور من حالات قتل وتشريد وانتهاكات حقوق الإنسان التي طالت المدنيين. ويرى البعض أن هذا الصمت يؤكد أن قادة حركات الكفاح المسلح الدارفورية الموقعين على إتفاق جوبا أدمنوا الفشل، وسقطوا في امتحان المواقف الأخلاقية والمبدئية التي ارتبطت بمشروعاتهم السياسية والمطلبية التي تمردوا من أجل تحقيقها.