29/09/2023

تحديات بناء النظام السياسي الجديد ٢ ـ ٣

منتصر ابراهيم

اصتدمت تطلعات التغير في ديسمبر، بممانعات سخرة دولة ما بعد الاستعمار وهي في غاية حالات تحللها لذلك كان طبيعياً كما اسلفت أن تنتهي لهذه الحرب مع تكلفتها الباهظة التي كان يمكن تلافيها او تقليل تكلفتها إذا كان الحس السياسي والوعي التاريخي لدى الطبقة السياسية كافياً في معرفة إتجاه التطور السياسي والاجتماعي للتكوينة السودانية في كافة ابعادها.

الآن علينا أن ننظر الي إن تكلفة سقوط النظام السياسي القديم، يشبه سقوط بناء متصدع غير قابل للترميم، وكان يمكن تفكيكه بتقليل تكلفة سقوطه عشوائياً او بشكل كارثي كما اسلفت، ولكن لسيادة نمط التمسك بالقديم وتقديسه من وجهة نظر وجدانية وقصور الوعي التاريخي كما اشرنا سابقاً، استعصي فهم هذا الوضع.

وبوقوع الكارثة الآن يستغرق الجميع في وحل الشعور المأساوي، وهذا مالا يجدي او يفيد. لذلك يبقى لزاماً أن يسير الإدراك في إتجاه أن تنهي حرب ١٥ أبريل تلك الوضعية بشكل كامل. وإن كان هناك مجال لمساومات في إطار الحوار السوداني فلا بأس ليتم طي صفحة تلك الحقبة بالكامل مع أنه من الضروري الإنتباه إلي ضرورة عدم تشكل نظام استبدادي على انقاضه وهو التحدي الأكبر. إذ أنه في سياق الجدل السياسي الذي يحلل أوضاع التحولات السياسية وأشكال الصراعات بين القوى المتنافسة، الاولغارشية والقوى النازعة نحو الديمقراطية، فإن السقوط في وهدة الاستبداد هو التحدي الأبرز وهو ما يستلزم الإستعداد له مسبقاً والتنبيه له باصرار وتأكيده بشكل واضح. ويتم ذلك بتوسيع مجال التشاور العام وتمكين الطبقة الوسطى والمجتمع المدني حسب مستخلصات الجدل بين ارسطو وافلاطون في سياق الحوار حول السبيل الأمثل لضمان التوازن في ظل مجتمع معقد.

إن التحدي الثاني للانتقال لما بعد الحرب، هو كيف السبيل إلى خلق الوئام الوطني للسير قُدماً في إتجاه بناء الدولة الوطنية. لذلك فإن الحضور الفاعل للطبقة الوسطى وقوى المجتمع المدني يمثل امراً ضرورياً من جانب آخر. لذلك فإنه وفي هذا الإطار من الضروري أن يكون الإتفاق الإطاري والقوى الممثلة له طرف أصيل في عملية تشكيل السلطة لما بعد الحرب، وهي النقطة المحورية الآن في سياق إنهاء الحرب وبداية التفاوض في منبر جدة الذي يجب أن يكون تحت عنوان الحوار السوداني لاستكمال مسار الانتقال والتحول الديمقراطي في السودان الذي يمثل الإتفاق الإطاري آخر حلقاته. وذلك لأن في مضامين تلك العملية تكمن فيها اجندة بناء الدولة، وعلى رأسها القضية الأهم وهي قضية هيكلة القطاع العسكري، كآخر قضايا الحوار السياسي قبل اندلاع حرب ١٥ أبريل.

بالاضافة إلى ذلك فإن وضع الأساس الدستوري السليم، للانتقال من الوضع الصراعي بين الاولغارشية والقوى النازعة نحو الديمقراطية يمثل أحد الاختبارات المهمة لمدى قابلية إمكانية نجاح فرص بناء الدولة. وهنا ايضاً يبرز اهمية التمثيل السياسي للطبقة الوسطى وقوى المجتمع المدني؛ لذلك فاطراف الإتفاق الإطاري يعتبر دورها مهماً واستثنائياً، في كونها معنية بوضع الأساس الدستوري وحشد الإجماع السياسي نحوه، وتمثيل واضح للحد الفاصل لقضية العلاقات المدنية العسكرية كواحدة من عقبات الانتقال والتحول الديمقراطي في السودان.

معرض الصور