مُحددات بقاء الدولة السودانية ومهدداتها
خالد ماسا
والمُتفق عليه في أحاديث الشان العام في السودان هو أن الأساس المهم في بقاء الدولة السودانية هو وجود جيش واحد يتم بناءه على قواعد قومية تعبر عن التعدد والتتوع الموجود في السودان ويُحكم هذا الجيش بالمعايير المهنية والإحترافية ويتم النص على مهامه وأدواره في الدستور بشكل واضح وذلك لأن المعلوم بالضرورة أن عدم إحتكار الدولة للعنف وتفرق سلطة إستخدامها لتكون بين يدي جيوش متعدده هو الطريق لتهديد بقاء الدولة السودانية من أساسها.
كان من اللازم على المشاركين مارس الماضي في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري أن يضعوا في إعتبارهم دراسة الحالة السودانية في جانبها العسكري والوقوف عند نصوص القوانين التي شرعنت لعدم الولاية الكاملة للدولة لسلطة العنف وأسست إتفاقيات السلام للتعدد الغير مشروع للجيوش.
تهديد حالة بقاء السودانية حدث بالتلكوء في تنفيذ الترتيبات الأمنية المنصوص والمتفق عليها في إتفاقية جوبا للسلام وبعدم الإهتمام بقضية الإصلاح القانوني الشيء الذي كان من الممكن أن يشكل خارطة طريق تنتهي بالحالة السودانية الى وضعية الجيش القومي الواحد.
المظالم التاريخية والتي تشكل المهدد الرئيس لبقاء الدولة السودانية نتجت عن التوزيع الغير عادل للسلطة والثروة بالإضاقة لعدم الصبر على أدوات الممارسة الديموقراطية وسلمية تداول السلطة دفعت الدولة ثمن ذلك سنوات من عمرها حروبات وصراعات مسلحة.
الدفع بتصورات غير عملية التفاوض لإنهاء الحرب التي تدور منذ منتصف أبريل الماضي في حد ذاته يشكل تهديداً مباشراً لبقاء وإستقرار الدولة السودانية والتي تزيد الحرب من فرص تفكيكها وإنقسامها وبالمقابل لايجب أن يكون مسار التفاوض يفضي للإبقاء على مهددات بقاء الدولة السودانية والعودة بها لأوضاع ماقبل الحرب.
لن تبقى الدولة السودانية طالما أن المكونات الحية فيها لاتجد طريق للحل إلا عبر البندقية أو الحلول التي تُلغي الآخر ولاتستمع اليه.
ولن تبقى الدولة السودانية وهنالك من يعتقد بأن السبيل لبنائها يأتي عبر تدمير ماهو موجود من قدرات بشرية أو بنية تحتية وإستهداف كل العناصر التي من شأنها أن تُماسِك بنيان الدولة وتُعلّيه.
سيظل التهديد لبقاء الدولة السودانية قائماً طالما أن الدعاية الحربية تستخدم كل ماهو محرم أخلاقياً كخطاب العرق والقبيلة والإمتيازات والمظالم التاريخية.
نقاشات حل الأزمة التي خلقتها حرب أبريل يجب أن تبدأ باتفاق سوداني على ثوابت بقاء الدولة السودانية وسُبُل الوصول اليها بشكل سلمي وبعيداً عن المزايدات والإبتزاز السياسي الذي قطع طريق الإنتقال والتحول الديموقراطي .
من باب الحرص على بقاء الدولة السودانية علينا أن لا نطرب لسماع الحلول المستعجلة والتي لم يتم إنفاق المجهود فيها كتلك التي تنتجها حمية الإنحياز لطرف من أطراف حرب أبريل دون التفكير في تأثيراتها السالبة على بقاء الدولة السودانية في حد ذاتها.
ففي ظل الإحتقان التي توجده الحرب حالياً يصبح سيناريو الإعلان عن فرض حكومات تصريف أعمال كل في نطاق سيطرته هو السيناريو الأمثل لتهديد بقاء الدولة السودانية وهذا النوع من السيناريوهات وفرت حروبات الجوار والاقليم النماذج المؤكدة لفشله في إدراك تماسك الدولة وإستقرارها.
تظل عملية إصلاح العقل السياسي الذي يفكر في أن الوصول للسلطة التي تحكم الدولة يمكن أن يمر بطريق مختصر إسمه الإنقلاب واحدة من أهم العمليات المطلوبة لبقاء الدولة السودانية وضمان إستقرارها في مسار التحول المدني الديموقراطي .
الخُسارة الكبيرة التي نخسرها في طريق بقاء وبناء الدولة السودانية هي تشكُل وعي المدنيين وفقاً للقيم التي تنتجها الحرب وهو وعي تصعب معه أي محاولات بناء لانه وعي مدمر وإقصائي ولايجعل من المواطنين مساهمين في بناء وإعادة بناء الدولة.
لن تُبنى الدولة السودانية في ظل التعطل الكامل لعجلة الإنتاج التي تسند الإقتصاد الوطني والضامن الوحيد لتعويض خسائر الدولة السابقة.
ولن تبقى الدولة السودانية حال تواصل التدمير الممنهج لقطاع التعليم وإنقطاع مسيرته لأن المهندس المقيم لمشروع بناء الدولة السودانية ومقاولها الأساسي هو المعلم والشعوب التي تنشد بناء دولتها تضع ذلك في مناهجها الدراسية.
من يحرص على بقاء الدولة السودانية لابد وأن يُراعي لمسألة ثقة المواطنين في دولتهم وفي مؤسساتها وثقتهم برعاية وحراسة الدولة لمصالحهم الشيء الذي يولد الإحساس بالإنتماء الحقيقي للدولة كحد أعلى بينما تتراجع بقية الإنتماءآت الضيقة والتي لا تخلق أي إشعار إضافة لمحددات بقاء الدولة السودانية.