أبرز القضايا التي يجب الاهتمام بها في عملية بناء السلام وتحويل النزاع
من كتيب للتثقيف المدني حول السلام والدستور والانتخابات
اعداد: مركز الطريق
تهتم عملية بناء السلام مثلما هو موجود في الشكل السابق، بالتنمية، حقوق الانسان والتحول الديمقراطي. وارتبطت مراحل ما بعد النزاع في كثير من التجارب الإيجابية، لا سيما في التجارب الافريقية (تجربة جنوب افريقيا، الصومال ورواندا)، ارتبطت بتحقيق العدالة وانصاف ضحايا الحروب وابراء جراحات وصدمات الماضي، وقد عرفت هذه الاجراءات بالعدالة الانتقالية. يشير د. زهير محمدي بشار إلى أن العدالة الانتقالية تمثل المرتكز الأساسي لضمان الانتقال الديمقراطي وتحقيق السىلام المستدام والتنمية، لأن العدالة الانتقالية كما أورد د. زهير، تضمن طي صفحة الماضي والمصالحة الوطنية والسياسية التي تمهد الطريق للإتفاق حول برنامج وطني وتنموي واحد. إذن ما ذا تعني العدالة الانتقالية والمصالحة؟ وكيف عالجت الاتفاقيات السياسية هذه القضايا؟
ماهية العدالة الانتقالية:
العدالة الانتقالية تعني التدابير القضائية، وغير القضائية، والتي تقوم الدولة بتطبيقها لمعالجة ما تم من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدَّولي الإنساني. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.
وإذا كان تحقيق العدالة، في الظروف العاديَّة، وظيفة أساسيَّة من وظائف الدَّولة، تؤدِّيها هيئة قضائية مستقلة، فإن هذه الوظيفة في الظروف غير العاديَّة التي تكون خلالها الدَّولة في حالة انتقال من نظام قمعي إلى نظام ديموقراطي، أو من حرب أهلية، أو نزاعات داخليَّة مسلحة، إلى سلام ومصالحة وطنيَّة شاملة، تصبح الوظيفة الأكثر أهمية ضمن وظائف الدَّولة، بهدف مواجهة الانتهاكات الناتجة عن الممارسات القمعيَّة أو الأوضاع القمعية السَابقة، وإزاحة العقبات التي تعرقل طريق الانتقال نحو السلام والديمقراطية والعدل. ومن هنا جاء مفهوم «العدالة الانتقاليَّة» الذي ينصبُّ، بوجه عام، على تحقيق ذات الأهداف التي تسعي لها، عادة، آليَّات «العدالة العادية»، كالمحاكم، والنِّيابات، والشُّرطة، وأجهزة محاربة الإفلات من العقاب كافَّة، إلا أنه ينطوي، على ثلاث ميزات هامة تساعد إلى حد ما في تمييز العدالة الانتقالية كمجال منفصل بذاته :
الميزة الأولى:
هي التركيز على منهج شامل في التعامل مع إرث الانتهاكات. فأهداف وأدوات العدالة الانتقالية تتجاوز المحاسبة المعروفة على انتهاكات حقوق الإنسان من خلال المحاكمات.
الميزة الثانية:
الأولوية التي يحظى بها التوازن والإدماج. فالعدالة الانتقالية لا تسعى إلى عدالة بأثر رجعي بأي ثمن، أو تركز على المحافظة على السلام على حساب حق الضحايا في العدالة، ولكن تؤكد بدلاً عن ذلك على إرساء توازن بين الأهداف على اختلافها وتنافسها، وصياغة سياسة عقلانية وعادلة.
الميزة الثالثة:
التركيز على منهج يرتكز على الضحايا للتعامل مع ماض عنيف سواء من حيث مساره أو نتائجه. ويمكن إلى درجة كبيرة قياس مشروعية آليات العدالة الانتقالية بمدى اعتراض الضحايا عليها أو دعمهم لها.
ويجب ملاحظة أن العدالة الانتقالية تبنى على فلسفة ومنهج لا يعتمد على الثأر والانتقام بل يسعى نحو المعالجة والحلول ما بين مرتكبي الجرائم والانتهاكات من ناحية والضحايا من ناحية أخرى في محاولة يقصد منها إعادة بناء مجتمع يسع الجميع أساسه التعايش السلمي واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ويسعى نحو الانتقال السلمي للديمقراطية.
أهداف العدالة الانتقالية:
تهدف العدالة الانتقالية إلى وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب وإرساء سيادة القانون والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان ويكون ذلك عبر وقف انتهاكات حقوق الإنسان، التحقيق في الجرائم السابقة، تحديد المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، فرض عقوبات على المسئولين، تعويض الضحايا، منع التجاوزات في المستقبل المحافظة على السلام وتعزيزه وتعزيز المصالحة الفردية والوطنية ويكون ذلك من خلال إحقاق الحق، إعطاء فرصة للضحايا ومحاسبة مرتكبي الجرائم تقرير سيادة القانون تعويض الضحايا، معالجة وتضميد الجراح، الإصلاح المؤسسي، تعزيز المصالحة، وتعزيز ثقافة الحوار السلمي و إرساء مبدأ الإعتراف و طلب العفو.
عناصر العدالة الانتقالية:
يرى الكثير من خبراء السلام أن المطالبة بالعدالة الجنائية عبر العدالة الانتقالية ليست مطلقة بل يجب أن تحقق السلم والديمقراطية والتنمية العادلة وسيادة القانون مع ملاحظة القيود الرسمية والمجتمعية والتي تؤثر على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولذا تركز العدالة الانتقالية على المحاكمات، تقصي الحقائق، التعويض، الإصلاح المؤسسي، إحياء ذكرى ما تم في الماضي بقصد عدم تكراره. تعزيز التعايش والسلام المستدام.
لذا يفرق العاملون في مجال السلام بين نوعين من العدالة الانتقالية، هما العدالة الجزائية أو الجنائية (Punitive Justice) ويمثلها نموزج رواندا والمحاكم الجنائية التي انعقدت بأروشا بتنزانيا بعد أحداث الإبادة الجماعية التي شهدتها البلاد. أما النوع العدالة التصالحية (Restorative Justice) ويمثلها نموذج جنوب افريقيا ولجان الحقيقة والمصالحة.
المصالحة:
ترتبط المصالحة ارتباطاً وثيقاً بالعدالة الانتقالية، وهي من المصطلحات الحديثة في دراسات السلام والصراعات. وقد كان المفهوم التقليدي للمصالحة هو طي صفحة الماضي والعفو والنسيان. إلا أن هذا المعنى به قصور إذ انه لا يشمل الحقيقة المرتبطة بالمحاسبة والعدالة والاعتراف بالجرائم الماضية بجانب أن الإفراط في هذا المفهوم قد يؤدي إلى الفشل. مصطلح المصالحة يتضمن أربع عناصر أساسية وهى الحقيقة والعدالة والرحمة والسلام.
في السنوات الخيرة أصبحت المصالحة نهج لتسوية النزاعات وأصبحت تدخل في عمليات تسوية الصراعات وأصبحت تستخدم لدى الخبراء والمهنيين باستخدام عدد من التقنيات في ممارسة عمليات المصالحة وأشهرها تجربة جنوب إفريقيا في الحقيقة والمصالحة. ولابد للمصالحة إن تعالج مسائل الخوف المتبادل وعدم الثقة بين الأطراف والغبن والغضب وبناء جسور الثقة بين الأطراف.
العدالة التصالحية:
وهي العملية التي يجتمع فيها كل المتضررين من الجرائم او المجتمع الذي يكون فيه الجناة والضحايا ويتم التعامل بصورة جماعية عبر منهج ووسائل لمعالجة الأخطاء مع التشديد على شفاء الجروح وإعادة بناء العلاقات ولذا فان العدالة التصالحية لا تركز على العقاب على الجرائم بل على الأعمال التي تؤدي إلى إصلاح الاضرار.
من أهم خطوات المصالحة هو ( التغلب علي الإحساس بالغبن ):
الصلاة والتأمل الروحي.
سرد الحكايا.
المشاركة الوجدانية بالاستماع إلي ماسي بعضنا البعض.
التمسك بالمبادئ الأخلاقية.
التوقيت المناسب.
طرق للمصالحة:
هي الاعتذار والصفح، أو المقاضاة والعقاب أو العفو بشروط معينة.
لماذا المصالحة مهمة؟ المصالحة تعتبر ضرورية لبدء بناء جسور الثقة بين الأطراف وقيادة أفراد المجتمع من الرجال والنساء إلى تغيير الطريقة التي يفكرون بها وفقاً للتاريخ بين الخصوم وقد تكون عملية طويلة وشاقة. ورغم اتفاقيات السلام واتفاق الأطراف على وقف القتال إلا أن ذلك لا يفعل الكثير حيال الأطراف والوصول إلى سلام مستقر عبر تناول القضايا التي أدت إلى النزاع في المقام الأول على نحو يرضي الجميع. ودون مصالحة لا يكون هناك استقرار ويمكن ملاحظة ذلك في كثير من الدول ويمكن أن تتم المصالحة وفقاً للأفراد ولا تفرض عليهم فرضاً بل عليهم أن يقرروا بأنفسهم في نهاية الأمر.
استدامة السلام:
يجب أن تفهم استدامة السلام، على نطاق واسع على أنها عملية تهدف لبناء رؤية مشتركة للمجتمع، وضمان مراعاة احتياجات جميع شرائح السكان، والتي تشمل الأنشطة التي تهدف لمنع اندلاع النزاع وتصعيده و استمراره وتكراره، ومعالجة الأسباب الجذرية، ومساعدة أطراف النزاع على إنهاء الأعمال العدائية وضمان المصالحة الوطنية، والمضي قدماً نحو التعافي الاجتماعي وإعادة الإعمار و التنمية، والتأكيد على أن الحفاظ على السلام هو مهمة ومسؤولية مشتركة يجب أن تقوم بها الحكومة و جميع أصحاب المصلحة الوطنيين.