بعد قرار مجلس حقوق الإنسان.. مختصون يطالبون بمحكمة خاصة لجرائم الحرب في السودان
تقرير ـ مواطنون
فشل ممثلو السودان في مجلس حقوق الإنسان بجنيف في حشد العدد الكافي من الدول للحيلولة دون صدور قرار من المجلس بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية في شأن الانتهاكات التي جرت في البلاد منذ إندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.
ورحبت أطراف حقوقية سودانية بالخطوة واعتبرتها في الاتجاه نحو تشكيل لجنة بصلاحيات كاملة من قبل مجلس الأمن، فيما طالب مختصون بتشكيل محكمة دولية خاصة بجرائم الحرب في السودان.
واعتمد مجلس حقوق الإنسان، الأربعاء، قرارا بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان. وشدد القرار على الحاجة الملحة للتحقيق فيمن ارتكب انتهاكات حقوق الإنسان ومكان وقوعها.
صوتت 19 دولة لصالح القرار، الذي قدمته المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج، مقابل 16 صوتاً ضد القرار فيما امتنعت 12 دولة عن التصويت على القرار.
محكمة خاصة
حاتم الياس، المحامي والمختص في العلاقات الدولية، اعتبر أن قرار مجلس حقوق الإنسان لا قيم فعلية له، وأضاف بأن المجلس وكالة هامشية ولا تعبر عن رضاء الفاعلين الدوليين الحقيقين في حقل العلاقات الدولية مثل الولايات المتحدة والدول الغربية. وأضاف في حديثه لـ(مواطنون) بأن المجلس فشل في اصدار بيانات تدين انتهاكات لحقوق الانسان ضد كوبا والصين وايران والولايات المتحدة نفسها. والدول الغربية ترى أن المجلس خارج سيطرتها لحالة التكتل وتساوي الاصوات داخله. ومن جهة اخرى لم تكن قرارات المجلس في يوم من الايام منعكسة على توصيات الامم المتحدة أو قرارات مجلس الامن، لذا فأن الاحتفاء بقراره فيه قدر كبير من السذاجة.
وقال (علينا أن نطالب بقوة مجلس الأمن بإنشاء محكمة خاصة لجرائم الحرب في السودان كما فعل في جريمة اغتيال الحريري أو المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا. وبعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية على مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أن ينشئ لجنة تحقيق لجرائم الحرب في السودان والانتهاكات ويحيل أمر التحقيق للمحكمة الجنائية. غير ذلك تعتبر لجنة التحقيق التي أنشأها مجلس حقوق الأنسان تحرك من وكالة أممية جيد على كل حال من ناحية لفت الأنتباه لكنه غير مفيد.
هيئة محامي دارفور رحبت باعتماد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مشروع قرار بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في السودان أثناء الحرب الدائرة. وقالت في بيان صادر عنها اليوم إن الخطوة ستمهد لتبني مجلس الأمن الدولي لمشروع قرار بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق بصلاحيات كاملة وإحالة نتائج التحقيق للمحكمة الجنايات الدولية.
وأعلنت الهيئة عن إستعدادها التام للتعاون مع أي جهة مخولة بموجب القانون الدولي الإنساني لملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومنع الإفلات من العقاب.
من جهتها رحبت مجموعة محامو الطواريء بموافقة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إنشاء لجنة تقصي حقائق بشأن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي تم ارتكابها منذ اندلاع الخرب في 15 أبريل.
واعتبر الصحفي والكاتب وائل محجوب إن التصويت لصالح مشروع القرار بتشكيل اللجنة انتصارا كبيرا لضحايا الحرب من المدنيين، وأضاف في منشور له على صفحته بالفيسبوك إن الحرب الدائرة الآن شهدت أنماط غير مسبوقة من الجرائم ضد الإنسانية والمخالفات الكارثية والجسيمة للقانون ولمبادئ حقوق الإنسان الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.
كواليس اتخاذ القرار
وقد بدأت مناقشة مشروع القرار بجلسات غير رسمية، أظهرت التكتلات المؤيدة والرافضة للقرار، وقال المرصد السوداني لحقوق الإنسان بحسب تقارير صحفية إن ممثل المندوب الدائم للمملكة المتحدة، ترأس إجتماعا بحضور ممثلي أكثر من 40 دولة و8 منظمات غير حكومية، وتم استعراض كل فقرات مشروع القرار.
واستمع الإجتماع إلى مداخلات عامة حوله من جانب السودان ومصر وليبيا والسعودية والعراق والجزائر وتونس والإمارات وقطر والبحرين والسعودية (إنابة عن الدول العربية)، ومن إثيوبيا وإريتريا وساحل العاج (إنابة عن المجموعة الأفريقية)، بالإضافة إلى باكستان وفرنسا ولوكسمبرغ وسويسرا وفنلندة ونيوزيلندا واستراليا وايرلندا والسويد وهولندا والمكسيك. ومن بين المنظمات الحقوقية الدولية شاركت منظمة العفو الدولية، والمركز الدولي لحقوق الإنسان، هيومن رايتس ووتش، الدفاع عن المدافعين.
وأبدت المملكة المتحدة أسفها على التراجع الذي وصفته بالمخيف، لأوضاع حقوق الإنسان في السودان، بعد أن سجل تحسنا ملحوظا بعد الثورة السودانية، حيث تم إنهاء ولاية الخبير المستقل في أكتوبر 2020، وأضافت أن السودان خرج نهائيا من أجندة مجلس حقوق الإنسان بعدها بعام، وذلك قبل ثلاثة أسابيع فقط من الانقلاب العسكري، الذي أطاح بالحكومة الإنتقالية في 25 أكتوبر 2021.
ولفت القرار إلى أن الإنقلاب العسكري أدى إلى تدهور الأوضاع في البلاد، خاصة في مجال حقوق الإنسان، وصولا إلى إندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، مشيرا إلى تصاعد الانتهاكات على نحو مروع، وإلى أن الأوضاع في السودان تتطلب اتخاذ المجلس الإجراءات اللازمة، لوضع حد للإفلات من العقاب ومحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع بعد الحرب، وأنهم يطلبون دعم الدول لمشروع القرار رغم معارضة مجموعة من الدول.
ممثل السودان أكد رفض بلاده لمشروع القرار، مشيراً إلى أنه يتجاهل الجهود المبذولة لإسكات صوت البنادق، ولا يأخذ في الاعتبار وجود آليات أخرى، تتابع الوضع منذ عامين في ظل تعاون تام من حكومته، وساند ممثلو الدول العربية وباكستان وروسيا والصين موقف ممثل السودان.
بالمقابل، دعت الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية خلال جلسات التشاور غير الرسمية، بضرورة اعتماد قرار قوي يدين الانتهاكات، وينشئ آلية للتحقيق وتقصي الحقائق، لمنع الإفلات من العقاب ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات.
وقبل صدور القرار شددت منظمات حقوقية على ضرورة تبني الدول الأعضاء في المجلس لمشروع قرار إنشاء بعثة تقصي الحقائق والتحقيق في جرائم الحرب والانتهاكات في السودان.
وقالت (هيومان رايتس ووتش) إن لدى أعضاء مجلس حقوق الإنسان فرصة ومسؤولية لاستخدام تصويتهم لإرسال رسالة ردع إلى الأطراف المتحاربة في السودان، والأهم من ذلك، التضامن مع شعب السودان وبعث الأمل للناجين والضحايا وعائلاتهم.
أعضاء ومهام البعثة
ووفقاً للقرار الذي اعتمده مجلس حقوق الإنسان، تتألف البعثة من ثلاثة أعضاء من ذوي الخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، على أن يتم تعيينهم في أقرب وقت ممكن من قبل رئيس مجلس حقوق الإنسان لفترة أولية مدتها عام واحد.
وبحسب التكليف الموكل إليها ستتولى البعثة التحقيق وإثبات الحقائق والظروف والأسباب الجذرية لجميع المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاكات القانون الإنساني الدولي- بما فيها تلك المرتكبة ضد اللاجئين- والجرائم ذات الصلة في سياق النزاع المسلح المستمر الذي بدأ في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى الأطراف المتحاربة الأخرى.
كما ستحدد الأفراد والكيانات المسؤولة عن الانتهاكات، أو غيرها من الجرائم ذات الصلة، في السودان، بهدف ضمان محاسبة المسؤولين. وتقدم توصيات، لا سيما بشأن تدابير المساءلة، بهدف إنهاء الإفلات من العقاب ومعالجة أسبابه الجذرية، وضمان المساءلة، بما في ذلك، حسب الاقتضاء، المسؤولية الجنائية الفردية، ووصول الضحايا إلى العدالة.
ودعا القرار أطراف النزاع إلى التعاون- بصورة كاملة- مع بعثة تقصي الحقائق في أداء عملها، كما دعا المجتمع الدولي أن يقدم الدعم الكامل للبعثة في سبيل تنفيذ ولايتها.