مناهضة خطاب الكراهية وحرية الرأي والتعبير: إصلاح الإطار المفاهيمي
خالد ماسا
عندما شعر المجتمع الدولي عبر مؤشرات وأدوات القياس التي تستخدمها منظماته المتخصصة والمعنيه بقضايا حقوق الإنسان بخطورة تنامي خطاب الكراهية والتحريض القائم على الجنس والعرق والدين وكل أشكال التمييز دعت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة في العام 2011م الخبراء والمختصين لمناقشة الأمر في حلقات عمل.
وتم تتويج هذه المناقشات بالمصادقة على خُطة عمل بالمؤتمر المنعقد في العاصمة المغربية الرباط في ما عُرف لاحقاً بـ خطة عمل الرباط لمناهضة خطاب الكراهية 2012م، التي أمنت في إطارها العام على أن التحولات التي حدثت في نسيج المجتمعات والتداخلات بينها، نتجت عنها العديد من الأحداث المؤسفة في جميع أنحاء العالم. كما أمّن المناقشون على أن كافة حقوق الإنسان المنصوص عليها في نصوص والمعاهدات الدولية هي حقوق كاملة وغير قابلة للتجزئة.
ومع ذلك كان المجتمع الدولي في حاجة لإعمال التفكير والنقاش المستفيض حول ترسيم الحدود المفاهيمية بين قضيتين مهمتين بالنسبة للامن والسلام الدوليين بشكل عام، وبحقوق الانسان بشكل خاص، الا وهما قضية كفالة حرية التعبير ومناهضة خطاب الكراهية. إذ لايوجد إي إستعداد للمجتمع الدولي للتراجع عن ماتم إنجازه في مضمار حماية حرية التعبير كحق أصيل وطبيعي حتى تحت ذريعة مناهضة خطاب الكراهية التي أرادت بعض الدول والحكومات إتخاذها مطية لتهديد كفالة هذا الحق الأصيل.
الحالة السودانية الآن لاتبتعد كثيرا عن توصيف هذا الإلتباس المفاهيمي لدى الكثيرين بمظان أن حالة الحرب والطوارئ تشرعن خطاب الكراهية الصريح والمستتر، بدعاوي الكرامة والوطنية والديموقراطية، وتعطي الحق كذلك في تقليص مساحات حرية الرأي والتعبير وإحتكارها لصالح الرأي الواحد.
في الحالة السودانية يأتي الإلتباس أولا جراء عدم الوعي والإدراك بماهية خطاب الكراهية بالأساس وتعريفه بشكل واضح ناهيك عن وضع الأطر القانونية التي تجعل منه جريمة يعاقب عليها القانون، ويضع لها المجتمع إطار قيمي يرفع الحساسية باتجاهه، باعتباره خطاب فيه تحريض صريح يقوم إما على الانتقاص أو الحرمان من حقوق أفراد أو جماعات بناءاً على العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو حتى الموقف السياسي.
ما من سبب في الحالة السودانية يدفعنا للردة عن الذي وصلنا اليه في قضايا حرية الرأي والتعبير وعلى علاتها وضيق مساحاتها بسبب الحرب أو بغيرها من الأسباب الطارئة.
مناهضة خطاب الكراهية والحفاظ على مساحات حرية الرأي والتعبير تعتبر معارك أصيلة للفصيل المدني المؤمن بالوعي الحقوقي، والملتزم بما جاء في النص والتأكيد عليه في الشرعة الدولية، والذي جاء متسقاً مع قيم الدين والأخلاق وبالتالي لن يكون مقبولا أن تصبح الحرب هي مفتاح الردة عن مناهضة الأول وتضييق ماتم تحقيقة في الثاني.
في الحالة السودانية لابد من إصلاح العقل القائل بأن مناهضة خطاب الكراهية وحرية التعبير مفهومان متقاطعان، ولا يمكن أن تجمعهما أهداف قيمية واحدة، وأن الحل في ذلك هو التراجع عنهما لصالح مانراه من خطاب عام شائه أوجدته الحرب.
حرية الرأي والتعبير تفتح الباب أمام مناقشات سلسة بين مكونات المجتمع الدينية والثقافية والسياسية، وتجعل من الحوار مسار للتعرف على الآخر وقبوله وبالتالي هي أداة تطوير ونماء في المجتمعات وليست سبيلا للحط من مقدار الآخرين، والنيل من معتقداتهم وإنتهاك حقوق الأقليات باستخدام لغة وأدوات الحرب.
الرِدّة المستحيلة كشعار أنتجه الشارع الثوري السوداني لايكون على مستوى عدم الرغبة في عودة النظام السياسي القديم وعودة رموزه وواجهاته فقط، وإنما في التمسك بماتم إنجازه بشعارات مثل ياعنصري ومغرور كل البلد دارفور، وبزيادة مساحات الرأي والتعبير التي تبني وتعمر عكس أدوات لغة الحرب والكراهية.
يجب التصدي والوقوف في وجه أي تصور أو تعريف بأن حرية الرأي والتعبير بأنها ترخيص مطلق للمساس بالحقوق المكفولة للآخرين. وأن صون حق الرأي والتعبير يمنح الأفراد أو الجماعات الحصانة من المحاسبة على إنتهاك حقوق الآخرين. وأنها حق مطلق وإن وصل لحدود الحض والتحريض على الكراهية والعنف.
مناهضة خطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد الآخرين، والحفاظ على مساحات حرية الرأي والتعبير لا يعتبران سلعتين قابلتين للتبادل في سوق الحرب وتجارته البكماء، بل هما خطين متلازمين يحققان أهدافاً مشتركة حض عليها المجتمع الدولي في الإعلان الدولي لحقوق الانساني وفي كل المعاهدات الاقليمية.