كرتي فوق صفيح ساخن

عبدالله رزق ابوسيمازه
لا تخلو العقوبة التي أوقعتها الخزانة الأمريكية على أمين عام الحركة الاسلامية،على كرتي، لدوره في عرقلة الانتقال واجهاض مساعي وقف الحرب، من مغاز. إذ أنها تبرز، مجددا، الحركة الإسلامية كفاعل وشريك أصيل في الأزمة التي تعيشها البلاد. يجدر التنويه إلى أن الحركة الاسلامية، تنظيم سوبر يضم قيادات الاسلاميين، وهي كيان غير المؤتمر الوطني المحلول. ومع إنها تنظيم غير شرعي، ليست مسجلة بموجب أي قانون ينظم التوالى السياسي وغير السياسي، إلا أنها ظلت تعتاش تطفلا على موارد الدولة.

فإلى جانب فرضية أن المقصود، أصلا، بتلك العقوبة هو الجنرال عبدالفتاح البرهان، إلا أنها تساهم في إعادة موضعة الحركة الإسلامية في المشهد السياسي منذ 25 اكتوبر2021، على الأقل، بما تنطوي عليه من إقرار، دولي، لأول مرة، بدور مؤثر، ظل مخفيا ومواربا، مع إن الحركة لم تكن غائبة كليا من المشهد السياسي. وتمكن، بالتالى، من إعادة قراءته بطريقة مغايرة، لجهة تعيين خارطة الصراع السياسي والاجتماعي، ومواقع مختلف القوى منه. كما إنها تسلط الضوء على علاقة قيادة الجيش، ممثلة في الجنرال عبدالفتاح البرهان، بالحركة الاسلامية. وتقدم، من ثم، كشفا جديدا يساهم في إعادة قراءة السلوك السياسي لقيادة الجيش منذ 11 ابريل 2019. مع أن ردة 25 اكتوبر، قد ساهمت في فضح ولاء المكون الانقلابي لبرنامج الحركة الاسلامية، وتماهيه مع كامل توجهاتها.

تشكل العقوبة المفروضة على على كرتي، مع رمزيتها، نقطة تحول في علاقات أمريكا بإسلاميي السودان، والتي قد تنحو باتجاه إدراج الحركة الإسلامية ضمن الحركات المصنفة أمريكيا كحركات أرهابية، مثل تنظيم القاعدة وداعش. وشهدت تلك العلاقات، على عهد البشير، تقاربا مضطردا منذ الغارة الأمريكية على مصنع الشفاء بالخرطوم بحرى، في مستهل الحرب الأمريكية العالمية على ما تسميه الإرهاب العالمي.

وقال رئيس الجاسوسية في تصريح صحفي نادر، في هذا الصدد، إن التعاون مع أمريكا أنقذ السودان، فيما انخرطت الديبلوماسية في جهاد التطبيع مع واشنطن.

لقد أعاد الانقلاب ترتيب خارطة الصراع كما كان عليه منذ العام 1989بفك الاشتباك وإعادة الفرز في الخنادق، بين قوى الثورة والديموقراطية من جهة، وقوى الردة والثورة المضادة، من الجهة الأخرى، في صورته الأولية: البرهان - الحركة الإسلامية في مواجهة قوى الحرية والتغيير، أساسا. وعلى هامشه، صراع البرهان والحركة الاسلامية مع الدعم السريع، وصراع البرهان مع الجناح المتشدد للحركة الاسلامية.

هذه المعاينة لدور الحركة الاسلامية وعلاقتها بمجمل التطورات السياسية، المرافقة للثورة منذ اندلاعها، من شأنها أن تساهم في إعادة النظر في مشروعات التسوية السلمية المطروحة منذ 25 اكتوبر 2021، لاسيما تلك التي تصدرتها الرباعية الدولية، والقائمة على إعادة بناء الشراكة بين المكونين، المدني والعسكري، كحجر زاوية في تلك التسوية، والتي تبلورت في مشروع الاتفاق الاطاري وأفقه النهائي.

فالتنظيم الإسلامي، بناء على تلك العقوبة، لن يكون جزء من صناعة السلام، ومن الترتيبات السياسية لاستعادة مسار الانتقال الديموقراطي بقيادة مدنية. مع إن وصف التنظيم بالمتشدد، قد يسمح ،نظريا، باستيعاب آخر معتدل. مع ذلك سيتعين على منبر جدة استيعاب حتمية تفكيك هيمنة الإسلاميين في كافة أجهزة الدولة، في مقدمتها القوات النظامية، لضمان استدامة السلام وتأمين التحول الديموقراطي.