تفعيل دور الصحافة في الحكم الرشيد في السودان
سامي عبد الحليم سعيد
مناقشة لدور الصحافة في اجراءات الحوكمة و المعايير وتحديد مؤشرات قياس الحوكمة
تعريف الحوكمة:
هذه الورقة ليست تعريفية بالمعنى المعروف بقدرما ما تجتهد لتقديم مؤشرات للعمل الصحفي في سياق التنمية المستدامة، وتحديد معايير الحوكمة ومؤشرات قياسها، فضلا عن تأشير بعض العقبات المتصلة بحرية تداول المعلومات وفق التشريعات السودانية.
مصطلح الحكم الرشيد يتخذ تعريفات متعددة، استنادا على المجال الذي يستخدم فيه، فتعرف مؤسسة التمويل الدولية IFC الحوكمة بأنها النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها.
كما تعرفها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بأنها مجموعة من العلاقات التي تربط بين القائمين على إدارة الشركة و مجلس الادارة وحملة الاسهم وغيرهم من أصحاب المصالح.
كما يوجد تعريف آخر للحوكمة يدور حول الطريقة ً التي تدار بها الشركة وآلية التعامل مع جميع أصحاب المصالح فيها، بدء من عمالء الشركة والمساهمين والموظفين بما فيهم الادارة التنفيذية ً وأعضاء مجلس الادارة وانتهاء بآلية تعامل الشركة مع المجتمع ككل.
بشكل عام، فإن الحوكمة تعني وجود نظم تحكم العلاقات بين الاطراف، أعضاء مجلس الادارة، الادارة التنفيذية، المساهمين، إلخ، بهدف تحقيق الشفافية والعدالة ومكافحة الفساد ومنح حق مساءلة إدارة الشركة لحماية المساهمين والتأكد من أن الشركة تعمل على تحقيق أهدافها واستراتيجياتها الطويلة الامد.
الحكم الرشيد من منظور التنمية الإنسانية
يقصد به الحكم الذي يعزز ويدعم ، ويصون رفاه الإنسان ، ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، لاسيما بالنسبة لأكثر أفراد المجتمع فقرا.
ويمكن النظر في هذا السياق إلى الحكم الرشيد على أنه ممارسة للسلطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية لإدارة شئون بلد ما على جميع المستويات ، ويتكون الحكم من الآليات و العمليات و المؤسسات التي يؤدي من خلالها التفاعل بين الدولة ومختلف الجهات الفاعلة إلى اتخاذ إجراءات يمكن وصفها بأنها مستدامة ومنصفة . و يشمل الحكم الصالح بهذا المعنى التفاعل بين الدولة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني.
عناصر الحكم الرشيد
من التعريفات الخاصة بالحكم الرشيد من السهل ان نتبين العناصر الاساسية التي يقوم عليها الحكم الرشيد، وهي عناصر تتكامل مع بعضها، ويكون وجود احد تلك العناصر مهما ومفتاحيا لبقية العناصر، وقد تتسع دائرة تلك العناصر، ولكنها لا يمكن ان تغفل احد العناصر المهمة التالية:
1. سيادة حكم القانون:
يتعين أن تتسم الأطر القانونية بالعدالة وأن تطبق دون تحيز ، وينطبق ذلك بصفة خاصة على القوانين الحامية لحقوق الإنسان .
2. الشفافية:
تستند الشفافية على التدفق الحر للمعلومات وعلى أن تنفتح المؤسسات والعمليات المجتمعية مباشرة للمهتمين بها ، وأن تتوفر المعلومات الكافية لتفهمها ومراقبتها.
3. المسئولية:
يجب أن تسعى المؤسسات والعمليات المجتمعية لخدمة جميع من لهم مصلحة فيها.
4. بناء التوافق:
يعمل الحكم الصالح على التوفيق بين المصالح المختلفة للتوصل إلى توافق واسع على ما يشكل أفضل مصلحة للجماعة.
5. المساواة:
تتوفر للنساء والرجال الفرص كافة لتحسين رفاهيتهم وحمايتهم.
6. الفعالية والكفاءة:
تنتج المؤسسات والعمليات نتائج تشبع الاحتياجات مع تحقيق أفضل استخدام للموارد البشرية والمالية.
7. المساءلة:
يتعين أن يكون متخذو القرار في الحكومة ، والقطاع الخاص ، والمجتمع المدني خاضعين للمساءلة.
8. الرؤية الإستراتيجية:
يمتلك القادة والجمهور منظورا واسعا للحكم الرشيد والتنمية الإنسانية ومتطلباتها، مع تفهم السياق التاريخي والثقافي والاجتماعي المركب لهذا المنظور.
علاقة حرية الصحافة بالحكم الرشيد:
بحسب تقرير فريق الامم المتحدة الخاص ببرنامج عمل التنمية لما بعد العام 2015، يعتبر مفهوم الحكم الرشيد أنه قدرة المجتمع على ضمان سيادة القانون، وحرية التعبير، والحكومة المنفتحة والمسئولة.
وبشكل أوسع فإن حرية التعبير تعتبر ركناً أساسياً في الحوكمة، لأن هذا الحق يمكّن أكبر عدد من المواطنين من المساهمة في ورصد وتطبيق القرارات العامة بشأن التنمية. وأكدت توصيات التقارير على أهمية توفير إمكانية الوصول الى الإعلام ، بوصفها مهمة في تعزيز الحكم الرشيد اذ تتعارض حرية الصحافة مع الحكم الرشيد، فهما يدعمان بعضهما بعضاً وفي الوقت نفسه تعزز تنمية البلد الاقتصادية والبشرية. ولاتزال تعتبر وسائل الإعلام الإخبارية قنوات مركزية لعمليات التقييم العام المستمرة بشأن أنشطة الحكومة وغيرها من المؤسسات التي لها أثر إنمائي، وأن الصحافة هي عملية تقديم معلومات وآراء إلى الساحة العامة، إذ توفر منبراً لمناقشة العديد من القضايا المتعلقة بالتنمية مثل البيئة، العلوم، النوع الاجتماعي، الشباب، السلام، الفقر والمشاركة، ويمكن للحكم الرشيد أن يترسخ فقط عندما يكون الصحافيون أحراراً في رصد سياسات وإجراءات المجتمع والتحقيق فيها ونقدها.
وغياب الشفافية يؤدي في النهاية الى الفساد الذي يعتبر بدوره من أصعب القضايا التي يتعين على الدول أن تواجهها في عملية التنمية، معتبراً أن التحقيقات الصحافية المستقلة هي حليف للحكومة المنفتحة وبالتالي فهي تعزز من فعالية، ومن ثم شرعية عمليات التنمية، وأنه من المهم أيضاً ملاحظة أن معدلات الفساد العالية ترتبط في أكثر الأحيان بانخفاض مستوى حرية الصحافة.
الإصلاحات المطلوبة في شأن الصحافة للقيام بدورها في الحوكمة
أن الإصلاح التنظيمي لقوانين الإعلام و شروط قيد الصحفيين، و حماية المهنة من تغول السلطة التنفيذية عليها بالتحجيم و الحظر و المنع هو خطوة ضرورية في طريق الحكم الرشيد والتنمية.
والعمل بصورة جادة من اجل الغاء كافة القوانين المقيدة للنشاط الصحفي و الاعلامي، يعد صياغة قوانين مثل قوانين السب والقذف الجنائية، من المحددات الرئيسية للنشاط الصحفي، و لابد من معالجتها بقصد اتاحة فرصة اكبر من الحرية للصحافة المهنية، لذا تبقى مثل تلك القوانين غير متناسبة من حيث المعايير الدولية الخاصة بحرية التعبير، و تصطدم مع مبدأ سيادة حكم القانون. إذ تحمي مثل هذه القوانين المقيدة المسئولين بشكل مصطنع من تفحّص وسائل الإعلام والجمهور لهم، فهي لديها تأثير سلبي على حرية التعبير تعرقل الحكم الرشيد على المدى البعيد.
كذلك من المهم جدا اتاحة ديمقراطية و تعددية الصحافة ووسائل الإعلام الاخبارية الحرة المستقلة ، لكونها تسهم في التمكين المجتمعي للمعلومات، و يؤدي الى زيادة قدرة الجمهور على الوصول إلى المعلومات الموثوقة التي تمثل تعدد الآراء والحقائق والأفكار والمساهمة فيها، وأن ذلك هو نهجٌ محوره الناس وخاصة النساء والشباب والفئات المهمشة كفاعلين في برنامج عمل التنمية.
دور القانون في حماية الصحافيين و دور الصحافة في تعزيز دولة القانون
أن سيادة القانون أمر أساسي لاستقرار وحسن سير المجتمع، وأنه يمكن للمواطنين أن يشعروا بالثقة في العملية الديمقراطية على المدى البعيد والاستثمار في التنمية المستدامة لمجتمعهم فقط عندما يتم احترام سيادة القانون، وكذلك فإن لوسائل الإعلام الاخبارية وظيفة حيوية لكونها أكثر قطاع من قطاعات المجتمع قدرة على تعزيز اليقظة تجاه سيادة القانون، وخصوصاً من خلال رعاية التحقيقات الصحافية، وتشجيع انفتاح المحكمة، والإجراءات التشريعية والإدارية، والوصول إلى المسئولين وإلى وثائق عامة. لذا من المهم ان يكون هناك دور واضح للحكومة في حماية استقلال وتعددية وسائل الإعلام الإخبارية.
إن فرض وسائل ارهابية او ارغامية ضد الصحفيين، بقصد تدجين انتاج الصحافة و المعلومات، او تشكيل صحافة حامية للفساد والمفسدين، هو أمر في غاية الخطورة في سياق بناء التنمية في المجتمعات الفقيرة.
عادةً ما يتعرض الصحافيون الذين يحققون في قضايا الفساد إلى عمليات انتقام شديدة، وأن من أكثر الأشياء ضرراً بالتنمية هو ارهاب الصحافيين، وأنه من غير الممكن الحديث عن الحكم الرشيد حين ما يكون الاشخاص المسئولون عن جلب المعلومات والأخبار إلى الجمهور في خطر واضح. لذا، من المهم أن تكون البيئة الإعلامية الحرة المستقلة والتعددية سواء متصلة بالإنترنت أو منفصلة عنه بيئة يستطيع الذين يعملون في الصحافة العمل فيها بأمان وبشكل مستقل من دون الخوف من أن يتم تهديدهم أو حتى قتلهم، وأن التنمية يجب أن تكون بيئة تندر فيها الهجمات والمضايقات والترهيب والاختطاف والسجن التعسفي والتهديدات وقتل الصحافيين وحيث يتم التعامل مع أية انتهاكات بشكل صحيح في ظل سيادة القانون.
دور الصحافة الحرة في الاسهام في حوكمة خطط التنمية
ترى اليونسكو أن المجتمعات الأكثر تضرراً من الفقر هي المجتمعات الأقل قدرة على الحصول على المعلومات ونقلها، وأنه نتيجة لذلك، يتم استبعادها من النقاش العام فلا تستطيع أن تؤثر على القرارات التي لها تأثير عميق على حياتهم اليومية، وأن ذلك يتضح وخصوصاً على صعيد الخدمات الأساسية، فعلى سبيل المثال، يعتمد المجتمع الصحي على المعلومات المتعلقة بالمياه النظيفة والصرف الصحي واللقاحات والبيئة، ومن دون استدامة وسائل الإعلام في مختلف قطاعات الإعلام الخاص والعام والمجتمعي، يحتمل أن تستمر الحالة المهمشة لتلك المجتمعات.
وترى اليونسكو أنه في كثير من الأحيان لاتزال المعايير القانونية لفرض القيود على حرية التعبير على جميع الأصعدة غير متماشية تماماً مع المبادئ الدولية والتي تتطلب الشفافية والتناسب والهدف المناسب حتى تكون مشروعة، وأنه غالباً ما يكون الإلمام بالجوانب الصحافية في تغطية قضايا التنمية المعقدة والتي تتراوح بين إعداد التقارير بشأن الفوارق بين الجنسين وحتى تقارير تغير المناخ غير كافٍ.
وفي الوقت نفسه، وأنه في سياق توسيع المعلومات، تعتمد نزاهة الصحافة أيضاً على كفاءة الإلمام بوسائل الإعلام والمعلومات، وأنه يجب أن يكون المشاركون في وسائل الإعلام مجهزين باستمرار لإيجاد وتقييم والمشاركة في المعلومات بشأن مناقشات التنمية.
قياس مؤشر الحكم الرشيد في الدول
من اهم المهمات التي تقوم بها الصحافة في شأن التنمية، هو اعدادها لتقارير تقيس من خلالها مستوى التقدم في مشروعات التنمية المستدامة، وفي هذا نشطت مؤسسات صحفية عالمية مشهود لها بالحرفية والالتزام في هذا الجانب. وفي هذا من المهم للصحفي ان يمتلك مهارات قياس الحكم الرشيد من خلال اتباع مؤشرات موضوعية.
هنا نتعرض لنموذج راسخ في استخدام مؤشرات لقياس الحكم الرشيد في الدولة المعنية. لقد وضع البنك الدولي 22 مؤشرا لاختبار وقياس الحكم الراشد. 12 مؤشرا منها تخص المساءلة العامة، و10 تخص جودة الإدارة.
ويتم ترتيب الدول بحسب موقعها من هذه المقاييس على سلم يتكون من 173 رتبة (بحسب عدد دول العينة) التي تؤخذ من مناطق مختلفة وحسب مستويات دخل مختلفة أيضا.
ويحسب معدل صلاح الحكم وتتراوح علامة الدولة من صفر إلى 100 حسب درجة صلاح الحكم. وتغطي الأسئلة حقولا عدة وحيوية تجسد مدى اندماج الشعوب في مسار أنظمتها الحاكمة.
أولا: مؤشر المساءلة العامة
يخص هذا المؤشر أربع مجالات هي:
1. درجة انفتاح المؤسسات السياسية في البلد.
2. درجة المشاركة السياسية ونوعيتها.
3. درجة الشفافية ومدى القبول الذي تحظى به الحكومة لدى الشعب.
4. درجة المساءلة السياسية.
وتشمل البيانات الموضوعات الآتية:
1. الحقوق السياسية للأفراد
2. الحريات المدنية
3. حرية الصحافة
4. الأداء السياسي
5. التوظيف لدى الجهاز التنفيذي
6. تنافسية التوظيف
7. انفتاح التوظيف
8. المشاركة في التوظيف
9. القيود لدى التنفيذ
10. المساءلة الديمقراطية
11. الشفافية
ثانيا: مؤشر جودة الإدارة
يقيس لنا هذا المؤشر حدود الفساد في مجال دارة الموارد وإدارة السوق ومدى احترام الحكومة للقوانين ويشمل بيانات هي:
1. درجة الفساد
2. نوعية الإدارة
3. حقوق الملكية
4. الإدارة المالية
5. تخصيص الموارد
6. احترام وتطبيق القانون
7. السوق الموازي
ويعتمد بناء مقاييس الحكم الراشد على إعطاء المؤشرات المذكورة علامات هي معدل علامات المجالات التي يغطيها كل مؤشر .ويغطي مؤشر المساءلة العامة بيانات انفتاح الحكم على المعارضة والمشاركة السياسية الكاملة بناءا على درجات الحرية الإعلامية، فعالية البرلمان، حرية التنظيم السياسي، التعيين بالوظائف العليا، وتوفير كامل المعلومات وهي جميعا مجالات تعكس لنا مدى اندماج المجتمع في الحكم العام.أما مؤشر جودة الإدارة فيغطي بيانات ذات طابع فني مثل مؤشر الفساد في استخدام الأملاكالعامة لغايات خاصة، أداء الإدارة وتخصيص الموارد العامة وجودة القضاء في السهر على تنفيذ النصوص التشريعي، ويتحدد موقع كل دولة مختارة على سلم الحكم الراشد بجمع البيانات السابقة وتوظيفها قياسيا.
تَنظِيم دور الصحافة في استقاء المعلومات و نشرها
على الصعيد السوداني، وفي سياق مناقشة دور الصحافة في تعزيز الحكم الرشيد، من المهم النظر الى القانون الذي يدعم دور المؤسسات الصحافية في حرية تداول و نشر المعلومات. فيما يلي بعض النقاط التي تناولتها في كتيب خاصة بحماية حرية الحصول المعلومات بعنوان اصلاح نظام الشفافية في السودان، 2015.
إستناداً عَلى المَادَة (39) مِن دَسْتُور جمهورية السُودَان الإنتقالي لِسنَة 2005، صدر قَانُون حَق الحِصُول عَلى المَعْلُومَات لِسنَة 2015 لمقابلة المُتطلبات التِي دَعت أليها المَادَة 39، و هي كما يلي:
لِكل مُواطن حَق لا يُقيد فِي حُريَّة التَعْبِيّر وتلقي و نشر المَعْلُومَات والمطبوعات والوصول إلى الصَحافة دون مَساس بالنَظَامْ والسَلامة والاخلاق العَامْة.
تكفل الدَولَة حُريَّة الصَحافة ووسائل الإعلام الاخرى وفقا لما يُنظمه القَانُون فِي مُجتمَع دِيمُقراطِيَّ.
تَلتزم كَافَة وسائل الاعلام بأخْلاق المِهنة و بِعدم إثارة الكَراهية الدِينية أو العِرقية أو العُنَصَرية أو الثَقافِية أو الدَّعوة للعُنف أو الحَرب.
فِي تَقَديري، تلك الاشارة التِي جَاءت بها المَادَة 39، لم تكن كافِية، ولم تعبر عن رغبة الدَولَة فِي إفشاء مَبدأ الشَفَافِية فِي كل مُعاملات السُلطة العَامْة، فالنَصَوص الدَسْتُورية الواضحة تَعكس الارادة فِي جَعل الشَفَافِية جُزء لا يتجزء مِن نَظَامْ إدارة موارد البِلاد بِصورة نَزيهة و رَشِيدة.
وإستناداً عَلى تلك المبادئ الدَسْتُورية الواردة فِي المَادَة 39 مِن الدَسْتُور، أجازت السُلطة التَشْريّعية السُودَانية قَانُون حُريَّة الحِصُول عَلى المَعْلُومَات لِسنَة 2015. إهتمام الدَولَة بإصدار قَانُون سوداني لحُريَّة تداول المَعْلُومَات ويؤسس للتحول الدِيمُقراطِيَّ و يغَير ثقافة السِرِيّة ويفعل ثلاثية الشَفَافِية والمُسَاءلَة والمحاسبية، مما يقلل مِن فرص الفَسَاد والتلاعب، ويحَقق أهداف الحكم الراشد بتقنين حَق حُريَّة الحِصُول عَلى المَعْلُومَات ونشرها عبر وسائط الاعلام وفقاً للمَعايير الأخلاقِية و المِهنية.
وفِي المِناقشات التِي أجرتها مِنظَمَات المُجتمَع المَدَنِي السُودَاني عَلى هَذِه الورقة، كَانت هناك آراء معتبرة تنادي بضرورة تأكيد مبدأ الشَفَافِية بالنَصَ عليها فِي كل القَوانِين واللوائح التِي تنظم شؤوناً مالية عَامة، مثال قَانُون صندوق الضمان الاجتماعي، قَانُون ديوان الضرائب، قَانُون الزكاة، وغَير ذَلِك مِن القَوانِين.
إلزام الاجهزة الحَكُومِية بنشر المَعْلُومَات الاساسية يعزز بفعالية فكرة الحَكُومَة المفتوحة. لذَلِك يجب تعديل القَوانِين التِي تتفق ومبادئ كشف ونشر المَعْلُومَات الاساسية، والتِي لا تسبب ضَرراً للمَصْلحَة العَامْة. وأن تكُون الاستثناءات مِن ذَلِك واضِحة ومُحددَة وخاضِعة لإختبارات الضَرر والمَصْلحَة العَامْة.
وكَان محور المَعْلُومَاتية فِي الاهداف الاستراتيجية للخطة الخمسية (2007 - 2011)، قَد إستند عَلى مبدأ حُريَّة المَعْلُومَات، وتضمِنت رسالة المحور عَلى ضرورة تنظيم بيئة المَعْلُومَات بما يكفل حُريَّة الحِصُول عليها و تيسير إسترجاعها و الإستفادة مِنها. ونَصَت سياسات المحور عَلى ان ضرورة إتاحة المَعْلُومَات العَامْة و حِمَاية حُريَّة الحِصُول عليها. كما تضمِنت الاهداف الإستراتيجية للمحور عَلى تأمين حُريَّة الحِصُول عَلى المَعْلُومَات ونشرها عبر وسائط الاعلام وفقاً للمعايير الأخلاقية و المهنية.
خاتمة
تخلص هذه الورقة، الى اهمية دور الصحافة و مؤسساتها في بناء و تعزيز الحكم الرشيد في دولة مثل السودان. واستنادا على تلك الاهمية من الضروري وضع التدابير والسياسات التي تيسر السبيل لتحقيق التنمية، وبالتالي وضع التدابير والسياسات التي تمهد الطريق للصحافة للقيام بدورها المرسوم في اجراءات الحكم الرشيد.
فيما يلي اضع بعض النقاط التي تعد مهمة في استلهام الدور الذي تلعبه وسائل الصحافة والاعلام في تعزيز الحكم الرشيد و بالتالي في دعم خطط التنمية الوطنية في السودان:
1. مفاهيميا، الحكم الرشيد هو إنشاء مؤسسات سياسية وقضائية وإدارية تؤدي عملها بكفاءة وتخضع للمساءلة و يعدها المواطنون مؤسسات شرعية يمكنها عن طريق المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم ، كما و تعد مؤسسات تعمل على تمكينهم .وينطوي الحكم الرشيد أيضا على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون بصفة عامة.
2. و بالمقابل، يعتبر الحكم الغير رشيد نقيضاً للحكم الرشيد وذلك من خلال سيادة المعايير التالية:
- عدم تطبيق مبدأ سيادة القانون أو حكم القانون .
- الاندماج بين المال العام والمال الخاص وعدم الفصل الواضح والصريح بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة.
- الحكم الذي لا توجد فيه قاعدة شفافة للمعلومات وعلى العكس من ذلك قاعدة ضيقة لصنع القرار.
- استشراء الفساد والرشوة وانتشار آليتهما وثقافتهما وقيمهما.
- ضعف شرعية الحكام وتفشي ظاهرة القمع وهدر حقوق الانسان.
- الحكم الذي لا يشجع على الاستثمار خصوصاً في الجوانب الانتاجية ويدفع الى الربح الريعي والمضاربات.
3. ان إتاحة معلومات موثوقة وذات جودة للفقراء وتزويدهم بمنصات للصوت العام تعتبر خطوة مهمة في تحقيق هذا الهدف في التنمية. وينطبق هذا بصفة خاصة على مجموعتين تتأثران عادة بالفقر بشكل غير مناسب وهما النساء والشباب.
4. ضمن المناقشات حول التنمية هناك حاجة لاشراك الشباب الذين مكنتهم وسائل الاعلام وثقافتهم الاعلامية والمعلوماتية من لعب دور مهم في هذا المجال.
5. من المهم مراجعة التشريعات التي تنظم عمل الصحافة، و قواعد سلوك الصحفيين، و القوانيين الماسة بحرية الحصول على المعلومات.