حرية التنقل في المواثيق الدوولية
تجميع مواطنون
1. تمثل حرية التنقل شرطا لا بد منه لتنمية الإنسان الحرة. وهي تتفاعل مع عدة حقوق أخرى واردة في العهد كما يتضح من تجربة اللجنة في فحص تقارير الدول الأطراف وبلاغات الأفراد في كثير من الأحيان. وقد أشارت اللجنة أيضا في تعليقها العام رقم 15 (وضع الأجانب بموجب العهد، 1986) إلى الصلة الخاصة بين المادتين 12 و131.
2. والقيود المسموح بفرضها على الحقوق المحمية بموجب المادة 12 يجب ألاَّ تبطل مبدأ حرية التنقل، وهي قيود يحكمها شرط الضرورة المنصوص عليه في المادة 12، الفقرة 3، والحاجة إلى الاتساق مع الحقوق الأخرى المعترف بها في العهد.
3. وينبغي أن تقدم الدول الأطراف في تقاريرها إلى اللجنة معلومات عن القواعد القانونية والممارسات الإدارية والقضائية المحلية المتصلة بالحقوق المحمية بموجب المادة 12، آخذة في الحسبان المسائل المطروقة في هذا التعليق العام. ويجب أن تتضمن التقارير أيضاً معلومات عن وسائل الانتصاف المتاحة في حالة تقييد هذه الحقوق.
حرية التنقل وحرية اختيار مكان الإقامة (الفقرة 1)
4. يتمتع كل فرد موجود بصفة قانونية في إقليم دولة ما بالحق في حرية التنقل واختيار مكان إقامته داخل ذلك الإقليم. ومن حيث المبدأ، يوجد مواطنو الدولة بصفة قانونية دائماً داخل إقليم تلك الدولة. أما مسألة وجود أجنبي ما بصفة قانونية داخل إقليم دولة ما فهي مسألة يحكمها القانون الداخلي للدولة، الذي يجوز لـه أن يفرض قيوداً على دخول الأجنبي إلى إقليم الدولة، شريطة أن تمتثل تلك القيود لالتزامات الدولة الدولية. وفي هذا الصدد، رأت اللجنة بالنسبة للأجنبي الذي دخل دولة ما بطريقة غير مشروعة، ولكن وضعه أصبح متفقاً مع القانون بعد ذلك، أن وجوده داخل إقليم تلك الدولة يجب أن يعتبر قانونياً2 لأغراض المادة 12. وما أن يصبح الشخص موجوداً بصفة قانونية داخل دولة ما، فإن أي قيود على حقوقه المحمية بموجب الفقرتين 1 و2 من المادة 12، وكذلك أي معاملة مختلفة عن المعاملة التي يحظى بها المواطنون، لا بد من تبريرها بموجب القواعد المنصوص عليها في الفقرة 3 من المادة 123. ولذا، من المهم أن تشير الدول الأطراف في تقاريرها إلى الحالات التي تعامل فيها الأجانب معاملة مختلفة عن معاملة مواطنيها في هذا الصدد، وإلى مبررات هذا الاختلاف في المعاملة.
5. وينطبق الحق في حرية التنقل على إقليم الدولة المعنية كله، بما في ذلك جميع أنحاء الدول الاتحادية. وطبقا للفقرة 1 من المادة 12 يحق للأشخاص التنقل من مكان إلى آخر والإقامة في مكان ما حسب اختيارهم. والتمتع بهذا الحق يجب ألا يخضع لأي غرض أو سبب معين للشخص الراغب في التنقل أو في الإقامة في مكان ما. وأي قيود على هذا الحق يجب أن تكون متسقة مع أحكام الفقرة 3.
6. ويجب على الدولة الطرف أن تضمن حماية الحقوق المكفولة في المادة 12 من أي تدخل سواء كان من جهات عامة أو من جهات خاصة. ولهذا الالتزام أهمية خاصة بالنسبة لحماية حقوق المرأة. وعلى سبيل المثال، فإن إخضاع حق المرأة في حرية التنقل واختيار مكان إقامتها لقرار شخص آخر، حتى لو كانت تربطه بها علاقة قرابة، سواء بالقانون أو بالممارسة العرفية، أمر يتعارض مع أحكام الفقرة 1 من المادة 12.
7. ورهناً بأحكام الفقرة 3 من المادة 12، فإن الحق في الإقامة في مكان ما يختاره الشخص المعني داخل إقليم ما يشمل الحماية من جميع أشكال التشريد الداخلي القسري، ويحول دون منع الأشخاص من الدخول أو البقاء في جزء محدد من الإقليم. بيد أن الاحتجاز القانوني يمس بشكل أكثر تحديداً الحق في الحرية الشخصية وتشمله المادة 9 من العهد. وفي بعض الظروف قد تنطبق المادتان 12 و9 معاً.
حرية مغادرة الشخص لأي بلد، بما في ذلك بلده (الفقرة 2)
8. لا يجوز اشتراط أن تكون حرية الشخص في مغادرة أي إقليم في دولة ما خاضعة لأي غرض محدد أو متوقفة على المدة التي يختار الشخص أن يبقى خلالها خارج البلد. وبالتالي، فإن السفر إلى الخارج مكفول بالمادة بالإضافة إلى المغادرة بغرض الهجرة بصورة دائمة. كما أن حق الفرد في تحديد الدولة التي يقصدها يمثل جزءاً من الضمان القانوني. وبالنظر إلى أن نطاق المادة 12، الفقرة 2، ليس مقصوراً على الأشخاص الموجودين بصفة قانونية داخل إقليم الدولة، فإن الأجنبي الذي يطرد بموجب القانون من البلد يحق له أيضاً أن يختار الدولة التي يقصدها رهناً بموافقة تلك الدولة5.
9. وتُفْرَض التزامات على دولة الإقامة ودولة الجنسية لتمكين الفرد من التمتع بالحقوق التي تكفلها الفقرة 2 من المادة 126. ونظراً لأن السفر الدولي يتطلب عادة وثائق ملائمة، ويتطلب جواز سفر بالتحديد، فإن الحق في مغادرة بلد ما يجب أن يشمل الحق في الحصول على وثائق السفر اللازمة. وإصدار جوازات السفر هو عادة من واجب دولة جنسية الفرد. ورفض الدولة إصداره أو تمديد فترة صلاحيته لمواطن مقيم في الخارج قد يحرمه من الحق في مغادرة بلد الإقامة والسفر إلى مكان آخر7. وليس مبرراً للدولة أن تزعم أن مواطنها يستطيع أن يعود إلى بلدها بدون جواز سفر.
10. وكثيراً ما تظهر ممارسات الدول أن للقواعد القانونية والتدابير الإدارية تأثيراً عكسياً على حق المغادرة، وخاصة مغادرة الشخص لبلده. ولذا، من المهم للغاية أن تبلغ الدول الأطراف عن جميع القيود القانونية والعملية التي تطبقها على حق المغادرة بالنسبة لمواطنيها وبالنسبة للأجانب، حتى يتسنى للجنة تقييم اتساق تلك القواعد والممارسات مع أحكام الفقرة 3 من المادة 12. وينبغي للدول الأطراف أيضاً أن تضمِّن تقاريرها معلومات عن التدابير التي تفرض جزاءات على وسائط النقل الدولية التي تنقل إلى إقليمها أشخاصاً لا يحملون الوثائق المطلوبة في الحالات التي تمس فيها هذه التدابير حق مغادرة بلد آخر.
القيود (الفقرة 3)
11. تنـص الفقرة 3 من المادة 12 على ظروف استثنائية يمكن فيها تقييد الحقوق المكفولة بموجب الفقرتين 1 و2. فالفقرة 3 تجيز للدولة تقييد هذه الحقوق فقط لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم. ويستوجب السماح بهذه القيود أن ينص عليها القانون، وأن تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية هذه الأغراض، وأن تكون متسقة مع جميع الحقوق الأخرى المعترف بها في العهد (انظر الفقرة 18 أدناه).
12. ولا بد للقانون نفسه من أن يحدد الظروف التي يجوز فيها الحد من الحقوق. ولذا ينبغي أن تحدد تقارير الدول القواعد القانونية التي توضع القيود على أساسها. فالقيود التي لا ينص عليها القانون، أو التي لا تتسق مع متطلبات الفقرة 3 من المادة 12، ستمثل انتهاكا للحقوق المكفولة بموجب الفقرتين 1 و2.
13. وينبغي للدول، لدى اعتمادها القوانين التي تنص على القيود المسموح بها في الفقرة 3 من المادة 12، أن تسترشد دائماً بالمبدأ القائل بعدم إعاقة جوهر الحق من جراء القيود (انظر الفقرة 1 من المادة 5)؛ ويجب أن تُقْلَب العلاقة بين الحق والقيد، بين القاعدة والاستثناء. وينبغي للقوانين التي تجيز تطبيق القيود أن تستخدم معايير دقيقة، ولا يجوز لها أن تمنح المسؤولين عن تنفيذها حرية غير مقيدة للتصرف حسب تقديراتهم.
14. وتشير الفقرة 3 من المادة 12 بوضوح إلى أنه لا يكفي أن تخدم القيود الأغراض المسموح بها؛ فيجب أيضاً أن تكون ضرورية لحمايتها. ويجب أن تتمشى التدابير التقييدية مع مبدأ التناسب؛ ويجب أن تكون ملائمة لتحقيق وظيفتها الحمائية؛ ويجب أن تكون أقل الوسائل تدخلاً مقارنة بغيرها من الوسائل التي يمكن أن تحقق النتيجة المنشودة؛ ويجب أن تكون متناسبة مع المصلحة التي ستحميها.
15. ولا بد من احترام مبدأ التناسب، لا في القانون الذي يحدد إطار القيود وحده، بل أيضاً في تطبيقه من جانب السلطات الإدارية والقضائية. وينبغي للدول أن تكفل سرعة إنجاز أي إجراءات متصلة بممارسة تلك الحقوق أو تقييدها، وأن تكفل توفير الأسباب التي تبرر تطبيق التدابير التقييدية.
16. وكثيراً ما أخفقت دول في إثبات أن تطبيق قوانينها المقيدة للحقوق المكفولة في الفقرتين 1 و2 من المادة 12 يتسق مع جميع المتطلبات المذكورة في الفقرة 3 من المادة 12. فتطبيق القيود، في أي حالة فردية، يجب أن يستند إلى أسس قانونية واضحة، ويجب أن يلبي شرط الضرورة ومتطلبات التناسب. وعلى سبيل المثال، فإن هذه الشروط لن تلبى إذا مُنع فرد ما من مغادرة بلد ما لمجرد أنه يحمل أسرار الدولة، أو إذا مُنع فرد ما من السفر داخلياً بدون إذن صريح. ومن الجهة الأخرى، فإن الشروط يمكن أن تلبيها قيود على دخول مناطق عسكرية لأسبـاب متعلقـة بالأمن القومي، أو قيود على حرية الإقامة في مناطق يسكنها سكان أصليون أو مجتمعات أقليات.
17. وإن الحواجز القانونية والبيروقراطية المتعددة الجوانب والتي تؤثر بدون داعٍ على التمتع الكامل بحقوق الأفراد في التنقل بحرية ومغادرة بلد ما، بما في ذلك مغادرة بلدهم، واختيار مكان إقامتهم، هي مصدر قلق رئيسي. وقد انتقدت اللجنة، فيما يتعلق بحق التنقل داخل بلد ما، الأحكام التي تتطلب من الأفراد تقديم طلب للسماح لهم بتغيير إقامتهم أو التماس موافقة السلطات المحلية في المكان المقصود، بالإضافة إلى التأخيرات في البت في هذه الطلبات المكتوبة. وممارسات الدول مفعمة بكمية من العقبات التي تزيد من صعوبة مغادرة البلد، خاصة بالنسبة لمواطنيها. وتشمل هذه القواعد والممارسات جملة أمور، منها مثلاً: عدم إمكانية وصول مقدمي الطلبات إلى السلطات المختصة وانعدام المعلومات المتعلقة بالمتطلبات؛ واشتراط تقديم طلب من أجل استمارات خاصة يمكن عن طريقها الحصول على وثائق تقديم الطلبات المناسبة لإصدار جواز سفر؛ والحاجة إلى بيانات داعمة لمقدم الطلب من مستخدميه أو من أفراد أسرته؛ وإعطاء وصف دقيق لطريق السفر؛ وإصدار جوازات السفر فقط بعد دفع رسوم باهظة تتجاوز إلى حد كبير تكاليف الخدمة المقدمة من الإدارة؛ والتأخيرات غير المعقولة في إصدار وثائق السفر؛ والقيود على أفراد الأسرة المسافرين جماعة؛ واشتراط تقديم مبلغ مالي كعربون للعودة إلى الوطن أو إبراز تذكرة عودة؛ واشتراط إبراز دعوة من الدولة المقصودة أو من أشخاص يعيشون هناك؛ وإزعاج مقدمي الطلبات، مثلاً بالتخويف بالعنف البدني أو التهديد بالاعتقال أو فقدان الوظيفة أو طرد الأطفال من المدارس أو من الجامعات؛ ورفض إصدار جواز سفر بزعم أن مقدم الطلب سيلحق الضرر بسمعة البلد الطيبة. وفي ضوء هذه الممارسات، ينبغي للدول الأطراف أن تستوثق من أن جميع القيود التي تفرضها تمتثل امتثالاً تاماً لأحكام الفقرة 3 من المادة 12.
18. ويجب أن يكون تطبيق القيود المسموح بها بموجب الفقرة 3 من المادة 12 متسقاً مع الحقوق الأخرى المكفولة في العهد ومع المبادئ الأساسية للمساواة وعدم التمييز. وبالتالي فإن تقييد الحقوق المنصوص عليها في الفقرتين 1 و2 من المادة 12 عن طريق أي تمييز أياً كان نوعه، سواء كان على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو الميلاد أو على أساس الوضع الاجتماعي، إنما يشكل انتهاكاً واضحاً للعهد. وقد لاحظت اللجنة خلال فحصها لتقارير الدول عدة حالات تطبق فيها تدابير تمنع المرأة من التنقل بحرية أو من مغادرة البلد إلا بموافقة شخص ذكر أو برفقته، وهي حالات تمثل انتهاكاً للمادة 12 أيضاً.
حق الشخص في الدخول إلى بلده (الفقرة 4)
19. إن حق الشخص في الدخول إلى بلده ينطوي على اعتراف بعلاقة الشخص الخاصة بذلك البلد. وهذا الحق له عدة أوجه. فهو يعني ضمناً حق الشخص في البقاء في بلده. ولا يقتصر على حقه في العودة بعد مغادرة بلده، إذ يحق له أيضا المجيء إلى البلد لأول مرة إذا وُلِدَ خارجه (مثلاً، إذا كان ذلك البلد وطن الشخص بالجنسية). والحق في العودة يكتسب أهمية قصوى للاجئين الراغبين في العودة إلى الوطن باختيارهم. وهو يعني ضمناً أيضاً حظر عمليات ترحيل السكان القسرية أو طردهم الجماعي إلى بلدان أخرى.
20. ولا تميز صيغة الفقرة 4 من المادة 12 بين المواطنين والأجانب (لا يجوز حرمان أحد ...). وبالتالي فإن الأشخاص الذين يحق لهم ممارسة هذا الحق يمكن تحديد هوياتهم فقط بتفسير عبارة بلدِه9. ونطاق عبارة بلده أوسع من مفهوم بلد جنسيته. وهو ليس مقصوراً على الجنسية بالمعنى الشكلي - أي الجنسية المكتسبة بالميلاد أو بالتجنُّس. إنه يشمل، على الأقل، الشخص الذي لا يمكن اعتباره مجرد أجنبي، وذلك بحكم روابطه الخاصة ببلد معين أو استحقاقاته فيه. وينطبق هذا مثلاً على حالة مواطني بلد ما جُرِّدوا فيه من جنسيتهم بإجراءٍ يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، وعلى حالة أشخاص أُدمج بلد جنسيتهم في كيان قومي آخر، أو جرى تحويله إلى كيان كهذا، وحرموا من جنسية هذا الكيان الجديد. ويضاف إلى ذلك أن صياغة الفقرة 4 من المادة 12 تسمح بتفسير أوسع قد يشمل فئات أخرى من الأشخاص المقيمين فترات طويلة الأجل، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الأشخاص عديمو الجنسية المحرومون تعسفاً من الحق في اكتساب جنسية بلد إقامتهم على هذا النحو. وبالنظر إلى أن عوامل أخرى قد تؤدي في ظروف معينة إلى إقامة صلات وثيقة ودائمة بين الشخص والبلد، ينبغي للدول الأطراف أن تُضَمِّن تقاريرها معلومات عن حقوق المقيمين الدائمين في العودة إلى بلد إقامتهم.
21. ولا يجوز بأي حال حرمان شخص ما تعسفاً من الحق في الدخول إلى بلده. والغرض من الإشارة إلى مفهوم التعسف في هذا السياق هو التشديد على أنه ينطبق على أي إجراء للدولة، سواء كان تشريعياً أو إدارياً أو قضائياً؛ فالإشارة إليه تضمن بالضرورة أن يكون أي تدخل، حتى ولو بحكم القانون، متفقاً مع أحكام العهد وغاياته وأهدافه، وأن يكون في جميع الأحوال معقولاً في الظروف المعيَّنة. وترى اللجنة أنه قلَّما تكون هناك ظروف - إذا وجدت أصلاً - يمكن أن تعتبر معقولة لحرمان شخص ما من الدخول إلى بلده. ويجب على الدولة الطرف ألا تُقْدِم - بتجريد شخص ما من جنسيته أو بطرده إلى بلد آخر - على منعه تعسفاً من العودة إلى بلده.