الجبهة المدنية.. نحو هندسة المستقبل؟
خالد عويس- صحفي وكاتب سوداني
لا يمكن الجدال أبدا بشأن ما بلغته الأزمة السودانية من شأو بعيد كانت أبرز تمثلاته الحرب الأهلية، وما هي سوى عرض من أعراض هشاشة الدولة السودانية ومؤسساتها وعجزها الفاضح وعجز العقل السياسي بل والجمعي الفاضح عن تجاوز التكتيكات المرحلية إلى الاستراتيجي واستشراف المستقبل بناء على أسس جديدة عنوانها الأبرز العلم والمشروع الوطني والأخير هو الفريضة الوطنية الغائبة منذ ما قبل الاستقلال.
والآن، وجماعات سودانية تتدافع لبناء جبهة مدنية لوقف الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي، وجماعات أخرى تنشط في توصيف الأزمة واجتراح الحلول، لابد من القول إن أي تحليل متعسف أو غير شامل للأزمة التاريخية لا يقود سوى لمزيد من الاشتعال والانقسام.
السودانيون، بهذا الصدد، لن يعيدوا اختراع العجلة فتجارب تشيلي والأرجنتين ورواندا وكوديسا جنوب أفريقيا ماثلة أمام العقل السوداني إن توفرت الإرادة والإدارة والحس الوطني السليم وتراجعت نزعات التشفي والانتقام والممارسة السودانية الغرائبية تاريخيا في الإيقاع بالآخر السياسي ومحاولة نفيه وحرقه وهي ممارسة أورثتنا ما نحن فيه، إلى جوانب عوامل أخرى.
السودانيون مدعوون الآن - جميعهم - لرصف طريق جديد عبر هندسة المستقبل لا تستثني طرفا طالما أن الأمر رهن بالمستقبل وخططه، عبر ثلاثة مسارات للحوار عسكري - عسكري يشمل إلى جانب الجيش والدعم السريع كل الحركات المسلحة، ومدني - مدني مؤداه وضع الأسس الصلبة لمنصة تأسيس جديدة من خلال مائدة مستديرة أو مؤتمر سوداني جامع ضمن مسار الحوار الثالث وهو مدني - عسكري.
إنها الساعة الأخيرة لتتدخل لجنة من حكماء السودان المعروفين باستقلاليتهم ورجاحة عقلهم وقبولهم لدى غالب السودانيين وحيادهم ونزاهتهم من أجل محاصرة الأزمة على نحو جذري.
١. الفريق حمادة عبد العظيم - عضو المجلس العسكري الانتقالي 1985.
٢. الأستاذ محجوب محمد صالح - عميد الصحافة السودانية
٣. الأستاذ عبد الله آدم خاطر - الكاتب والصحفي
٤. بروفسير فيصل عبد الرحمن علي طه - القانوني
٥. الشيخ الياقوت - الزعيم الديني
٦. ولهم أن يختاروا بالتشاور بينهم خمسة أعضاء آخرين وفقا لشروط الحياد والتمثيل الجغرافي وتمثيل المرأة والشباب والقبول المجتمعي، من أجل التحرك عاجلا والتنسيق لإطلاق مبادرة وطنية تتوخى التوصل لحلول شاملة عبر بوابة مؤتمر جامع مائدة مستديرة بعد وقف الحرب وفي إطار الترتيبات الشاملة لوقفها وإيجاد معالجات جذرية لكل المشكلات.
المطلوب ليس صيغة لوقف الحرب واسترداد الانتقال فحسب، المطلوب صيغة جديدة تتوجه كليا نحو هندسة المستقبل وتقديم الاستراتيجي على المرحلي وبناء عقد اجتماعي جديد يشارك فيه كل السودانيين ووضع تصور جديد لدولة قادرة - بمؤسسات فاعلة ورشيقة وحديثة - على إدارة المستقبل بطريقة مغايرة. ومن المهم أن تلتزم كل القوى السياسية بالنأي تماما عن السلطة الانتقالية ليصار إلى سلطة من شخصيات قومية مستقلة تتوفر فيها شروط الكفاءة، وهذا يتم في مناخ سياسي جديد، ووفقا لهندسة دولة قانون حقيقية بحيث تصبح يد القانون هي العليا وهي الفيصل ببناء محكمة دستورية محكمة ومحكمة عليا تجلب لهما عقول قانونية لا يتسرب الشك بتاتا في نزاهتها وصرامتها.
الوقت ثمين للغاية، وليس أمام السودانيين جميعهم، يمينهم ويسارهم، عسكرهم ومدنييهم، سوى اقتناص فرصة الحرب لتوليد وعي جديد بالذات وبالدولة وبالمستقبل وبجوهر الأزمة التاريخية. إنه ليس وقت البحث عن مكاسب شخصية أو حزبية أو جهوية، إنه وقت طرح معادلة كسبية للجميع، فالحرب بكل فظاعاتها وقسوتها إن لم تخلق وعيا جديدا وإرادة جديدة ومسارا جديدا من خلال الدروس والعبر التي خلفتها وتخلفها، فسيكون علينا جميعا السلام، وسيبقى الوطن في كل الظروف، إنما بلعنات علينا جميعا تبقى أبد الدهر لقلة حيلتنا وشح أنفسنا وتغليبنا الحلول المرحلية على مطلوبات البناء الاستراتيجي واجتراح المعالجات الجذرية.