غُرَف الصدَى .. أصوات الكراهية والتضليل
خالد ماسا
لم تكُن الحرب في السودان هي الطامه الأولى التي حلّت على قضايا الرأي والرأي الآخر ومساحات حرية التعبير والتأثير على تشكيل الرأي العام على إمتداد تكوين الدولة السودانية بشكلها الحديث.
ولو أخذنا في الإعتبار الثلاث عقود الآخيرة المنصرمة من عمر الدولة السودانية كنموذج لقياس تأثيرات سياسات الدولة على الرأي العام وتوجيهه بما يخدم سياسات وأهداف النظام الحاكم وقتها فاننا سنصل الى حقيقة أن النظام الحاكم وقتها قد عمل على تطوير أدواته القمعيه باغراق المشهد العام بصوت واحد يسمعه الكل ويصدقه ويشكل وجدانهم ولم ينج منه إلا الذين إجتهدوا في تطوير أدواتهم النضاليه.
غُرَف الصَدى .. هي النظام الذي إعتمد عليه دُعاة الحرب وأصحاب المصلحة في مصادرة الرأي الآخر لصالح تبني مواقف بعينها والعمل والسعي لتضخيمها وتعزيزها بالتواصُل والتكرار المُستمِر داخل دوائر الحرب وإستمرارها وحِراسة بواباتها من دخول الرأي الناقد أو المختلف الذي يطعن في دعاوي الحرب والتبرير لإستمرارها.
المُحتوى المتداول عن حرب أبريل في السودان هو في غالبه محتوى رقمي يعزز مفاهيم وأهداف رف الصدى التي تُخاطب المحبوسين بداخلها عبر بوابات ما يخاطب عاطفتهم ويعزز أشواقهم لانحيازات جانبي الحرب بانكار تام لأي حقائق أخرى ويأخذون في تجميع المعلومات والبيانات التي تعزز فقط ما يؤمنون به بوعي منهم أو بدونه.
غُرَف الصدى .. وبإستغلال خوارزميات الإنترنت والطبيعة التفاعلية للأدوات التي توفرها (فيس بوك / واتس آب / تويتر الخ) صار بالإمكان تضخيم الأصوات والآراء التي تدعم الطريق ذو الإتجاه الواحد ولايخوض أي تجربة في مواجهة الأفكار والآراء من أي جانب معاكس، وبالتالي يزداد الشعور والقناعات بأن ما يتردد داخل هذه الغرف هو الحقيقة المُطلقة فيتنازل الفرد داخل هذه الغرف عن مسؤولية تشكيل قناعاته طالما أن المحتوى المتداول يصادف ما يشبع رغباته وتوقعاته.
خطورة غرف الصدى في حرب السودان الحاليه تظهر في إستدراج البعض للتتازل عن ما تأباه الفطرة السليمة والوعي الانساني المتقدم تحت دعاوي منطقية الانحياز لطرف من أطراف الحرب دون الإكتراث لضياع الموقف الأصيل والمبدئي من إنتهاك حقوق المدنيين على سبيل المثال، أو حقوق أسرى الحرب المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وبالتالي ومن خلال متابعة ماهو متداول في هذه الغرف نجد المتصالح مع حالات التمثيل بجثث الموتى، وعرضها وتداولها والمتصالح مع حرمان المأسورين والمدنيين من الحد الادنى لحقوقهم. كما أننا نجد المجتهد في تدوير الاخبار المضللة بمقتضيات فقة الحرب والضرورة في تنازل صريح عن ماهو أصيل وحقيقي لتطور وعي الانسان.
وفي ظل غياب التعريف الواضح والمتفق عليه لماهية خطاب الكراهية في المحتوى الرقمي المتداول عن الحرب في السودان تتكفل غرف الصدى بمسؤولية شرعنة كل روافع خطاب الكراهية دون الإكتراث لتأثيراتها على نسيج المجتمع السوداني .
وبدلاً عن الإنصراف لانتقاد والتقليل من الممارسات التي تحدث في غرف الصدى وتؤثر سلباً على تشكيل الرأي العام لابد من التفكير بشكل جاد في خلق إصطفاف موازي يعمل على توفير خطاب وعي وتنوير يعرّف بالأساس خطاب الكراهية في المحتوى الرقمي دون المساس بحقوق حرية الرأي والتعبير.
ذلك مع حتمية إيجاد تحالف عريض لصانعي وناشري المحتوى الرقمي عن الحرب في السودان يعمل على رفع مستويات الحساسية في منصات النشر تجاه محتوى الكراهية الضار.
كما يجب الإهتمام ببناء قاعدة بيانات تساعد على فهم طبيعة المستهدفين بخطاب الكراهية والاخبار المضللة في هذا الفضاء التفاعلي دون المساس بخصوصياتهم وإيجاد بدائل تعويضية وإصلاحية مشجعة على تفهُم ضرورات التعامل مع ما ينشرونه من مواد غير خاضعه للتحرير المحترف والملتزم بمناهضة خطاب الكراهية والتضليل.
يجب ألا يتملك ناشري المحتوى الرقمي الشعور بأنهم في مواجهة تقرير مصير ضد إجراءآت مناهضة خطاب الكراهية وأنهم خاضعون لضوابط عقابية أكثر من أنها تعزيز للسلوك المنسجم مع الوعي الحقوقي والوعي المناهض لكل مافيه تعدي على حقوق الغير.
كما ينبغي الإنتباه لخطورة غرف الصدى في أنها تخلق لدى المحبوسين بداخلها شعوراً بالإنتماء المطلق للمحتوى المتداول داخلها أو التسليم المطلق بما ينطق به صناع بعينهم لمحتوى هذه الغرف وهو أقرب لتسميتة بالقبلية والعشائرية الالكترونية وبالتالي هم الأكثر عُرضة للتضليل المعلوماتي والحصار داخل دوائر خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضللة.
لم يقف الناشرين السودانيين وصُناع المحتوى على الانترنت مكتوفي اليد أمام تطوير الانظمة الدكتاتورية لأدواتها القمعيه بل قاموا بتطوير أدواتهم النضالية ووجدوا ضالتهم في هذا الفضاء المتفاعل والغير خاضع ليد التحرير السلطوية باخبارها الكاذبة والمضللة أو عبر غرف الصدى التي تعلم الخضوع للرأي المطلق ووجهة النظر الواحدة.
يجب الا يقف موقفهم النضالي عند هذا الحد بل يجب الاستمرار في بناء منصات وعي وتنوير تفتح أبواب ونوافذ غرف الصدى لتحرير العقل الناقد من سيطرة خطاب الكراهية والتضليل وفتح إفاق أرحب للوعي بحقوق الإنسان والوعي بأن خطاب الحرب لايورثنا غير الدمار الشامل.