29/10/2023

معلمو السودان يحذرون من مآلات فتح المدارس ويخشون هجر المهنة

الخرطوم ـ مواطنون

كشفت لجنة المعلمين السودانيين عن عدد من التحديات التي تواجه العملية التعليمية بعد الدمار الكبير الذي طال مؤسسات التعليم بسبب الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع. وتحدثت نائبة رئيس اللجنة قمرية عمر لـ ``مواطنون`` عن الوضع الكارثي الذي يعيشه المعلمون والوضع الاقتصادي المزري، فيما حذرت من استئناف الدراسة قبل إيقاف الحرب. ولفتت لـ ``مواطنون`` أن قرار فتح المدارس ما هو إلا ليخدم شريحة محددة من السودانيين، بل سيساهم في تقسيم السودان.

تقول علياء وهي طالبة بالمرحلة الثانوية بسخط شديد لمواطنون إنها كانت تنوي أن تعيد امتحان الشهادة السودانية هذا العام بعد أن استقالت من احدى الجامعات السوادنية التي استوعبتها في احدى  كلياتها. إلا أن الحرب فاجأتها وخصمت عاما كاملا من عمرها، وتخشى علياء على مستقلبها قائلة ``إن مستقبلي وزميلاتي أضحى مجهولا``.

فيما تحدثت المعلمة بإحدى مدارس المرحلة الثانوية، ماريا نقد، عن عدد من الجوانب التي تأثرت بها العملية التعليمية والتحديات الكبيرة التي تواجه استئناف الدراسة اثناء وبعد الحرب وقالت لـ ``مواطنون`` إن العملية التعليمية تأثرت بشكل سلبي كبير سواء على ``الطلاب او المعلمين او البيئة المدرسية``. وتوضح نقد فإن اغلاق المدارس لفترة طويلة يخصم من الطلاب وما تحصلوا عليه من دروس في الاعوام الماضية. وتضيف ``أما بالنسبة لنا كمعلمين بالطبع سيؤثر على أدائنا أثناء التدريس بسبب الانقطاع الطويل عن الدراسة``.

وعن تأثير الحرب المباشر على البيئة المدرسية، قالت نقد لمواطنون ``معلوم أن المدارس أصبحت مكتظة بفعل النزوح الذي قد يكون له أثر سالب عليها، إذ أن المدارس صارت بدلا عن المنازل ومكان المعيشة.

وتستكمل ``بما أن الحكومات عوّدتنا عدم الإلتزام بمسؤوليتها تجاه التعليم، فإن هناك عبء كبير سينتظر الأسر بفرض رسوم إضافية على الطلاب لإعمار المدارس أو إصلاح تلفها من ``صيانة حمامات أو فصول أو استجلاب إجلاس وغيره``.

وأفادت تقارير وإحصائيات لمنظمات متخصصة، أن نحو 19 مليون طفل في السودان خارج منظومة التعليم حاليا، ودون الأمان والدعم النفسي، بينهم 14 مليونا لا يحصلون على الخدمات الأساسية للبقاء. ونبهت الى تعرض أكثر من ثلاثة ملايين دون سن الخامسة إلى مخاطر الكوليرا والاسهالات الحادة، إضافة الى معاناة 700 ألف، من سوء التغذية الحاد ومعرضون للوفاة.

من جهته قال عضو المكتب التنفيذي للجنة المعلمين، كمال محمد، إن التعليم تأثر في جميع النواحي سواء من ناحية ``الطلاب أو المعلمين أو البيئة المدرسية أو أولياء الأمور``.

وأضاف في حديثه لـ ``مواطنون`` بالإضافة إلى الدمار والخراب الذي اصاب بعض المدارس بسبب القصف من طرفي الحرب أو تحول المدارس لمراكز الايواء، وكذلك نزوح ولجوء الأسر والطلاب داخل وخارج السودان إضافة إلى المعاناة الافتصادية بسبب عدم صرف الرواتب. ويتفق كمال مع مجمل ما ذكرته نقد وما ينتج عن توقف الدراسة لفترة طويلة. وقال إن ذلك يسبب مشاكل على المستوى القريب والبعيد للطالب والمعلم خاصة مع تأخر العام الدراسي وعدم قيام امتحانات الشهادة السودانية.

وتخشى نقد أن يترك كثير من الطلاب مواصلة تعليمهم خاصة من حاولوا مساعدة أسرهم في فترة هذه الحرب، كأن يختاروا طرق الكسب والتجارة بدلا عن التعليم. وتضيف ``هذا غير السلوكيات التي قد لا يُحمد عقباها بسبب العطلة الطويلة أو الاعمال التي لا تناسب أعمارهم``.

وتابعت: أو أن يهجر بعض المعلمين مهنة التدريس نهائيا، إذ أصبح كثيرين منهم يمتهنوا مهن اخرى بسبب الظروف الاقتصادية وعدم صرف الرواتب، وخاصة حال وصلوا إلى قناعة أن الدخل الذي يأتيهم من مهنة أخرى أكبر من الراتب الشهري. مما يؤثر على التعليم في الدولة كليا.

وعن قرار السلطات الانقلابية بفتح المدارس قالت إنه غير صائب بل كان من المهم رفضه بشدة، والتصدي له بالصوت العالي. وأشارت إلى أن رد المعلمين عامة على قرار استئناف الدراسة لم يكن بالمستوى المطلوب.

ولا زال الحديث لدى نقد التي تعلل رفضها لقرار فتح المدارس، قائلة ``إن الطالب من أجل أن يبدأ يومه الدراسي يحتاج إلى الكثير من المتطلبات بدءا بالترحيل ووجبة الإفطار والالتزامات المدرسية الأخرى خصوصا في بداية العام الدراسي وذلك في ظل ظروف اقتصادية تعانيها الأسر وتدهور سبل كسب العيش في كل الولايات``. وتردف ``بالطبع كذا الحال بالنسبة للمعلم``. وتؤكد أن الظروف غير مهيأة لهذا القرار. هذا إذا استبعدنا الجوانب النفسية التي يعيشها الطلاب والمعلمون بسبب الحرب. 

تحدثت نقد عن جوانب إنسانية وقالت إن خروج النازحين من المدارس في هذه الفترة، أي مع قدوم فصل الشتاء، إلى مراكز إيواء أخرى أو خيام، كما يتردد في بعض الولايات، فيه مشقة لهم ويعرّضهم للشمس والبرد القارص.

وخلصت نقد بأنه ما لم تنته الحرب نهائيا، وتعود الحياة تدريجيا كما كانت، سيصبح من الصعب العودة إلى استئناف الدراسة أو إعمار المدارس خاصة في العاصمة الخرطوم التي دُمرت فيها معظم المدارس والمؤسسات التعليمية.

في السياق تحدثت نائبة رئيس لجنة المعلمين السودانيين، قمرية عمر، عن الوضع الكارثي الذي يعيشوه منذ بداية الحرب. وأشارت عمر في حديثها لمواطنون إلى الوضع الاقتصادي المزري للمعلمين والمعلمات بسبب عدم صرف الرواتب. ولفتت إلى أنهم لم يصرفوا إلا راتب شهر واحد، مضيفة ``ومنهم من هو لاجئ أو نازح``.

ورغم الأوضاع بالغةالتعقيد والمعاناة، فاجأت رئاسة مجلس الوزراء السودانيين، باصدار قرار وصفه مراقبون بغير المدروس، يقضي بإستئناف الدراسة في المدارس والجامعات خلال اكتوبر الحالي.

تقول عمر لـ ``مواطنون`` بخصوص قرار فتح المدارس بالولايات ``نحن لا نرفض القرار كمبدأ وبالتأكيد ضد تعطيل الدراسة إلا أن القرار غير واقعي حتى في الولايات غير المتأثرة بالحرب. إذ أصبحت كثير من المدارس مراكز لإيواء النازحين، وبعض المعلمين وأسرهم أما لاجئين أو نازحين في دول الجوار، وعدد لا يُستهان به في قائمة المفقودين. هذا غير الوضع النفسي للطلاب واسرهم``. واستنكرت عمر بأن أغلب السودانيين يصعب عليهم توفير المأكل والمأوى، فكيف يُطلب منهم أن يداوموا على الدراسة، وتؤكد لكل ذلك فان القرار غير واقعي.

واعتبرت أن فتح المدارس في بعض الولايات دون أخرى يساهم في تقسيم السودان، ويجافي القيم التربوية والعدالة ويكرس ``لفكرة التعليم الطبقي``، أي التعليم للمستطيعين فقط، موضحة أن ذلك يحرم معظم أبناء وبنات الشعب السوداني من التعليم، كما إنه يخدم شريحة محددة من المجتمع وأصحاب المدارس الخاصة الذين نقلوا مدارسهم خارج العاصمة الخرطوم.

وحذرت أن المدارس الخاصة أصبحت في تزايد، خاصة في دول الجوار وهذا أمر خطير، ويعني أن معظم الطلاب ربما يجلسوا امتحان الشهادة السودانية في الخارج، وهذا عبء إضافي على الأسر السودانية المثقلة بالاعباء أصلا.

وأضافت بأن فتح المدارس في هذا الوضع يعني أن السلطات الانقلابية تريد التخلص من مسؤولية المدارس الحكومية والمعلمين والمعلمات الحكوميين. وتابعت ``إن معظم المعلمين أضحوا غير قادرين أو غير راغبين في العودة إلى المدارس في ظل عدم الأمان والظروف الاقتصادية والاجتماعية المزرية``. وقالت ``يجب ألا يكون التعليم مِعولا لتفتيت البلاد``، وشددت على ضرورة وقف الحرب.

معرض الصور