حرب السودان اثار نفسية مرعبة

مريم أبشر

اشتعال اى حرب يعنى الموت، ويعنى كذلك الدمار فى كل الاصعدة وخلق العاهات والاعاقات، الاكتئاب، اليأس والقلق كلها مترتبات وعواقب نفسية قاسية تخلفها الحرب التى قد يشعلها رجلان توقيتا، لكنهما ليس لديهما القدرة على ايقافها بعد ان تنفجر وتخرج عن السيطرة.

معظم السودانيون، خاصه بالخرطوم العاصمة، ربما لأول مرة فى حياتهم (بخلاف ما يشاهدونه بالفضائيات) يعيشون أجواء حرب ضروس وصفها مشعلوها بأنها حرب عبثية. فحرب السودان التى بدأت فى منتصف أبريل أى منذ ستة أشهر ونيف بين الجيش والدعم السريع كان لها آثار مروعة اكثر من حروب الاقليم باجملها التى استمرت لسنوات وذلك لأن لديها انعكاسات شخصية مدمرة للمواطنيين السودانيين أنفسهم.

تعطل الحياة
ان الحرب تعطل جميع نواحى الحياة ، اجتماعية، معنوبة، سياسية بسبب ماتخلقه من دمار وخراب عمرانى واقتصادى وفقدان للاصدقاء والاحبة والجيران والاقارب والزملاء والاعزاء فضلا عن تدمير البيئة وتلوث الهواء والناس مما ينعكس سلبا على صحة الفرد.

يقول الدكتور محمد نوح محمد احمد استشاري الأمراض النفسية والاستاذ بالجامعات أنه ونسبة للتدمير الشامل للمدن المهمة فإنه من المتوقع أن يكون للحرب آثار بعيدة الامد على الاقتصاد السودانى المنهك اصلا. ويشير نوح إلى أن الحرب تترك آثار مدمرة على الاطفال وهى شريحة كان يجب أن تعطى أولوية باعتبارهم مستقبل السودان ورأس ماله. والأطفال وفقا للاختصاصي نوعان. احدهما غير ملم وغير واعى بما يحدث وعادة يكونوا اقل من ستة سنوات، ونوع آخر اكبر سنا ملم وواعى بما يدور حوله، ويطرح اسئلة كثيرة ويريد ان يعرف لها إجابات. وشدد على أن هذا النوع يجب التعامل معه بطريقة مختلفة ويشير إلى أن الأطفال يعبرون عن مشاعرهم بطريقة مختلفة كالبكاء والصراخ لانهم لايملكون مفردات باعتبار ان قدراتهم المعرفية غير متطورة، ولاتستوعب مثل هكذا حرب، ولايمكنهم التحليل. واحيانا تزداد عندهم اعراض بعض الامراض كالازمة. أضف إلى ذلك فإن الحرب تعيق توفير متطلبات الأطفال وعائلاتهم مثل الغذاء والمأوى والخدمات الصحية والتعليم مما يؤثر على النمو البدنى والعقلى والاكاديمى والعاطفى فضلا عن صعوبة الاندماج فى المجتمع والعجز عن بناء روابط عاطفية مع الاخرين.

أثار مرعبة
ومن التداعيات المرعبة للحرب على الأطفال الشعور الدائم بالخوف القلق والاكتئاب واليأس بجانب اضطراب فى السلوك تظهر فى العدوانية والتبول اثناء الليل بجانب فعل عادات قديمة كان يمارسها فى الصغر كمص الاصابع. واضاف ان مشاهدة القتل والقنص وتناثر الجثث واشلائها فى الطرقات فضلا عن سماع ازيز الطائرات ودوى المدافع والدانات والراجمات، جميعها تؤدى الى احداث صادمة عضوية ونفسية على الأطفال.

جروح نفسية
الناجون من الموت هم شريحة اخرى تترك الحرب اثارا كبيرة عليهم، اهمها جروح عميقة فى نفوسهم واجسادهم وارواحهم التى يصعب التخلص منها بسهولة. وبحسب الاختصاصى النفسى فأن الناجون يسترجعون اصوات القنابل وازير الطائرات ودوى الدانات وصور اشلاء الجثث المتناثرة ونهش الكلاب لها. كل ذلك يمر كشريط متجدد يتسبب فى صدمات نفسية عميقة لهم.

تدارك مختصون فى علم النفس بأهمية العمل على العلاج النفسى والدعم النفسى للمتضررين وذلك بتأهيل الكوادر وعمل دورات تدريبة تثقيفية، وتقديم خدمة العلاج النفس بواسطة اطباء مدربين لرصد الحالات وعلاجها. ولفتوا إلى ان عدد الاخصائيين النفسيين بالسودان غير كافى لمواجهة الأزمة. ونصح الدكتور نوح بأهمية الاستعانه بتجارب الدول الاخرى كالاردن لمعالجة تأثير النزوح واللجوء والتنقل والغربة والحزن على مافقدوه. فالناجون يعانون شظف العيش بكل انواعه ويعتقدون ان الدعم النفسى نوع من الترف وليس اولوية لاخذ أطفالهم لاطباء النفس خاصة وأن عامة الناس تهتم بعلاج الاصابات الجراحية والكسور والنزيف، اما الاثار النفسية فان آثارها ليست محسوسة فى الوقت الحالى لكن لديها ٱثار بعدية ضخمة لهذا السبب تعطى المنظمات العالمية أهتمام كبير للجانب النفسى.

وسائل معالجة
و دعا الدكتور نوح لبث برامج تثقيفية توعوية عبر التلفزيون والراديو ووسائل التواصل الاجتماعى المقروءة والمسموعة والمرئية. وتدريب متطوعين فى المدارس، وتزويد الطفل بمهارات التكيف على البئات والظروف والنوازل المختلفة وجعلها جزء من المقررات الدراسية. و ناشد الوالدين بملاحظة سلوك الطفل مثل السلوك العدوانى، والاكتئاب والمعاناة من الكوابيس وتراجع المستوى الدراسى فضلا درجة التحسس العالي عند فتح الباب ورنة التلفون وانتفاض الطفل يعنى ارتفاع التوتر.

رسائل مهمة
اما الدكتورة ملاذ زروق الخبيرة فى الطب النفسى أشارت إلى أن الحرب فى السودان شكلت حدث غير عادى لمعظم السودانيين خاصة فى ولاية الخرطوم. وأن ما صاحبها من انتهاكات مروعة للنساء والأطفال ترك بصمة قاسية فى نفوس من كانوا ضحاياها، فضلا عن أن مناظر الجثث الملاقاة على قارعة الطريق ومشاهد الحرب من حريق ودمار يمثل صدمة نفسية مرعبة. واعتبرت انه يتوجب على آباء الأطفال خاصة ان يتحلوا بالهدوء والإبتعاد عن القلق لان الاطفال اشد قلقا. وزادت يجب العمل على طمأنتهم واخذهم بالاحضان خاصة اؤلئك الذين لايدرون. أما الكبار يجب أن يتم الشرح لهم عما يدور بدلا من تركهم لتحليلاتهم والتى قد تضر بهم فضلا عن طمأنتهم بان الحرب سوف تنتهى ولن تكون طول العمر وان الامور سوف ترجع احسن مما كانت معتبرة أن رسائل الامان والطمانينة هى الاساس للاستقرار النفسى خاصة لصغار السن والكبار.