كمال الجزولي: الموت آخر حرف في ``روزنامة`` حياة حافلة
الزين عثمان
في العاصمة المصرية أغمض كمال الجزولي السوداني الذي تتبعه توصيفات "السياسي، القانوني، الشاعر، الصحفي، المثقف، الشيوعي"، عينه للمرة الأخيرة. مات الجزولي ربما لتأكيد الفرضية "انه وبعد نهاية هذه الحرب سيكتشف السودانيون انهم فقدوا فيها الكثيريين". وتبدو وفاة وفقد الجزولي عظيمة لأن الرجل واحد من القلائل المهمومين بقضايا العدالة الأنتقالية وكان احد المرشحين لشغل رئاسة مفوضية العدالة الانتقالية في مؤسسات السودان الأنتقالي عقب الثورة وقبل الانقلاب.
يصفه مجايليه بقولهم كمال الجزولي قانوني مجيد، وسياسي ضليع مناضل، بكل ما تحمل الكلمة من معاني. شاعر يجيد نظم الحرف، وكاتب لا يشق له غبار. باي الاتجاهات هززت شجرة كمال فانها تساقط عليك ثمراً جنياً. هو متعدد اوجه الابداع فيما تنبئك سيرته الذاتية انها انطلقت من مدينة بامدرمان. وفي احد حواريها ولد الجزولي الذي وصف نفسه بالمحظوظ كونه ولد في حارة اطلق عليها (حارة المغني). وفي اكثر الاماكن ضجيجاً في امدرمان بعد تمددها، قضي الجزولي حياته الاولي مستمتعاً في الحارة المحصورة بين البوستة ومنزل "عبدالله بك خليل" رئيس الوزراء في اول حكومة بعد الاستقلال وبيت "الزعيم الازهري" رافع راية استقلال السودان من الاستعمار، وصولا الي مكي، ونادي الخريجين، والبوستة. في هذه المنطقة قضي طفولته الباكرة.
تلقي الجزولي تعليمه الباكر في مدينة امدرمان قبل ان يلتحق بكلية القانون جامعة القاهرة فرع الخرطوم. لكنه قطع دراسته هناك ليكملها في الاتحاد السوفيتي مستفيداً من بعثة وفرها له الحزب الشيوعي السوداني الذي انضم لصفوفه في ذلك الوقت. لكن بحسب الجزولي فان انضمامه للحزب الشيوعي سبقته تجارب اخرى فقد انخرط اولاً مع جماعة الاخوان المسلمين حيث قام بتجنيده خاله زعيم الجماعة في السودان صادق عبد الله عبد الماجد لكنه تركها بعد ان خاض مناظرة مع احد الفتيات حول قضايا الاختلاط والحجاب قال انها هزمته في النقاش. ولم يعد بعدها للجماعة قبل ان يناصر زعيم حزب الامة القومي الراحل الصادق المهدي في صراعه مع عمه في استحقاق زعامة الحزب. ولكن حين عاد الصادق المهدي لعمه دون ان يمنحهم اجابة على سؤال لماذا المفاصلة؟ ولماذا العودة؟ ترك حزب الامة والتحق بعدها بالحزب الشيوعي بزعامة عبد الخالق محجوب. وقد دخله بخلفية كونه مبدع حيث كان الحزب يهتم بالمبدعين.
وفي الحزب الشيوعي وصل الجزولي لشغل موقع في اللجنة المركزية احد اعلى الهيئات في الحزب لكنه في المقابل دفع فاتورة ذلك اعتقالا في حقبة نظام الرئيس الراحل جعفر نميري ومن بعدها حقبة نظام الرئيس المعزول عمر البشير الذي اعتقل نظامه كمال الجزولي بواكير اندلاع ثورة ديسمبر.
بدأت حكاية صاحب "الروزنامة" الاشهر في الصحافة السودانية في المرحلة الثانوية حيث كان يحرر صفحة ثقافية بعنوان "مشاتل الفيروز" قبل ان يلتحق بصحيفة الاخبار في المرحلة الجامعية. ومن بعدها عمل مراسلا لوكالة انباء افريقيا وبعدها عمل في صحيفة الميدان الناطقة بلسان الحزب الشيوعي قبل ان يكتب روزنامته في عددا من الصحف السودانية.
وبعد ان كتب كمال الجزولي "الرحيل" كآخر عبارة في روزنامة حياة قضاها في خدمة السودان وشعبه وهو الذي سبق وان قال "شهادتي في اهل غرب السودان مجروحة، وانني سأنذر ما تبقي من عمري من اجل تحقيق السلام في تلك البقعة الحبيبة وفي كل ارض السودان" وهو العائد يومها من رحلة الموت بعد ان أجرى عملية قلب مفتوح كللت بالنجاح.
مات كمال الذي لن يجد قبراً يحتويه في امدرمان لانشغال المكان بحركة الحرب. مات لينعيه البعض بعبارة "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر". وفي ليالي الحروب حالكة السواد نفتقد الضوء في اخر النفق واي وراً تحتاجه البلاد اكثر من عدالة انتقالية يهندسها القانوني كمال الجزولي. مات كمال ونعته عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي آمال الزين بقولها "لا لا ذهب. لا تزال بيننا حوارات طويلة لم تبدأ بعد" قبل ان تكمل "مثلك لا يرحل. هو جزء من هذه الارض الصلبة. جزء من حكاياتها العذبة، وقصائدها واغنياتها وكتاباتها. انت جزء من ما ننطلق عليه وطن".
الصور من صفحة Khalid M. Taha في فيسبوك