منبر جدة التفاوضي: خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الخلف
عبدالله رزق ابوسيمازه
بعد طول ترقب لمؤتمر صحفي، لفريق ميسري منبر جدة التفاوضي ،كان مقررا له، حسب ما رشح في السوشال ميديا، مساء الأحد الماضي، أصدر الفريق مساء أمس الثلاثاء، بيانا بمحصلة ما تم التوافق بشأنه بين طرفي حرب 15 ابريل، فيما يخص "تسهيل مرور المساعدات الانسانية" و"إجراءات بناء الثقة " بجانب الإقرار بفشل الفريق في حمل الطرفين على القبول بوقف لاطلاق النار فوري وغير مشروط.
وإذ يتقدم الفريق بهذا الاتفاق خطوة، على طريق وقف الحرب وانهاء العدائيات، هي الثانية بعد "إعلان جدة الإنساني"، الصادر في 11 مايو الماضي، فإنه يتراجع خطوتين، على الأقل، بفشله في تحقيق الوصول لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار، وهو الحلقة الأكثر أهمية، في سلسلة القضايا والموضوعات ذات الصلة بإنهاء الحرب. منذ البداية، يمكن ملاحظة أن منهجية التفاوض قد نهضت على فرضية إمكان تبعيض قضايا الحرب والسلام، وموضوعاتهما، والفصل بين تلك القضايا والموضوعات، من قبيل المسألة الانسانية، فصلا ميكانيكيا، مع ما تمتاز به من ترابط جدلي.
فوقف إطلاق النار، مسألة مفتاحية، للقضايا المطروحة على جدول أعمال جولة التفاوض المنقضية، وواسطة عقدها، وقد تم تحديدها في الآتي :
- "ايصال المساعدات الإنسانية،
- تحقيق وقف إطلاق النار وإجراءات بناء الثقة،
- إمكانية التوصل لوقف دائم للأعمال العدائية."
إن وقف إطلاق النار، الفوري وغير المشروط، هو ضرورة إنسانية قبل أي اعتبار آخر، وشرط لا غنى عنه لتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وقبل ذلك، تمكين المواطنين، الذين أخرجوا من ديارهم، من العودة إلى بيوتهم، لإنهاء مأساة النزوح الاضطراري والتشريد القسري. فوفق التقديرات الذائعة، أدت الحرب العبثية الى تشريد سبعة ملايين مواطن، منهم ثلاثة من العاصمة الخرطوم التي يقدر عدد سكانها بخمسة ملايين. كما إنه يشكل أهم مدماك في بنيان الثقة بين طرفي الحرب.
وتبدو فكرة عزل المسألة الانسانية، من مجموع قضايا الحرب، ومعالجتها بشكل مستقل عنها، مدخلا متفردا، غير أنه لا يمكن تصور تحققه في الواقع. (لعل الشروط التاريخية، لم تعد هي هي، بما يمكن من إعادة تشغيل برنامج شريان الحياة الشهير).
في هذا الإطار، لا تخلو فكرة "بناء الثقة أثناء القصف المتبادل" من ظرافة، ومن رومانسية، لكنها ترقى لمصاف الواقعية السحرية، عندما يتعلق الأمر بتضامن طرفي الحرب على قمع مؤججي الحرب، كما تقترح وصفة بناء الثقة!
إن الفشل في تحقيق وقف إطلاق النار، في هذه الجولة من التفاوض، يعني - على الأقل - أن هناك من لا يزال يعتقد في إمكانية الحسم العسكري، مما حتم تذكيره، مجددا، بأنه "لا يوجد حل عسكري مقبول لهذا الصراع"، كما جاء في بيان الميسرين.
قد يبدو الاتفاق خطوة أولى لا بأس بها، خطوة صغيرة لكنها مهمة، وايجابية في اتجاه إنهاء الحرب. غير أنها أقل من طموحات المواطنين، المصطلين بنيران الحرب ومعاناة النزوح والتشرد القسري.
ويبدو أن فريق ميسري مفاوضات جدة لم يأبه كثيرا للتوقف عند مصائر الالتزامات التي رتبها اتفاق 11 مايو، على طرفي الحرب، خاصة، فيما يتعلق بحماية المدنيين وفتح الممرات الآمنة، ومدى تقيدهما بها، وبوضعها موضع التنفيذ، قبل أن يثقل كاهلهما بمزيد من الالتزامات التي لا تتوفر أي ضمانات واضحة، بشأن تنفيذها.