الهاربون من جحيم الخرطوم.. موت واحد لا يكفي

الزين عثمان
الحرب التي هربوا من جحيمها في الخرطوم تطاردهم في الأماكن التي ظنوها أمنة. في القضارف أقصى شرق السودان يعود الغاز المسيل للدموع للظهور بعد غياب. تطلقه في هذه المرة الشرطة تنفيذاً لقرار الوالي الخاص بإخلاء بعض مناطق ايواء النازحين في المدينة، وتحديداً داخليات الطلاب التابعة لجامعة القضارف ترتيباً لعودة الطلاب لفصول الدراسة.

بدا وكأن على الهاربين من موت حرب الخرطوم ممارسة هروب أخر لتلافي الموت. وهذه المرة في المناطق التي نزحوا إليها، في مدينة القضارف أقصى شرق السودان ما أدى لإصابة اربعة أطفال بالاختناق، تم نقلهم للمستشفى، بعد أن ألقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لإجبار عدد من النازحين إخلاء داخليات طلاب بالمدينة تضم ما يقدر بـ 779 شخص دون توفير بديل لهم .

وسبق أن أصدر حاكم الولاية قراراً بإبعاد النازحين من المدارس والمؤسسات التعليمية بالولاية استعداداً لاستئناف الدراسة التي توقفت في السودان عقب اندلاع الحرب منتصف شهر أبريل.

وأثار سلوك سلطات ولاية القضارف، في التعامل مع النازحين، حالة من عدم الرضاء. وأصدرت لجان المقاومة في المدينة بياناً أدانت فيه نهج العنف الذي استخدمته الشرطة في تنفيذ قرار الحكومة فيما يتعلق باخلاء مناطق إيواء النازحين .

وفي السياق أدان بيان لـ "محامو الطوارئ"، وهو كيان داعم لحراك مقاومة انقلاب 25 أكتوبر، ما أسماه السلوك الهمجي والقرارات العشوائية لحكومتي ولاية نهر النيل والقضارف ضد النازحين الفارين من جحيم الحرب في الخرطوم. وانتقد البيان الذي تحصلت "مواطنون" على نسخة منه قرارات إخلاء المدارس من النازحين دون تحديد بدائل وسلوك قمع الاحتجاجات من قبل الاجهزة النظامية. ووصفت قرار الإخلاء بغير المدروس، خصوصاً وأن الحرب ما تزال مشتعلة في الخرطوم.

وتحولت المدارس، مع عدد من المؤسسات التعليمية في مدن السودان الأمنة، لمقرات سكن مؤقت لألاف النازحين يقيمون فيها وسط ظروف سيئة وبالغة التعقيد. حتى هذه المدارس باتوا مهددين بفقدانها بسبب إعلان ولاة بعض الولايات انطلاق العام الدراسي واستئناف الدراسة. وهي قرارات سبق وأن أعلنت لجنة المعلمين السودانيين رفضها، وحددت شروطاً يجب توافرها من أجل استئناف العملية التعليمية، وعلى رأسها إيقاف الحرب واستعادة الأمن.
أمس الأول رهن والى الخرطوم انطلاق الدراسة في العاصمة بتوقف الحرب، في وقت أعلن فيه السماح للطلاب مواصلة تعليمهم خارج الولاية والإلتحاق بالمؤسسات التعليمية.

ورهن العاملون في التدريس عودتهم للعمل بمغادرة النازحين للمدارس، لكن بعد توفير أماكن بديلة لإقامتهم، وكذلك دفع الحكومة لرواتب العاملين المتراكمة منذ اشتعال الحرب. وبالطبع تهيئة البيئة التعليمية بشكل عام بما في ذلك اخلاء المدارس من سكانها الجدد.

يبدو أن ثمة ارتباط عميق بين استمرار الحرب وعودة الطلاب للمدارس والجامعات، حيث أدى اندلاع النزاع إلى إغلاق المدارس في كل السودان. وهو الارتباط الذي سرعان ما أثار الجدل بين فريقين، فريق يرى ضرورة عودة الدراسة وفريق يرفض الخطوة لعدم توفر الظروف الموضوعية للتعليم نفسه. وهم يستخدمون هنا عبارة "لا تعليم في وضع أليم". ويمضون أكثر من ذلك بأن اصرار بعض الولاة على استئناف الدراسة مجرد محاولة منهم لإيصال رسالة لحكومة الأمر الواقع مفادها أن الوضع أمن وتحت السيطرة.

الفريق الرافض لاستئناف الدراسة ينطلق اساساً من موقع التضامن مع متضرري حرب الخرطوم، وبالتالي هو يدين سلوك الشرطة في التعامل بالعنف في عمليات إخلاء النازحين من أماكن إقامتهم التي أجبرتهم على البقاء فيها ظروف لم تكن لهم يد فيها.

في مشهد احتجاجات النازحين في القضارف ومواجهتهم لوالي الولاية، يتابع السودانيون فيديو لرجل مخاطباً الحاكم بعبارة "رجعونا الخرطوم"، مختصراً كل ما يحدث بأن وجودهم هنا اضطراري بسبب الحرب التي على الحكومة أن تحسمها بالسلاح أو بالتفاوض. الرجل هنا يتجاوز إدانات عنف الشرطة في إخراجهم من الداخليات نحو إدانة السبب الرئيس لوجودهم هنا وهو الحرب.