في رثاء (كبري شمبات)

محمد عبدالماجد

هذه هي النتائج الطبيعية للحروب، ماذا تنتظرون؟ لا شئ غير الخراب والدمار يمكن أن تنتهي إليه تلك الحرب التي يدعوا لها فلول النظام البائد ويشعلوا لنيرانها.

ما جدوي الانتصارات اذا كانت سوف تحقق على أنقاض مصفاة الجيلي وكوبري شمبات؟ لم تكفهم الابادات البشرية فاتجهوا الي إبادة ثروات البلاد. إحتجنا الي ثلاثين عاما من اجل انشاء المدينة الرياضية، التي تحولت الي معسكر حربي لقوات الدعم السريع بدلا من أن تكون معسكرا رياضيا لأهل السودان.

كبري الدباسين بدأ العمل فيه منذ 2003م، ومازال مجرد أعمدة خرسانية وشركات مقاولات وقطط وكلاب ضالة. والمطار الجديد مجرد خرائط، وحجر اساس، ومكاتب عقارات، وسماسرة اراضي، منذ اكثر من عشر سنوات. مجرد حلم على ورق.

في يوليو 2015م كان هذا الخبر: "أجاز مجلس الوزراء السوداني، في جلسته الدورية برئاسة الرئيس، عمر البشير، اتفاقية قرض إنشاء مطار الخرطوم الجديد، الموقعة بين وزارة المالية، وبنك التصدير والاستيراد الصيني، بقرض يقدّر بـ 665 مليون دولار تسدد على مدى 20 عاماً. ووقّعت الحكومة السودانية في يونيو 2013م، اتفاقية لتنفيذ مشروع مطار الخرطوم الدولي الجديد، في مساحة 103 ملايين متر مربع، كأحد المشاريع الاستراتيجية الكبرى، بتمويل وتنفيذ صيني بلغ 700 مليون دولار. وأعلن الأمين العام للمجلس، عمر محمد صالح في تصريحات صحفية، موافقة مجلس الوزراء على قرض بـ 68 مليون دولار تسدّد على مدى 20 عاماً، ويتعلق بمشروعات المياه بتمويل من البنك الكويتي". أخشي ان نكون إلي الآن نسدد في قرض مطار لم يقم أصلا.

كبري شمبات تحطيمه لم يحتاج إلي أكثر من 40 ثانية. هكذا نحن مبدعون في الدمار، وعلى عجل دائما في الخراب.

قصر الشباب والأطفال الذي انشئ في عام 1977م هو هدية من كوريا الشمالية لتدريب وتأهيل الشباب والأطفال في المناشط المختلفة. قاعة الصداقة كانت هدية من حكومة وشعب الصين إلى حكومة وشعب السودان وقد كان ذلك في فترة السبعينات. القصر الرئاسي الجديد شيد بمنحة صينية قبالة النيل الأزرق، وسط العاصمة الخرطوم وافتتح في عام 2015م.

جامعة الخرطوم كانت تعرف باسم كلية غوردون التذكارية وقد انشئت في عام 1902 من قبل اللورد كتشنر أثناء فترة الاستعمار البريطاني  في السودان لتخليد ذكرى اللورد غوردون، وتحول اسمها إلى جامعة الخرطوم بعد استقلال السودان في 1 يناير 1956م. كبري النيل الازرق افتتح في عام 1910م. كبري النيل الابيض افتتح في 1928 على ارجح الروايات.

(أَنتَ يا نَيل يا سَليل الفَراديس) ترى كيف حالك الآن وانت تشهد جسرك يدمر في حضرة امواجك التي كانت ترقص طربا للوصل الذي كان يخلقه الجسر بين ام درمان والخرطوم بحري. التعازي لكبري المنشية، وكبري المك نمر، وكبري الفتيحاب في فقدهم الجلل كبري شمبات.

تدمير كبري شمبات الذي كان شاهدا على مشاوير (قصتنا)، أثار في نفوسنا (شجن) الكباري وبيننا وبينه (عشرة الايام). وللجسور عُشرة ونحن قد كنا نعلق على صور تدميره بـ (ما بصدقكم). وكنا ونحن عليه ننظر الي الضفاف نرد له جميله ونبرر عشقنا لجماله الآخاذ (كيف لا اعشق جمالك)؟ كان لنا فيه (ربيع الدنيا)، فقد كان هو (الدرب الاخضر) من والي ام درمان وبحري.

(الجمعة في شمبات) اضحت غير ممكنة بعد تدمير جسر شمبات. سوف نكتفي من ذلك بـ (في شمبات حليل مجلسنا .. الحياء والعفاف حارسنا). وهؤلاء الذين يرتكبون تلك الجرائم لا حياء ولا عفاف لهم. كلاهما الجيش والدعم السريع أنكر جريمته. لم يجد طرفا منهما مع كل الانتهاكات التي تحدث ان يعلن عن مسؤوليته عن تدمير كبري شمبات.

شمبات التي كان يحرسها الحياء والعفاف، الآن لا حارس لها من القصف والانتهاكات والجرائم. المتهم الأول في تدمير كبري المنشية هم فلول النظام البائد فقد كان تدمير الجسر أمنية وهدف لفلول النظام البائد الذين تغنوا من اجل تدميره وتحطيمه وقد تحقق لهم هدفهم خيرا.

حرب اسرائيل على غزة تخلو من مثل هذه الانتهاكات التي تتمثل في تدمير موارد البلاد بعد أن ظلوا ينهبونها على مدى ثلاثين عاما. في الخرطوم احتلت قوات الدعم السريع المشافي، وفي الولايات اخرجت الشرطة والجيش النازحين من المدارس عبر القوة المفرطة والغاز المسيل للدموع. هذا ما يجده المواطن والشعب السوداني من القوات النظامية التي يجب ان تحرسه وان توفر له الأمن والامان والطمأنينة. في الخرطوم يخرجون من منازلهم وفي الولايات يخرجون من المدارس.

كبري شمبات الذي تم تشييده وإفتتاحه في عام 1966م بعد ثورة اكتوبر، كل الذي كان يمكن ان يتعرض له بعد ثورة ديسمبر المجيدة هو ان يتم اغلاقه بالحاويات. وكانت الجهات الامنية تعتبر ذلك تعدي من المواكب والمواطن، وتفويض للنظام. الآن يحطمون الكبري بايديهم من اجل ان يحموا سلطتهم وكراسيهم. أين الذين كانوا يحرسون الكباري بالحاويات؟

اقسى شئ كان يمكن ان يتعرض له كبري شمبات هو (الاغلاق). الآن يتم قصف الجسر وفصل مقدمته من مؤخرته. تدمير كبري شمبات كشف فلول النظام البائد وعرى حقيقتهم. ليت الناس تفهم ذلك، وتعلم ان الفلول لا يهمهم الوطن في شئ وهم على استعداد بالتضحية بالوطن من اجل الكرسي.

هذه الحرب التي اخرجت الفلول من السجون، يظنونها سوف تكون مكسب لهم. ويعتقدون انهم يمكن ان يعودوا للسلطة عبر هذا الحرب.

كشف مصدرٌ عسكري، برتبة لواء، في الاستخبارات العسكرية لـ (سودان توادي) أن الإجراءات الأمنية التي تقضي بمنع حركة المواطنيين بعد الساعة العاشرة مساءً بمدينة بورتسودان، ليست اجراءاتٍ بناء على موجهات حالة طوارئ أو ما إلى ذلك، ولكن هي توجيهاتٌ من قيادات الاستخبارات العسكرية من أجل تسهيل تحركات قيادات الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني المحلول في الفترات المسائية، لأن الاجتماعات تعقد خلال الفترة من الساعة العاشرة مساءً وحتى الخامسة صباحاً.

الفلول يتحركون كما الخفافيش. حياتهم الآن وتحركاتهم (الليلية) تؤكد دورهم في الحرب واستمرارها. لكن وضع الفلول حاليا ليس افضل من وضعهم عندما كانوا في السجون وهم يتحركون ليلا كما الخفافيش. ما هي قيمة الحرية اذا كانت حياة من وهبت لهم بهذا البؤس وهم لا يستطيعون التحرك إلّا في الظلام والخفاء.

انتهي!!
أبوابراهيم