وقف التصعيد الاعلامى في حرب السودان.. بين الإنصرافية والرومانسية
مريم أبشر
جولة جدة (٢) التى انتهت منتصف الأسبوع المنصرم، دمغها مراقبون بالفشل لكونها لم تتوصل لهدنه تلزم الطرفين الصراع بوقف اطلاق نار، يمهد الطريق لإيصال المساعدات الإنسانية عبر ممرات آمنة للمتضررين. غير أن الجولة خلصت كذلك لجملة من البنود تتعلق ببناء الثقة بين الطرفين المتقاتلين، أهمها اتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد والمأججة للصراع على أن يتم تنفيذ هذه الإجراءات بالتوازي.
تمثل هذه الالتزامات، رغم إنها تعد ضئلة نظرا للتوقعات المعقودة على الجولة التى التأمت عقب توقف امتد لثلاثة أشهر، خطوةً مهمة لوقف التراشق الاعلامي. وكان التحريض والتصعيد والمهاترات الإعلامية من العوامل التي أسهمت فى إشعال فتيل حرب السودان. وتسببت الكثير من الخطب فى المنابر، التى سبقت اندلاع الحرب، فى حمل الطرفين للدخول في أتونها رغم وصفها بالعبثية وأن المنتصر فيها خاسر. هى حرب تشير كل التوقعات إلى أنها ستفكك السودان إلى دويلات إن لم يتدارك العقلاء هذه الازمة، ويسعوا لحمل الطرفين لحسم الخلاف عبر التفاوض بعد أن ثبت أن الحسم العسكرى لن يفضى إلى حل.
بيان الجولة الثانية لمنبر جده ركز أيضا على أهمية تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، مما يسهم في تخفيف معاناة الشعب السوداني وحالة الضيق التي يعيش فيها، خاصة في المناطق التي لا تزال تحت القصف. كما تمثل الدعوة لوقف التصعيد الاعلامى و خفض خطاب الكراهية وتأجيج نيران الحرب مدخلا مهما لخلق أرضية ملائمة لانجاح الجولات المقبلة وتعضيد الثقة بين الأطراف ونبذ لغة الغلو والتطرف التى مثلت احد الاسباب الرئيسية لاشعال الحرب. لكن مراقبون اعتبروا تضمين نتائج الجولة الأخيرة لإشارة تتعلق باتخاذ إجراءات حيال العناصر، المؤججة للصراع، هى محاولة للتأكيد على أن الجولة حققت نتائج متقدمة فى وقت فشلت فيه فى تحقيق أهم المطالب وهو وقف الاقتتال.
قضية انصرافية
الأكاديمى والإعلامى الدكتور خالد التجانى، يرى أن إثارة ملف الإعلام وضبطه أمر لا يستحق التعليق عليه، لجهة أن الجولة فى نظره فشلت فى ضبط الحرب نفسها باعلان هدنة. مضيفا أن الإعلام يعكس الوضع الحاصل فى هذه الحرب، معتبرا تضمين الإعلام فى بيان ختام الجولة قضية انصرافية أو محاولة لإعطاء انطباع بأن هنالك تقدما حدث فيما يسمى بإجراءات بناء الثقة.
ويضيف التجاني أن الطرفين غير مستعدين للاتفاق على هدنة، ناهيك عن وقف إطلاق نار. مؤكدا إن الإعلام لا يعمل من فراغ إنما يعكس الوضع الموجود. واعتبرها قضية لا معنى إذ لا توجد آلية أو معايير لضبط الخطاب الإعلامى، مشددا على أن هذه الحرب لا تشهد التزام بالقوانين الدولية. ونبه التجانى إلى أن اتفاق جدة الموقع فى 11 مايو قام على قضيتين، الأولى الاستجابة للمطالب الإنسانية وحماية المدنيين المستندة على القوانين الدولية لحقوق الانسان والقانون الإنسانى الدولى التى تحدد وتحكم أى عملية حرب. ولفت إلى أن الحرب فى السودان، خاصة من طرف الدعم السريع، لم تلتزم بالقوانين والقواعد، ولم تلتزم باتفاق جدة. ثانيا؛ التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية والتمييز بين المدنيين والمقاتلين وهى فى نظر الدكتور أهم قواعد للحرب.
وذكر أن الدعم السريع تحول من استهداف الجيش إلى استهداف وانتهاك حقوق للمواطنيين. وارتكبت القوات جرائم صدرت ادانات دوليه بشأنها. ويرى أن منبر جدة فشل حتى فى أن يلزم أحد الأطراف بقواعد القانون الدولى وقانون حقوق الإنسان فيما بتعلق بالحرب نفسها حيث ارتكبت كل هذه الانتهاكات . وفى ذات الوقت يطلب من الإعلام أن يسكت. وزاد "حتى الاتفاق على فتح ممرات انسانية مرتبط بوقف اطلاق النار".
وشدد التجاني على أن تكون الحرب قائمة على قواعد محددة ومعروفة، لكى يكون الخطاب الاعلامى مقبول، وهذا ما تفتقده هذه الحرب.
رومانسية
دعوة طرفى الصراع بالعمل على بناء الثقة واتخاذ إجراءات تجاه مؤججى الصراع لم تجد القبول أيضا من الاستاذ والخبير الاعلامى عبد الله رزق الذى وصف الطلب بالرومانسى.
وقال إن فكرة "بناء الثقة أثناء القصف المتبادل" لا تخلو من ظرافة، ومن رومانسية، لكنها ترقى لمصاف الواقعية السحرية. ويرى أن الفشل في تحقيق وقف إطلاق النار، في هذه الجولة من التفاوض، يعني- على الاقل - أن هناك من لا يزال يعتقد في إمكانية الحسم العسكري، مما حتم تذكيره، مجددا، بأنه "لا يوجد حل عسكري مقبول لهذا الصراع "، كما جاء في بيان الميسرين.
و تابع "قد يبدو الاتفاق خطوة أولى لا بأس بها، خطوة صغيرة لكنها مهمة، وايجابية في اتجاه إنهاء الحرب، غير أنها أقل من طموحات المواطنين، المصطلين بنيران الحرب ومعاناة النزوح والتشرد القسري.
وأشار رزق إلى أن فريق ميسري مفاوضات جدة لم يأبه كثيرا للتوقف عند مصائر الالتزامات التي رتبها اتفاق 11 مايو، على طرفي الحرب، خاصة، فيما يتعلق بحماية المدنيين وفتح الممرات الآمنة، ومدى تقيدهما بها، ووضعها موضع التنفيذ، قبل أن يثقل كاهلهما بمزيد من الالتزامات التي لا تتوفر أي ضمانات واضحة، بشأن تنفيذها.