16/11/2023

القبطي الاخير في المشهد الثقافي، مرة اخرى

عبدالله رزق ابوسيمازه

تحت هذا العنوان (القبطي الاخير في المشهد الثقافي)، كتبت عنه، عندما جمعتنا معا جريدة "المجالس" في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي. اذ ان تولي الاستاذ نبيل غالي جرس رئاسة تحرير الصحيفة الاجتماعية، توأم (الرأي الآخر) السياسية عامئذ، وهو الرمز الثقافي المميز لم يخل - في تقديري - من دلالات ذات اهمية فائقة. فهو آخر من تبقى من المثقفين الاقباط الفاعلين في المشهد الثقافي السوداني بعد رحيل الاديب الروائي الاستاذ جمال عبدالملك الشهير بابن خلدون الذي عرف بمساهماته فيما اصطلح عليه بقصص الخيال العلمي.

فقد اهتم الاستاذ نبيل غالي بالقصة القصيرة التي كانت بطاقة دخوله لعالم الادب الفسيح كفاعل نشط متعدد الاهتمامات. اصدر في وقت مبكر اول وآخر مجموعة قصصية له بعنوان "اتكاءة تحت عيون حبيبتي". كان مقلا في هذا المجال، ومع ذلك لم تكن القصة التي اسهمت في شهرته، مجال ابداعه الوحيد. فقد تنوعت نشاطاته ومساهماته الثقافية لكنه بذل جهدا ملموسا في اعمال ذات طبيعة بحثية منها بيبلوغرافيا الرواية السودانية، والتجربة الروائية للقاص ابراهيم اسحق.

نبيل غالي الصحفي الذي تنقل بين العديد من الصحف بالخرطوم ،التي انتقل اليها من مسقط راسه سنار منذ مطلع التسعينات، بدأ مشواره في هذا المجال باصدارة "الزرقاء" والتي كانت تطبع بالرونيو بمشاركة العديد من مبدعي سنار نهاية السبعينات واوائل الثمانينات حيث كانت واجهة ومنبرا لنشاط رابطتهم الثقافية آنذاك. وقت شهد ازدهار وتنامي نشاط الكيانات في مدني وكسلا والابيض وغيرها.

وقد عادت رابطة سنار الادبية منتصف هذا الاسبوع للحضور مجددا، لتقرر ضمن اشياء اخرى، تنظيم احتفال وتكريم لمؤسسها الاستاذ نبيل غالي في مقبل الايام.

مرة ثانية يكتسب تكريم الاستاذ نبيل غالي والاحتفاء بتجربته الابداعية اهمية اضافية وتأتلق دلالته العميقة. فصمود نبيل غالي وغيره من الاقباط السودانيين في وقت دفعت الهجرات المتتالية تحت وطأة القهر الثقافي والسياسي خاصة، بالكثيرين لمغادرة الوطن الى المنافي البعيدة لهو واقعة شديدة الاثر. فمع تناقص اعداد الاقباط يتراجع اسهامهم في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية طرديا مع تصاعد موجة الهوس الديني منذ منتصف الثمانينات.

ففي احتفاء الوسط الثقافي السناري، وقد سبقته مبادرات مماثلة، وتكريمه هو احتفاء بالتعدد الثقافي والديني الذي يسم البلاد من قديم الزمان، وسالف العصر والاوان، باعتباره احد شهوده. ولكنه كذلك، احتفاء بالرمزية التي يجسدها وليس محض اعتراف بدوره النشط في الحياة الثقافية وحسب، وانما ،هو بدلالة الظروف التي تحيط بالمناسبة، حيث يختبر تماسك الكيان السوداني وهو يواجه تحديا مصيريا بمستوى ان يكون او لا يكون، احتفاء جليل بالتنوع الثقافي والديني، في اطار الوحدة كضمانة لتماسك النسيج الاجتماعي والوطني.

معرض الصور