إصلاح الخطاب الدبلوماسي
خالد ماسا
أضافت الحرب المشتعله في السودان منذ منتصف أبريل الماضي الكثير الى قاموس الكراهية وإحتشدت منصات الاعلام التقليدي منها والحديث بخطاب الحرب والإستقطاب الحاد وإستدعاء كل ما من شانه أن يُطيل أمد الحرب ويؤجج نيرانها ويُباعِد بين إطرافها وبين السبيل لإطفائها عبر السُبل السياسية والتفاوضية والدبلوماسية.
لغة لا تقِل حٍدٌة عن تلك التي يتم بها القصف الاعلامي المتبادل بين الجيش وقوات الدعم السريع تم إستخدامها بين سُلطة قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م ورئيس بعثة الامم المتحدة المتكاملة لدعم الإنتقال / فولكر بيرتس والذي إعتبر بأن القرارات المشار اليها أعلاه "إنقلاب" على فترة الانتقال التي عُيّن مبعوثا خاصاً للأمين العام للامم المتحدة لدعمها في السودان بينما صرّح قادة الجيش في أكثر من مناسبه عن عدم رضاهم عن تحركات المبعوث الخاص ورئيس البعثة الى حد وصفها بأنها تتجاوز حدود التفويض الممنوح بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2525 والخاص بتشكيل بعثة أممية لدعم الانتقال تحت "البند السادس" الى التدخل في الشأن السياسي بالإنحياز للشق المدني من حكومة الإنتقال.
عاودت البعثة عبر رئيسها محاولاتها لإكمال مهامها الموكولة اليها بتجسير الهوه بين المكون العسكري والمكون المدني عبر مبادرة ماسُمي بالآليه الثلاثية وإعتمدت "لغة الحوار" في ذلك سعياً لاسترداد مسار الإنتقال إلا أن المبعوث لم ينج من الإتهام بالإنحياز وعدم إلتزام الحياد بل وصل الحال بسلطة قرارات 25 اكتوبر بان تستبق موعد التجديد السنوي لتفويض البعثة المتكاملة لدعم الإنتقال بالمطالبة باستبدال المبعوث الخاص فولكر بيرتس عبر خطاب من قائد الجيش عبدالفتاح البرهان للامين العام للأمم المتحدة.
وعلى الرغم من حاجة السودان للمنصات الاقليمية والدولية في هذا التوقيت بالذات من الحرب لتكون نفاجاً للخروج من نفق الحرب المظلم إلا أن خطاب الحرب ولغة الكراهية أصابت الخطاب الدبلوماسي بالعدوى فوصل الحال به الى حد أن صار المبعوث الخاص متهماً باشعال حرب أبريل بحسب زعم خطاب قائد الجيش.
بالمقابل عبّرت الخطابات الصادرة من المنظمات الاقليمية كالاتحاد الافريقي والإيغاد بخصوص حرب السودان عن أزمة عميقة في التقديرات التي يجب أن ينطوي عليها الخطاب الدبلوماسي لطبيعة الصراع في السودان ولأطراف الحرب إذ قدم مسؤوليها تصريحات تسحب صفة " الحياد" من هذه المنظمات وتُفقدها الأهلية في التوسط لإنهاء الحرب في السودان وبمقابل ذلك رد الوفد الحكومي بلغة المقاطعه للجلسة المنعقدة لمناقشة الاوضاع في السودان وإشتراط أبعاد الرئيس الكيني من رئاسة الجلسة بتهمة عدم الحياد وبالتالي خرجت حلول الحرب السودانية من يد الاقليم سواء عبر الاتحاد الافريقي أو الايغاد ومن الطبيعي أن تصل بنا هذه اللغة الى طريق مسدود وتأخر إنهاء الحرب وتعطل كل المجهودات الساعيه لانهاء الصراع.
إنتصرت المنظمة الدولية لنظمها الحاكمة ورد أمينها العام على خطاب قائد الجيش المطالب بابعاد المبعوث الخاص بالخروج بقرار من مجلس الأمن بالرقم 2685 بتجديد الثقة في المبعوث الخاص وتمديد ولاية البعثة المتكاملة حتى ديسمبر 2023م.
زيارة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الآخيرة لكينيا ولقاء الرئيس وليام روتو وزيارة الرئيس الأثيوبي ومناقشة الحالة السودانية خلال الزيارات نتمنى أن تكون بمثابة إستبدال خطاب الحرب بخطاب إيجابي للدبلوماسية تستعيد به منظمات الاقليم ملف حرب السودان وتبعد عنه شبح التدخل الدولي.
يضاف الى ذلك ما تم النص عليه في جولة منبر جدة الآخيرة بخصوص اللغة المتبادلة بين أطراف الصراع وتعيين مبعوث خاص جديد "الدبلوماسي الجزائري رمطان لعمامرة" لرئاسة البعثة المتكاملة خلفاً للمستقيل فولكر بيرتس وإعلان المنظمة الدولية على لسان متحدثها الرسمي/ ستيفان دوجاريك إستعدادها للتعاون والسعي مع كل الاطراف السودانية لانهاء الحرب التي أكملت شهرها السابع في السودان وتأمين أطراف مبادرة الايغاد وأطراف مبادرة دول جوار السودان على قدرة منصة "مبادرة جدة" بأن تكون الطريق لايقاف الحرب السودان وإستعادة مسار الانتقال والتحول الديموقراطي وإنهاء معاناة الشعب السوداني.
نأمل في ان تكون هذه اللغة هي البديل للغة الحرب والكراهية التي حكمت المسار الدبلوماسي سابقا ونأمل كذلك في أن يكون لها تأثيرها على الخطاب العام في السودان بما يعجل بانهاء الحرب ويقطع الطريق أمام خطاب الحرب والكراهية وتبعد الدولة السودانية من الانتقال من ولاية البعثات الامميه ذات الطبيعه السياسية الى مزالق ولاية البعثات الامميه ذات الطبيعه العسكرية و الانتقال من البند السادس للبند السابع.