الأبيّض: نار الأسلحة تحرق قلب ``عروس الرمال``
علي طاهر
"نار الأسلحة ودانات المدافع حرقت قلب عروس الرمال، وبعضًا من قطاع الطرق واللصوص يسرقون جيوب المواطن في أطراف المدينة الوديعة"، هكذا أبتدر أستاذ عثمان الذي يعمل في الحقل التعليمي منذ الثمانينيات حديثه عن الوضع هناك. وأضاف الأستاذ الذي وصل عمره 75 عاما: لا أدري لماذا يستهدفون مواطنين عزل بهذا الشكل العنيف؟ كانت حاضرة ولاية شمال كردفان حقًا عاصمة للسلام والأمن ومركز للثقافة والفنون ونموذجًا للتعايش بين جميع القبائل، ولا زال التعايش موجودًا، إلا أن عقد الأمن انفرط وهربت الطمأنينة من صوت الأسلحة وقذائف الدانات التي خلفت أعدادًا كبيرة من الضحايا، لم اتخيل يومًا أن تحتشد أحياء قلب المدينة بالمقاتلين والأسلحة الفتاكة وتشهد حرب ضارية الحقت بنا الأذى.
تساقطت الدموع من عينيي فتحية. أ، التي تقطن حي "حسيب" بالقرب من "سوق أم دفسو" غربي المدينة وقالت بصوت باكي: "الحرب كملت الناس وخربت البيوت والقلوب". لقد فقدت شقيقتي إبنها في ريعان الشباب، مات ضحية مقذوف مجهول ، فيما دمرت الدانة منزل صديقتي التي نجت باعجوبة. واستمرت فتحية في حديثها: فقدنا الطمأنية ولن تستطيع أن تحمي نفسك من القذائف، الدانات والرصاص الطائش حتى وأنت داخل منزلك، وباتت بعض أحياء مدينة الأبيض خطرا على المواطنين الذين أصبحوا ضحايا للسلب والنهب من المسلحين. الحرب غيرت ملامح حياتنا، وبتنا نعاني ونكابد ليس من أجل الأكل والشرب وإنما من خطر الموت من فوهة البنادق والأسلحة الموجهة على صدور الشعب المسكين.
وتعيش الأبيض المدينة التي تحمل أكثر من لقب أشهرها "ود أبو صفية" وكذلك "أب قبه " في حالة حرب واشتباكات متقطعة بين الجيش والدعم السريع الذي يهاجم أحياء من حين لأخر. هذا الوضع المضطرب، انعكس سلبا على الأهالي الذين يعيشون تحت الضغط والخوف، ورغم ذلك يخرجون مضطرين للعمل وممارسة الأنشطة الحياتية الأخرى بما فيها الفعاليات الثقافية والرياضة التي تشهدها ساحات الأحياء والمناطق السكنية. واكد ناشطون في المجال الرياضي أن الموسم التنافسي معلقًا، وليس هناك مباريات رسمية، ولكن توجد دورات رياضية لكرة القدم، وبعض المناشط الشبابية الأخرى التي يلتف حولها الجمهور بحذر خوفًا من الدانات ومقذوفات الأسلحة الضالة التي لاتفرق بين المقاتلين والمواطنين العزل.
وتقول قٍسْمة التي تعمل في سوق الأبيض: خرجنا الأسبوع الماضي كالمعتاد للعمل وعندما وصلنا السوق اندلع القتال وسمعنا صوت الأسلحة الثقيلة، بدأ القلق يدب فينا خوفًا من اتساع رقعة القتال. وبينما كان الجميع يترقب الوضع، سقط مقذوف مضاد للطائرات وسط السوق، ورغم أنه يصب أحدًا بأذى إلا أنه كان بمثابة قرار حاسم بالنسبة لنا للعودة إلى المنزل والديار دون تردد. عدنا وعشنا باقي اليوم نرقد فوق الاسرّة مرة، وتحتها ثلاث مرات بسبب أصوات الأسلحة.
قبل فترة كانت الأحياء الغربية والجنوبية من مدينة الأببض تشهد اشتباكات متواصلة مما أدى إلى نزوح سكان حي "الوحدة والرميلة" وتلك المناطق السكنية المتاخمة لمحطة 13، مقر هيئة العمليات لجهاز الأمن السابق، الذي تسيطر عليه الدعم السريع، وكذلك "حي السلام والصالحين" جنوب المدينة، إلا أن رقعة الصراع اتسعت وتغلغلت ووصلت قلب المدينة، حي الوحدة شرق، الشويحات، القبة، الربع الأول والثانى، ولم تسلم أحياء طيبة والقلعة في الناحية الشرقية للمدينة من قذائف الدانات المتبادلة ومقذوف الدوشكا الفتاك.
وقال مصدر طبي رفض ذكر أسمه، أن مستشفى الأبيض وبعض المراكز الصحية تستقبل يوميا أصابات بالأسلحة النارية ومقذوفات مجهولة وكذلك شظايات، وأن الضحايا بينهم نساء ورجال وكثيرا من الأطفال، وفي جميع الأحول الفاعل مجهول. الضحايا يأتون رفقة أهلهم للعلاج في ظل شح الأدوية والعقاقير الطبية، وهذا بدوره يفاقم الإصابات ويؤخر التعافي بشكل مقلق.