الوطن ينتصر اخيراً
محمد عبد الماجد
في هذا التوقيت، نحن ليس في حاجة لانتصار المنتخب السوداني من أجل المُحافظة على حظوظنا للتأهُّل إلى نهائيات كأس العالم ٢٠٢٦م، في هذا التوقيت نحن في حاجة لانتصار المنتخب، لأنّنا في حاجة إلى نصر يجمعنا ويُؤكِّد وحدتنا، عندما تتوحّد المشاعر تنتهي الخلافات، ويبقى الخلاف فينا دائماً عنصراً من عناصر قوتنا ووحدتنا أيضاَ، فهو خلافٌ لا يفسد للود قضية. هذا النصر يبقى نصراً عزيزاً، لأنّه جاء في هذا التوقيت الصَّعب.
في هذا الوقت، نحنُ في حاجة إلى الانتصار لنثبت أن الانتصار بدون إطلاق رصاصة واحدة مُمكنٌ، وأنّ الأوطان تُبنى بالعرق، وأنّ الدم السوداني غال وهو جديرٌ بالمُحافظة عليه وليس بسفكه وإهداره. انتصر المنتخب السوداني، فأثبت أنّ الظروف يجب ألا تكون شَمّاعة نُعلِّق عليها إخفاقاتنا، وأنّ الأزمات والعقبات تزيدنا قُوةً، وأنّ الفرحة التي تأتي في مثل هذه الظروف تبقى مُمتعة وعظيمة، وهي تتحدّى جراحنا وتسخر منها.
تعادل المنتخب السوداني في المباراة الأولى مع المنتخب التوغولي، وانتصر في المباراة الثانية على منتخب الكونغو الديمقراطية، وهي نتائج جيدة حتى لو تحقّقت في ظروف أفضل وأوضاع طبيعية، فكيف بعد أن تحقّقت هذه النتائج والبلاد تعيش في حربٍ طاحنةٍ، والمنتخب يلعب خارج أرضه في مدينة بنغازي، بعيداً عن أرضه؟ وإن كان الجمهور السوداني في بنغاري قام بالواجب وأكثر، وجعل المنتخب يشعر وكأنّه يلعب في أرضه ووسط جمهوره. كما أنّ الأشقاء في ليبيا كانوا في الموعد، لم يبخلوا على المنتخب السوداني بشيءٍ.
أسعدنا أكثر من الانتصار، الاجتهاد الذي بدا ظاهراً للناس والجهد الذي بُذل، إذا كنا نمتلك تلك الحلول وهذه العناصر المُحترفة بالخارج، لماذا كنا نحرم السودان من أبنائه؟ والسودان يملك أن يكون بين الكبار بالإمكانيات التي يملكها. (وَلم أرَ في عُيُوبِ النّاسِ شَيْئاً كَنَقصِ القادِرِينَ على التّمَامِ).
انتصار السودان على المنتخب الكونغولي أثبت حجم تقصيرنا في الوطن، وقد كان يمكننا أن نفعل ذلك منذ زمنٍ بعيدٍ. ويمتلك السودان تاريخاً مُشرفاً وجمهوراً مُحباً وعاشقاً للكرة وهذه أشياء لا تُشترى، إلى جانب المواهب الكبيرة التي يمتلكها السودان ليس في كرة القدم وحدها، وإنّما في كافة الرياضات، بل في كافة المجالات بما في ذلك المجالات الإداريّة والعلميّة. نحن في حقيقة الأمر نفتقد الإرادة والعزيمة والقُدرة على التخطيط السليم للغد المُشرق.
انتصار السودان على الكونغو الديمقراطية، جعل السودان في صدارة مجموعته ولو كان ذلك بشكلٍ مُؤقّتٍ. تلك الصدارة وإن أصبحت وصّافة بعد اكتمال مباريات الجولة الثانية في التصفيات المُؤهِّلة لنهائيات كأس العالم، سوف تجعل حظوظ السودان جيدةً وكبيرةً في التأهُّل إلى النهائيات، مع وجود السنغال في المجموعة، وهذا شيءٌ سوف يجعل اللعب للمحترفين بالخارج للمنتخب السوداني (أمنية)، وسوف تصبح مشاركتهم مع المنتخب في التصفيات (رغبة) حتى يشاركوا مع المنتخب في نهائيات كأس العالم، وهو هدفٌ لكلِّ محترفٍ، بل لكلِّ لاعب أن يشارك في نهائيات كأس العالم، بغض النظر عن المنتخب الذي سوف يُشارك معه.
المنتخب السوداني من خلال النتائج والمستوى الذي قدّمه في المباريات الأخيرة، يُمكن أن يتيح لمن يرتدوا شعاره ويمثلوه ذلك، ويُمكن أن يمنحهم هذا الشّـرف. لهذا على الاتحاد العام لكرة القدم السوداني والجهاز الفني للمنتخب أن يبحثا عن المزيد من المواهب السُّودانيّة المُحترفة بالخارج.
أولى الحلقات التي يجب أن نقف عندها ونشكر عليها اتحاد الكرة السوداني، هو الاختيار المُوفّق للجهاز الفني بقيادة المدرب الغاني كواسي أبياه وهو مُدرِّبٌ (موندياليٌّ) يمتلك خبرات أفريقية كبيرة، وقد ظهرت بصمة هذا المُدرِّب ومساعده المغربي سريعاً، والأسماء الكبيرة دائماً تُحقِّق نتائج كبيرة. كذلك لا بُدّ من الإشادة من المعسكر الإعدادي الطويل للمنتخب في السعودية وليبيا، في ظل توقُّف النشاط الرياضي بالداخل. على اتّحاد الكرة فقط أن يكمل جميله ويعيد النشاط الداخلي، فليس هناك إعدادٌ للمنتخب أفضل من عودة الدوري الممتاز.
العناصر المُحترفة في الخارج التي انضمت للمنتخب أضافت الكثير للمنتخب ليس على المستوى الفني فقط، بل على المستوى الإعلامي والجماهيري، فقد أصبح شغف الجماهير والإعلام بالمنتخب بعد الأسماء التي انضمت للمنتخب كبيراً، كما أنّ النتائج التي حقّقها فرضت على الجميع احترام هذا المنتخب حتى من منصّات الإعلام الخارجي. مع وجود السنغال والكونغو في مجموعة السودان، أصبح هنالك من يرشح السودان للتأهل للنهائيات أو على الأقل يتحدث عن حظوظه في الوصول لنهائيات كأس العالم 2026م.
جولات المنتخب القادمة سوف تكون في شهر يونيو المقبل أي بعد أكثر من ستة أشهر، وهذه فرصة جيدة لعودة الممتاز وإكماله في تلك الفترة، خاصّةً أنّ المنتخب الوطني تُشارك معه عناصر من أندية أخرى غير الهلال والمريخ، علماً بأنّ الهلال هو الفريق السوداني الوحيد الذي يشارك أفريقياً ويلعب كرة قدم. أكبر خدمة يمكن أن يُقدِّمها الاتحاد السوداني لكرة القدم هي عودة الدوري الممتاز. ليس المنتخب وحده من يحتاج لذلك، الهلال أيضاً وكل الأندية والشعب السوداني الذي تعتبر كرة القدم من أهم متنفساته.
كنت قد كتبت في المقال السابق أنّ عناصر الهلال في الوقت الحالي هي الأكثر جاهزية من غيرها، لذلك يجب أن تُمنح الفرصة الأكبر في مباريات المنتخب، وقد شارك خمسة عناصر من الهلال كأساسيين مع المنتخب، وشارك عماد الصيني في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة، لذلك كان المستوى الفني والبدني جَيِّداً للمنتخب مع المستويات الرفيعة والكبيرة التي قدّمها ثلاثي المريخ بخيت خميس وكرشوم ومحمد الرشيد، إلى جانب المحترف محمد عيسى وسيف تيري.
شكل المنتخب سوف يكون أفضل في الفترة القادمة بعد عودة الغربال وضمّ والي الدين بوغبا، الذي نرى أنّ المنتخب في حاجة كبيرة له، إلى جانب الأسماء المُرشّحة للانضمام للمنتخب من الخارج، لذلك نقول إنّ فرص السودان سوف تكون كبيرة إن شاء الله في التأهل للنهائيات حتى في وجود السنغال بطل أفريقيا وأفضل منتخب أفريقي في الوقت الحالي، إلى جانب المغرب ومصر وساحل العاج.
إذا توقّفت الحرب سوف تكون فرصة السودان في التأهل كبيرة، خاصةً إذا عاد المنتخب للعب في أم درمان بين جماهيره بعد المستويات الرفيعة التي قدمها في المباريات الأخيرة.
نتمنى أن يعود السودان الذي نشتهي، وأن تعود أم درمان (الحبيبة) تستقبل المباريات الدوليّـة. الشعب السوداني عاش في فرحة كبيرة بعد انتصار المنتخب على نظيره الكونغولي، والشعب السوداني يستحق أن يفرح ويسعد، وكرة القدم هي الشيء الوحيد التي تفرحنا، فلا تبخلوا على الشعب السوداني بهذا الفرح.
مبروك للسودان، وننتظر أن يسير الهلال على نفس الدرب ويعود الأزرق من أنغولا بالنقاط الثلاث.
….
متاريس
كل عناصر المنتخب كانوا في الموعد، بدايةً من أبو عشرين اللاعب الكبير والخبرة والذي يمنح تواجده بين الخشبات الثلاث الثقة والطمأنينة.
أبو عشرين لاعب المباريات الكبيرة، لذلك كانت عودته لعرين المنتخب إضافةً قويةً للمنتخب رغم الخطأ الذي وقع فيه وكاد أن يُكلِّف السودان هدفاً. مصطفى كرشوم هو المدافع الأفضل في الساحة الآن، إلى جانب المقاتل إرنق والهادي والعاقل الطيب عبد الرازق اللاعب الذي يظلمه الإعلام والجمهور كثيراً. بخيت خميس كان نعم القائد وصنع الهدف من ضربة ركنية على طريقة منتخبات شمال أفريقيا وأنديتها الكبيرة. عوض زايد حجز موقعه في المنتخب مع وجود المحترفين ولاعبي الهلال والمريخ، وهذا أمرٌ يُحسب له. إرنق لاعبٌ لا غنىً عنه حتى لو كان مُصاباً. صلاح عادل مقاتلٌ بحق وحقيقة.. هذا اللاعب عملة نادرة وهو نسخة واحدة. أبو عاقلة هو (العقل) كله.. أبو عاقلة يمتلك عقلية تُؤهِّله لأن يلعب في الدوريات الأوروبية.
تفاجأت بمستوى محمد الرشيد الذي كان في الفورمة وفوق التّخيُّل رغم ابتعاده عن المشاركات الرسمية فترة طويلة. ياسر مزمل يُمهِّد الطريق للجميع.. يجعل كل الطرق تؤدي إلى مرمى المنافس. محمد عيسى.. كفى أنه محترف جاء في هذا الوقت الصعب من أوروبا ليشارك مع منتخب بلاده. أبو بكر عيسى انتظروا منه الكثير. سيف تيري هو سيف تيري وكفى.
مع أنّ الهلال سوف يفقد في الجولات القادمة إرنق، إلّا أنّ المنتخب قدم فائدة كبيرة للهلال. عماد الصيني. الأجهزة الفنية في المنتخب وفي الهلال لم تكتشف بعد مقدراته وإمكانياته الكبيرة. سليمان عز الله وأحمد عصمت ومازن سيمبو. مستقبل المنتخب وعناصره في نهائيات كأس العالم إن شاء الله. إصابة إرنق أكدت حاجة الهلال إلى مدافع وطني.
لماذا لا يضم الهلال مدافع الخرطوم الوطني الذي انضم للمنتخب من الدرجة الأولى مازن سيمبو؟ لم أشاهد اللاعب. لكن انضمام لاعب للمنتخب من الدرجة الأولى أمرٌ يؤكد تميُّزه. والهلال أصلاً في حاجة لمدافع. وفي حاجة إلى المواهب الوطنية.
لا تهملوا المواهب الوطنية.
فقدت البلاد العلامة البروف الحبر يوسف نور الدائم وهو فَقدٌ عَظيمٌ. اللغة العربية فقدت أهم ركائزها. من يضع النقاط فوق الحروف بعد رحيل أبونا الحبر يوسف نور الدائم؟ نسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة. فقد كان الحبر يوسف نور الدائم يتنفّس القرآن. هو رجلٌ علمه وحياته كلها وهبها للقرآن الكريم. لهذا فإنّ مقامه في الدار الآخرة سوف يكون رفيعاً، أعظم من مقامه في الدنيا والذي كان أيضاً مقاماً رفيعاً. قبل سنوات قريبة فقد الحبر يوسف نور الدائم ابنه، فكان مثالاً للصبر والإيمان واليقين. السودان فقد شخصيةً عظيمةً من الصَّعب تعويضها.
ترس أخير: اللهم أرحم من كان خُلُقه القرآن الكريم.