حرب السودان في العقل الدولي
خالد ماسا
ويُمسِك العالم بين يديه هذه الأيام أجهزة التحكُم عن بُعد ويتنقل بين شاشات العرض ويتوقف صُنّاع القرار فيه عند الأحداث التي تفرِض أولوياتها عليهم. وتُعمل صالات التحرير يدها المهنية لتضع "الخطوط" بحسب وزنها وأهميتها في المنصات الإعلامية وبحسب ماهو مهم على طاولة مُحركي الأحداث في العالم.
"جيوسياسيا" السودان فرضت أن تكون للحرب المشتعلة فيه منذ منتصف أبريل الماضي، تأثيرات خارج الجغرافيا المسماة بالسودان. ولم يمض على إشتعالها وقت طويل حتى وتحسست إنجمينا حدودها مع السودان، وأعادت القاهرة قراءة أوراق معابرها التي تفتح على السودان، بينما لم تكن في يوم من الأيام كل من جوبا ونيروبي وطرابلس وأديس ابابا وأسمرا عواصم بعيدة عن أي صداع يصيب السودان فما البال بمرض الحرب العضال الذي وصل لأول مره للخرطوم؟ حرب تراها عيون هذه العواصم بحسب تاثيراتها وبحسب تقاطعات مصالحها في الإقليم.
عواصم أخرى كانت عيونها بالأساس مفتوحة على المُشكل السوداني حتى قبل إندلاع حرب أبريل لذات الاعتبارات المتعلقه بالتاثيرات والمصالح، فكانت جدة وابوظبي حاضرتان في الملف السياسي السوداني، وكانت كذلك واشنطون حاضرة بكل ثقلها ووزنها بروافع المنظمات والمبادرات والآليات الثلاثي منها والرباعي.
لم يكتفي طرفي الصراع بتوجهات خطاب الحرب القائم على الإستقطاب الحاد، وخلق حالة إصطفاف قسمت الداخل السوداني لقسمين، بينهما ما صنع حدّاد حرب أبريل بل تعدته لتخلق حالة الارتباك الدولي التي نراها الآن.
" ليس مرة أخرى"، يجب أن تكون هذه هي صرختنا في وجه الإقليم والعالم حتى يعلم بأننا لسنا على إستعداد بتكرار تجربة الصمت الدولي على الجرائم والإنتهاكات المرتبطة بالحرب مرة أخرى، لأن هذا الصمت وحده الذي أعطى لمرتكبي الجرائم الضوء الاخضر لتكرار ما بدأ في 2003م. لسنا على إستعداد لقبول إعادة تجربة مسلسل الإفلات من العقاب في جرائم لامست سقف توصيف جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
فعندما يأتي التصريح على لسان "كلمنتين نكويتا سلامي" منسقة الامم المتحدة للشؤون الانسانية في السودان واصفة الحالة الانسانية التي خلفتها حرب أبريل بأنها "تقترب من الشر المطلق" فان على العالم أن ينتبه، وأن يتحرك وفقا للبوصلة الانسانية التي تشير الى أن المدنيين في السودان يدفعون تكلفة هذا التباطوء الدولي حيال الحالة الانسانية.
ولو إطّلع العالم على الإحاطة التي قدمتها البعثة المتكاملة لدعم الاتتقال في السودان "يونيتامس" للفترة مابين شهر أغسطس وحتى نهاية أكتوبر في الفقرة (ج) عن حالة حقوق السودان التي وثقت 345 حادثة في الفترة المشمولة بالتقرير وتاثر فيها 2672 ضحية بانتهاكات حقوق الانسان وانتهاك القانون الدولي، لادرك فداحة مايحدث في السودان. وأن الناجين من هذه الحوادث يتربص بهم خطر المجاعة وأن مايقارب 3 مليون سوداني يتهددهم خطر الاصابة بمرض الكوليرا بحسب تصريح منظمة الصحة العالمية في نظام صحي منهار تماماً.
المؤكد ان مايحدث في السودان ليس نتاج صراع سياسي داخلي على السلطة أستخدمت فيه أدوات عسكرية بل تتداخل فيه عوامل خارجية، إما شاركت في صناعته أو ساهمت في تأجيجه، ويدفع كلفته الشعب السوداني ولذلك يحتاج العقل الدولي لاصلاح زاوية النظر اليه، ومراجعة ترتيبه في جدول الاولويات بحلول، تحفظ السيادة والارادة الوطنية التي يستعيد بها السودان دوره المؤثر بشكل إيجابي في الاقليم.
على العقل الدولي أن يقرأ العراقيل الموضوعة أمام المسار السلمي التفاوضي، وأن يفهم بأن بذرة خطاب الحرب والكراهية في حرب السودان ستسثمر في الاقليم الهش باكمله مالم يتم تدارك الامر سريعا.
"ليس مرة أخرى" يجب أن تسمعها منظمات الاقليم حتى لا يعاد سيناريو فشلها في لملمة مشكلات دول الاقليم، وظهورها بمظهر العاجز عن إسكات صوت البنادق في القارة، وبناء أركان جديدة للديموقراطية التي تحترم إرادة الشعوب.
على العقل الدولي أن يقرأ الذي تم تداوله في "مؤتمر القضايا الانسانية في السودان" الذي انعقد في القاهرة في نوفمبر الحالي ليفهم تاثيرات الحرب بشكل صحيح، ويدرك بأن الامر قد تجاوز كل الخطوط الحمراء، وان النداء السوداني في حالته الانسانية صار واجب استجابة.