الفاشر: مدينة تنتظر مصيرها على وقع حوافر 3 جيوش
متابعات ـ مواطنون
سلّطت السيطرة الخاطفة لقوات الدعم السريع على اغلبية اقليم دارفور، الانظار على مدينة الفاشر آخر معاقل القوات المسلحة السودانية في الاقليم الواسع. وتشير حشود وتصريحات قادة الدعم السريع الى ان الهجوم على قيادة الفرقة السادسة مشاة، آخر قاعدة للجيش بالاقليم والواقعة في وسط المدينة، لم يعد سوى مسألة وقت. وخلقت هذه الاجواء حالة من الترقب المتوتر وشد الاعصاب داخل وخارج السودان.
وتكتسب المدينة دون غيرها من مدن الاقليم اهمية خاصة، لاكتظاظها بالنازحين من مختلف انحاء الاقليم، كما انها المدينة الوحيدة التي تتواجد فيها ثلاثة جيوش (جيش، دعم سريع، حركات). فضلا عن ذلك فانها المقر الرئيسي لحكومات الإقليم، اضافة الى رمزيتها باعتبارها العاصمة التاريخية لدارفور التي طالما لعبت دورا مؤثرا في صنع القرار السياسي على مر العصور.
ولخصوصية هذا الوضع انفردت دون غيرها من مدن السودان باهتمام الولايات المتحدة التي طالبت طرفي النزاع الشهر الحالي بـ "التوقف الفوري عن شن المزيد من الهجمات في الفاشر ومحيطها والوفاء بالتزاماتهما بموجب القانون الإنساني الدولي في ما يتعلق بالمدنيين". وقالت "إن تقارير موثوقة تكشف عن أن قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية لم تتخذ التدابير اللازمة لتجنب الخسائر في صفوف المدنيين في أحياء الفاشر السكنية".
الفاشر اكبر مركز للنازحين والجيوش
تتركز الانظار حاليا على مصير مئات الالاف من النازحين في المدينة اذ ان اي هجوم عليها سوف يتسبب في ازمة انسانية كبرى، ربما اكبر من الخرطوم، في وقت ما تزال فيه الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها السكان في غرب دارفور حاضرة في الاذهان. فاذا كان سكان الخرطوم قادرون على النزوح الى مناطق واسعة وآمنة فانها ميزة لا يتمتع بها سكان ونازحو الفاشر. ما هي اعداد النازحين ومن اين جاؤوا واين يقيمون في المدينة؟
الفاشر هي "خرطوم" دارفور فهي مقر السلطة، وتتمتّع ببنية تحتية مهمة تطورات بسرعة بسبب انها كانت مقر البعثة الدولية السابقة للسلام "يونيتامس". ويفوق عدد سكانها مليون نسمة، كما انها ايضا موطن لاكبر واهم معسكرات النزوح قبل الحرب الحالية وتضم حوالي نصف مليون نازح يقيمون في معسكرات شهيرة مثل أبوجا وزمزم وأبوشوك، وكساب، ونيفاشا وغيرها، إلى جانب وجود مئات الآلاف من النازحين الجدد من القرى والمدن المجاورة على رأسها نيالا والجنينة وزالنجي وكتم وكبكابية وحتى الخرطوم بسبب الحرب خلال الأشهر الماضية.
وفي الاسبوع الاول وحده من شهر يوليو الماضي، وصل 15,600 نازح من أصل 170,000 نازح رصدوا منذ 15 أبريل، قادمين من محلية طويلة واتخذوا لهم ملجأ في 13 مدرسة في مخيمي زمزم والسلام للنازحين داخليا. وهناك نقص في الإمدادات الصحية وغيرها من المساعدات في جميع أنحاء الولاية، حسب الامم المتحدة.
هذا العدد الهائل من النازحين ازداد تدريجيا مع انفجار الحروب مما ادى الى توسع بعض هذه المعسكرات الى مساحات شاسعة فمعسكر زمزم مثلا مقسم الى اربعة اقسام حسب تواريخ الحروب في الاقليم. فالقسم الاول يضم الذين نزحوا عام 2003، والثانى لنازحى عام 2009، والثالث للنازحين ما بين عامى 2011 و2013، والرابع يضم نازحى عامى 2014 و 2015، وهكذا.
هذا يعني ان نشوب اي حرب في المدينة وضواحيها سيؤدي الى وقوع ازمة انسانية فالسكان والنازحين يعانون اصلا من نقص مريع في متطلبات الحياة اضافة الى حوادث العنف التي تقع بين الفينة والاخرى وما يترتب عليها من خسائر في الارواح والممتلكات. وفي حال وقوع مواجهات مسلحة فانها هذه المرة ستكون اعنف من اي منطقة اخرى في الاقليم نظرا الى وجد ثلاثة جيوش (الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة).
حجم وانتشار الجيوش
في احدث احصائية لعدد القوات الموجودة في المدينة ومواقع انتشارها، نقل موقع دارفور 24 عن "مصادر داخل جميع الاطراف العسكرية وخارجها وصحفيين ومواطنين بالفاشر ومحليات بالولاية" ما يلي:
الجيش السوداني
تتمركز القوات المسلحة السودانية داخل مقر قيادة الفرقة السادسة مشاه وسط مدينة الفاشر الى جانب تواجدها في مطار المدينة الذي يقع الى الغرب وتتواجد هناك وحدة للدفاع الجوي وعناصر قليلة التسليح لكنها تتخندق بنحو مؤثر في حالة نشوب قتال، ويبلغ حجم قوات الفرقة نحو 6 آلاف جندي وظابط في حالة تمامها لكن القوات فقدت عدداً كبيراً من جنودها وقواعدها لصالح الدعم السريع اما بالقتل او الاسر او الانسحاب، كما فقدت جراء ذلك قواعدها في كل من كتم وطويلة وام كدادة ونقاط عسكرية أخرى صغيرة يُعد فيها الجنود بالمئات أو العشرات، على الرغم من ذلك يحتفظ الجيش في الفاشر بآلياته العسكرية واسلحة متنوعة تتوزع في المساحات التي يتمركز.
قوات الدعم السريع
بعد هجومها الاول في الـ 15 من أبريل على الجيش وهجماتها التي اعقبت ذلك أعادت قوات الدعم السريع تمركزها شرق وشمال مدينة الفاشر مسيطرة على أحياء التضامن والمعهد والبورصة والميناء البري والمدخل الشرقي “طريق الخرطوم الفاشر” والمدخل الشمالي الرابط بين مدينة مليط والفاشر ويعد المدخلين احد أهم المواقع الإستراتيجية بالمدينة لدخول السلع والمواد والمؤن إلى داخل المدينة؛ كما انها تسيطر على الفضاء المحيط بالمدينة من كل جانب ويتمكن جنودها من التحرك في الاتجاهات الاربع؛ كما ان جنود الدعم السريع يستطيعون نقل الاسلحة والمعدات والأغذية الى داخل وخارج مدينة الفاشر وقتما يشاءون عكس خصمهم الجيش.
ووفقاً لمصادر من داخل القوات أكدت لـدارفور24 ان الدعم السريع يحافظ على قوة قوامها لا يقل عن 2 ألف جندي وظابط، ومع تغير العناصر والظباط يظل الرقم ثابتاً وفقاً لتوجيهات قيادة العمليات، وبحسب المصدر تتمركز 160 سيارة تحمل الاسحة الثقيلة الى جانب المدافع الأرضية والمدرعات ومضادات الطيران ولا تتحرك هذه السيارات الا للضرورة الميكانيكية او التكتيكية، وقد زاد الدعم السريع أعداد جنوده وسياراته القتالية بعيد اتمام السيطرة على قاعدة الجيش في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، ويتجول أفراد الدعم السريع في المناطق التي تقع تحت سيطرة قواتهم بحرية مطلقة.
حركة جيش تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي
الى جانب حركة العدل والمساوة وحركة تحرير السودان برئاسة عبدالواحد محمد نور تعد حركة تحرير السودان برئاسة مناوي ثالث حركة مسلحة من حيث قدمها النضالي بعد انشقاقها من حركة عبدالواحد نور في ديسمبر 2005 وتتمركز وحدات مسلحة من الحركة داخل مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور، ويقع مقرها داخل مقر بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي سابقاً “يوناميد المعروف باسم “سوبر كامب” وتبلغ قوتها بحسب تقديرات المصادر داخل وخارج الحركة أكثر من 3500 جندي من بينهم 1500 في مدينة الفاشر ويتوزع بقية الجيش في محليات كورنوي وأمبرو ووادي هور 180 كلم شمال غرب الفاشر وبعض مناطق محلية مليط.
ولدى الحركة ما يقرب من 300 سيارة رباعية الدفع وبعض الأسلحة الثقيلة ومضادات الطيران و وأكثر من 50 مدرعة ويطلق على قائدها الميداني جمعة حقار رتبة الفريق. وتعمل بعض من قوات مناوي مع القوات المشتركة من الحركات المسلحة الأخرى في تأمين المنشآت والأسواق ومقرات المنظمات الوطنية والدولية بمدينة الفاشر.
تجمع قوي تحرير السودان قيادة الطاهر حجر
تعد قوات تجمع قوي تحرير السودان إحدي أكبر الفصائل المسلحة الموقعة على إتفاق سلام جوبا بقيادة عضو مجلس السيادة المقال الطاهر حجر ويبلغ عدد أفراد قواته داخل مدينة الفاشر أكثر من 200 مقاتل تتمركز في مخيم زمزم للنازحين 17 كلم جنوب غربي الفاشر بينما يقدر عدد قواته بنحو 4000 جندي وظابط.
وتعمل بعض القوات ضمن القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في تأمين القوافل التجارية والمنظمات الوطنية والدولية. وتتواجد أعداد كبيرة من المقاتلين لتجمع قوي تحرير السودان في مناطق خزان أورشي وأم مراحيك وديسي بمحلية كرنوي 150 كلم شمال غرب الفاشر. ولدى الحركة عدد من السيارات القتالية تتراوح بين 350 - 500 سيارة والمدافع المضادة للطيران وعدد من المدرعات بحسب مصادر داخل الحركة تحدثت لـدارفور24.
حركة العدل والمساواة قيادة جبريل إبراهيم
تعد حركة العدل والمساواة الموقعة على إتفاق سلام جوبا بقيادة جبريل إبراهيم وزير المالية الحالي - المنشق منها فصيل رئيس بقيادة سليمان صندل - هي أحدى أهم الحركات المسلحة التي رفعت لواء العدالة والمساواة في مضمار الصراع مع الحكومة المركزية وكانت الاقوى بعد انقسام تحرير السودان الى حركة عبدالواحد نور ومني مناوي سيما بعد توقيع الاخير اتفاق أبوجا في العام 2006 لكن العدل والمساواة تعرضت لنكسة عسكرية في معركة قوز دنقو بولاية جنوب دارفور لم تتعاف منها حتى اليوم، وقبل انقسامها بين رئيسها جبريل ابراهيم وأمينها السياسي سليمان صندل كانت تقدر سياراتها القتالية بنحو 90 سيارة وحوالى 800 جندي لكن لا يعرف حقيقة أي من الرجلين- جبريل وصندل- ذهب بغالبية الجنود وعتاد الحركة الحربي.
وكانت قبيل الانشقاق الذي حدث بعد حرب الـ 15 من ابريل من هذه السنة تشارك في القوات المشتركة للحركات المسلحة بحوالى 170 جندياً لتأمين القوافل التجارية باقليم دارفور، وتتمركز قوات حركة العدل والمساواة داخل السوبر كامب “اليوناميد سابقاً” ويتوزع جنودها داخل مدينة الفاشر ومحلية مليط وامبرو ومدينة الطينة على الحدود السودانية التشادية ومنطقة أم جرس السودانية الحدودية. ولدي الحركة أكثر من 13 سيارة مدرعة ومضادات الطيران والمسيرات والمدافع الحديثة ولديها خبرة طويلة في استخدام الاسلحة الثقيلة.
حركة جيش تحرير السودان المجلس الإنتقالي ـ الهادي ادريس
بحسب مصادر داخل الحركة يبلغ عدد جنود الحركة أكثر من 500 مقاتل تتمركز داخل مدينة الفاشر وأجزاء واسعة من محلية طويلة 55 كلم شمال غرب الفاشر.
وتعد الحركة جزء أصيلاً من القوة المشتركة للحركات المسلحة في تأمين القوافل التجارية والمنظمات الوطنية والدولية داخل مدينة الفاشر وتشترك بأكثر من 160 جندياً في القوة المشتركة. ولدى الحركة عدد من السيارات القتالية ذات الدفع الرباعي تبلغ حوالي 70 سيارة ومضادات الطيران تتوزع داخل مدينة الفاشر يقودها ميدانياَ القائد محمد صالح الشهير “جبل سي” ويحمل رتبة فريق.
وتنتشر قوات الحركات المسلحة في مدخلي “نيالا - الفاشر” من الجنوب و”كتم - الفاشر” من الغرب مثلما تسيطر قوات الدعم السريع على المدخلين الشرقي القادم من الخرطوم والشمالي القادم من مليط، اذ لمدينة الفاشر أربعة مداخل رئيسية، بينما لا يوجد انتشار أو تمركز للجيش في اي من المداخل الرئيسية أو الفرعية مكتفياً بالتحصن داخل قيادته في المدينة.
هل سيقتحم السريع السريع المدينة؟
نقل مرصد سودان وور مونيتر عن قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبدالرحيم حمدان دقلو السبت الماضي 25 نوفمبر قوله "أنهم قرروا السيطرة على كل المواقع العسكرية التابعة للجيش في اقليم دارفور بما في ذلك الفاشر" قبل ان يستدرك بالقول ان “ميزة الفاشر أن بها إخوتنا في حركات الكفاح المسلح وهذا ما اخّر السيطرة عليها، لأننا اتفقنا مع إخوتنا في الكفاح المسلح بأنه لا يجب ان تكون هناك حرب في الفاشر”.
غير ان تقارير صحفية اخرى تشير إلى أن عملية التريث في اقتحام المدينة ليست سوى فترة للاستعداد جيدا، لاسيما وأن قوات الجيش لن تكون بمفردها بل مدعومة من بعض الحركات المسلحة، بينما تشير اخرى الى أن هناك اتصالات تجري خلف الكواليس لتسلم المدينة بدون حرب. الجدير بالذكر ان الدعم السريع اعلنت الاحد 26 نوفمبر ان القوات التابعة لمصطفى تمبور الذي اعلن من بورتسودان انشقاقه عن حركة الطاهر حجر وانضمامه للقتال الى جانب الجيش، قد انضمت الى الدعم السريع. وفي خطوة اخرى ربما تهدف الى التأثير على حركة عبد الواحد نور التي انضمت الى الحركات المسلحة في الفاشر، اعلن الدعم السريع اليوم ان "الإدارات الأهليّة لقبيلة الفور اعلنت انحيازها الكامل لقوات الدعم السريع". وربما ترجح هذه التطورات "الخيار السلمي" لدخول المدينة لكن تبقى الكلمة الفصل للمستقبل القريب.