التخوين، اغتيال الشخصيات في منصات التواصل

علي طاهر

نصب الرجل الستيني الناموسية وسط حوش منزله، خوفًا من هجمات البعوض وعائلة أنثى الأنوفليس الفتاكة، كان يريد فقط أن يحمي نفسه من الإصابة بالملاريا اللعينة، وتفادي رحلة العلاج المرهقة. وعند منتصف الليل اخترقت طلقة ضالة صدره،أودت بحياته في الحال، وتحولت الناموسية لكفن قُبر معه بمدافن الصالحة غرب مدينة أم درمان المضرجة بدماء الحرب. مات الرجل الذي كان يكافح ويأكل حلالًا من عمل يده في السوق، وترك سمعة طيبة وسط جيرانه. هكذا هي الحرب إن لم تغدر بك وأنت نائم، قتلتك وأنت مستيقظ. كما انها تفسح المجال لأسلحة ووسائل أخرى تغتال شخصيتك وانت حيًا مثلما بدأ يحدث في فضاء الاسافير دون قيود أو مكابح ضميرية.

نشطت قروبات ومجموعات في منصات التواصل الاجتماعي، تمارس بشكل نشط ومنظم اغتيال الشخصيات من دون رصاص طائش، ثم ترمي جثة سمته في الحضيض. "عاصم" شاب نضر، ولاعب ماهر، خاض تجارب مع أندية شهيرة في العاصمة الخرطوم، ويتمتع بشبكة علاقات اجتماعية مميزة، وتعامل راقي ومتحضر. لكن كل هذه القيم الإنسانية لم تحميه من التعدي على سمعته عندما قام مجهولون برفع صورته في قروب خاص بمدينة أم درمان على منصة الفيسبوك، وتم إلصاق تهمة التخابر زورا عليه لقتل شخصيته. واقع الصدمة كان مؤثرا على نفسيته بشكل كبير. وتمددت الصدمة داخل الأسرة وبين اصدقائه الذين حاولوا جاهدين تتبع آثار الجريمة بوسائل تقنية وكشف الجاني، ولكنهم فشلوا فيما انزوى المجني عليه عاصم داخل غرفته خوفًا من مصيره المجهول.

أما الشاب الذي يلقب بـ "جدّو"، لازالت أسرته في مدينة بحري تبحث عنه، منذ اختفائه نحو 5 أشهر بعد أن نشر قروب في الواتساب هويته ووصفه بالعميل اللص. وعندما أكتشف القروب فداحة ما قام به، تم اخفاء المحتوى، واختفى معه الشاب الذي توارى عن الأنظار رفقة صديقه، فيما تظهر أخبار من حين لآخر جميعها يشير إلى أن عناصر مسلحة اقتادتهما إلى جهة مجهولة.

التخوين واغتيال الشخصية الذي تمدد على سطح المجتمع في الحرب الدائرة حاليا في السودان، بات مخيفا، ويكشف خطورة منصات التواصل الاجتماعي خاصة الواتساب والفيسبوك، وهو امتداد لجرائم إلكترونية ظهرت في المجتمع رفقة التطور التقني وضربت في البداية الأسرة والحياة الزوجية، ودمرت عدد من العلاقات الخاصة.

تقول انتصار - ت: زميلتي في الجامعة مرت بتجربة قاسية. حدث ذلك في السنة قبل الأخيرة للتخرج. كانت تنتظر استلام شهادتها واكمال مراسم زواجها. كان حينها ان ظهرت منصات التواصل بشكل نشط، وظهرت معها بعض الجرائم. وفي الوقت الذي كانت تنتظر فيه اكمال مشاريعها، أرسل رقم مجهول مقاطع صور خاصة بها ونقاش عاطفي في منصة الواتساب إلى خطيبها الذي لم يتحقق في الأمر وقرر فسخ الخطوبة. هذا الخطوة كانت منعطفا حيث أصيبت بصدمة واكتئاب، اصبحت مريضة نفسيًا، وبعد عام واحد توفيت، وقال بعض الجيران إنها انتحرت.

ويعرّف الاختصاصيون النفسيون وعلماء الاجتماع التخوين بأنه سلوك غير مقبول اجتماعيا، يتم فيه إلحاق الضرر بشخص عن طريق نشر شائعات، وأكاذيب غير صحيحة، ويمكن للشخص الذي تعرض للتخوين أن يتأثر بالضيق النفسي والإحراج، بالإضافة للنظرة السالبة، كما يمكن أن يؤدي للانفصال عن المجتمع والعزلة، الاكتئاب، القلق ويصل حتى الانتحار.