جنرالات الحروب الخاسرة
عبدالرحمن العاجب
لعقدين من الزمان ظل جنرالات الحركات المسلحة الدارفورية يقدمون رهانات واتفاقيات خاسرة، ومنذ اندلاع الحرب في إقليم دارفور في عام 2003 ظل الوضع كما هو عليه، ولم يتحسن إلى الأفضل على الإطلاق، ورغم توقيع اتفاقيات السلام - أبوجا - الدوحة - وأخيراً إتفاقية جوبا للسلام، إلا أن هذه الاتفاقيات ظلت حبر على ورق ولم ينفذ منها إلا الجانب المتعلق بالمشاركة في السلطة. وفي جميع المعارك المصيرية المتعلقة بمستقبل البلاد السياسي ظل جنرالات الحركات المسلحة وتحديداً - مناوي وجبريل إبراهيم يقفون ضد خيارات الشعب، والدليل على ذلك تنظيمهم لاعتصام القصر الجمهوري الذي أطاح بحكومة الفترة الانتقالية.
ومنذ إندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع، في الخامس عشر من أبريل الماضي، شهدت جميع ولايات دارفور، باستثناء ولاية شرق دارفور معارك طاحنة أدت إلى مقتل وتشريد عدد كبير من المواطنين في مدن (الفاشر وكتم ونيالا وكاس وكبم وزالنجي والجنينة واردمتا وكبكابية وكلبس وأم كدادة) وغيرها من المناطق الأخرى.
ولم يمنع اتفاق جوبا للسلام، الذي وقعته الحكومة الانتقالية مع حركات الكفاح المسلح، وقف أعمال العُنف المتصاعدة في إقليم دارفور، وتعزو الحركات المسلحة الانفلات الأمني لعدم تتفيذ برتوكول الترتيبات الأمنية إلى أن اندلعت حرب أبريل وزادت الواقع تعقيداً.
وفي خطوة مفاجئة أعلنت اثنين من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام انحيازها للجيش السوداني في قتاله ضد قوات الدعم السريع، وأعلنت حركتا تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم منتصف شهر نوفمبر الماضي الخروج من حالة الحياد حيال الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، وأعلنتا المشاركة في العمليات العسكرية لحماية المدنيين.
واتهم بيان أصدرته الحركتان قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في السودان ولا سيما جرائمها الموثقة بدارفور الأمر الذي يحتم اتخاذ الموقف الأصوب والأصح وهو عدم الإكتفاء بكتابة بيانات التنديد والشجب وانتظار وقوع المزيد من جرائم سفك الدماء إنما يجب مواصلة الكفاح مع جميع مؤسسات الدولة لإزالة البؤس الذي خيم علي سماء البلاد. وشدد البيان على أنه لا يمكن الصمت حيال عمليات القتل الممنهج وإهدار الكرامة الإنسانية من قبل قوات الدعم السريع علاوة على نهبها للممتلكات العامة والخاصة.
وفي الضفة الأخرى أعلن قادة ثلاث حركات من جملة خمس تمثل مسار دارفور في اتفاق جوبا لسلام السودان، انهم غير معنيين بإعلان حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة تخليهما عن الحياد في الحرب. وأكد كل من الهادي إدريس، رئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي - والطاهر حجر، رئيس تجمع قوى تحرير السودان، وحافظ إبراهيم عبد النبي، نائب رئيس التحالف السوداني، في بيان أن المواقف التي أعلنها كل من رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم لاتعنيهم وأن ما صدر عنهما لا يمثل مسار دارفور.
وبحسب البيان فإن إعلان المشاركين في المؤتمر الصحفي (مناوي وجبريل) انحيازهم لأحد طرفي الصراع يخالف ما تم التوافق عليه منذ بدء الحرب في 15 أبريل الماضي. وأضاف (هذا الموقف يمثل من أعلنه وحده لا غير. وهنا نؤكد نحن الموقعون على هذا البيان بأننا متمسكون بموقفنا المبدئي تجاه هذه الحرب وهو موقف الحياد غير المنحاز لطرف وفي ذات الوقت ساعين بكل جهد من أجل وقف الحرب بالطرق السلمية التفاوضية واستعادة التحول المدني الديمقراطي).
ورفض قادة الحركات الثلاث ما عدوه جر إقليم دارفور لحرب أهلية يسعى لها دعاة الفتنة لأجندة سياسة تخدم الأهداف الخبيثة لفلول النظام البائد – حسب البيان - ودعوا قيادات الإدارة الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية للعمل على درء الفتنة القبلية وفضح أطرافها.
يذكر أن اتفاق جوبا للسلام تم توقيعه في الثالث من أكتوبر عام 2020 بين حكومة الفترة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح، وضمت إتفاقية جوبا عدد من البروتوكولات. ولكن بعد مرور أكثر من ثلاثة سنوات على توقيع اتفاقية جوبا للسلام وتعيين مناوي حاكما على إقليم دارفور، وجبريل إبراهيم وزيرا للمالية، لازال حال المواطنين في دارفور كما هو بل وازداد الأمر سوء وتعقيد بسبب تجدد الصراعات في الإقليم، بجانب ما أفرزته حرب أبريل.
ويبدو واضحاً أن الموقف الذي أعلنه كل من مناوي وجبريل تم بضغوط من قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، والذي بدوره قام قبل أيام بإقالة الدكتور الهادي إدريس رئيس حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي من عضوية مجلس السيادة، وإقالة حافظ إبراهيم عبدالنبي نائب رئيس التحالف السوداني من منصب وزير الثروة الحيوانية، وإقالة الطاهر أبوبكر حجر رئيس تجمع قوى تحرير السودان من عضوية مجلس السيادة.
يؤكد الواقع ان شبح الحرب الأهلية لا زال يهدد سكان دارفور بسبب عدم تنفيذ برتكول الترتيبات الأمنية وانتشار السلاح، بجانب الموقف المنحاز للحرب الذي أعلنه مناوي وجبريل. ووفقا لمختصين في شأن الإقليم، فإنه في ظل الهشاشة التي باتت سمة الحياة في دارفور، يصعب تحسن الأوضاع في الإقليم، لا سيما أن التحديات كثيرة، وربما يقود موقف مناوي وجبريل إلى مواجهات مسلحة تدخل الإقليم في حرب أهلية.
وفيما يبدو أن سخرية الأقدار هي التي صنعت جنرالات لم يعرفوا كثيراً في السياسة، وظلت رحلة الجنرالات الممتدة من 2003 وحتى الآن مليئة بالمناطق المظلمة ومزروعة بالافخاخ، ولازال الجنرالات يمعنون النظر ببلاهة إلى الجماهير التي يخاطبونها ويفترضون فيها الغباء ظنا منهم أنها نفس الجماهير القديمة بغبائها المعهود، ولكنها في الواقع وعت الدرس تماماً وحتما ستنتفض في يوم ما لتذهب بهؤلاء الجنرالات إلى مذبلة التاريخ غير مأسوفا عليهم، ووقتها سيعرف جنرالات الحروب الخاسرة أن الجماهير هي صاحبة القرار في أي عملية سياسية في البلاد وليس الجنرالات والقادة السياسيين الفاشلين.