تعليق منبر جدة .. غياب المنهج أم الارادة
مواطنون ـ الأصمعي باشري
ليست هي المرة الأولى التي يتم فيها تعليق مفاوضات منبر جدة؛ بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي ترعاه كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وبمشاركة الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد الحكومية. فقد تم تعليقه أكثر من مرة منذ انطلاقه في يونيو المنصرم بهدف وقف إطلاق النار بين الطرفين ودخول المساعدات الإنسانية كمرحلة أولي قبل الدخول في إجراء عملية سياسية تنهي الحرب وتستعيد التحول المدني الديمقراطي.
ففي تسريبات إعلامية، نقلتها وكالات عربية، أشارت إلى تعثر المفاوضات بسبب عدم الاتفاق علي بعض البنود، وهي ذات البنود التي تم تعليق المنبر من قبل بسببها، وهي خروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية، وإعادة الانتشار العسكري والارتكازات لما قبل 15 ايريل الماضي، بحسب طلب وفد الجيش السوداني، مقابل إلقاء القبض علي عناصر النظام السابق الهاربين من السجون، والمتسببين في اندلاع الحرب بحسب رؤية وفد قوات الدعم السريع.
يبدو أن كلا الطرفين يفتقدان لحساسية التفاوض، ومجردان من أي ارادة تمكنهما من المضي قدما لوقف حربهما العبثية، هذا من جهة ، ومن الأخرى فإن الوساطة لم تتمكن من تقديم منهج تفاوضي يستوعب تاريخ الطرفين المتحاربين، منذ اندلاع ثورة ديسمبر في العام 2018.
وكانت مصادر إعلامية سعودية عزت تعليق المباحثات بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، لوقت لاحق، بسبب تمسك الدعم السريع بالقبض على 27 من المطلوبين لدى العدالة الدولية والمحلية لإجراءات بناء الثقة المطروحة في الجولة الحالية. مضيفة بأن وفد الجيش الذي وافق على قبض المطلوبين، تراجع في وقت لاحق ما تسبب في إنهيار المحادثات وسط تمسك الطرف الآخر بالقبض على المطلوبين كإجراء أساسي للمواصلة في بناء الثقة والوصول إلى إتفاق لوقف إطلاق النار.
ورجح محللون سياسيون بأن وفد الجيش تراجع عن موافقته بسبب ضغوط مارسها قادة نظام البشير على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بالانسحاب من القتال إلى جانبه في الحرب في حال المواصلة في محادثات جدة، مشيرين إلي أن البرهان أصدر خطابا مختلفا في مدينة ود مدني (الأحد) عن سابقه في مدينة (القضارف) بفارق ساعات ما يدلل على ضغوط كثيفة من الإسلاميين رافضة لوقف الحرب والمواصلة في مباحثات جدة.
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي، علاء محمود، أن تعليق منبر جدة جاء تحت عنوان واحد هو "انعدام الإرادة" سواء من قبل الجيش أو الدعم، فكلاهما ذهبا إلى هذه المفاوضات تلبية لرغبة المجتمع الدول ،وليس لرغبة الشعب في وقف الحرب، أو للدقة رغبة المواطنين في المناطق المتأثرة سواء في الخرطوم أو دارفور، بحسب حديثه لـ(مواطنون). مضيفا بأن المجتمع الدولي نفسه يصنع منابر للتفاوض للبلدان المتأثرة بالحرب لأن ذلك ضمن واجباته، فهو أيضا لا يمتلك دافعية حقيقية في ايقاف الحرب بصورة مطلقة؛ إلاّ بما يخدم مصالحه، ويقول "إنه واقع ملتبس وينذر باستمرار الحرب، ربما، لفترة طويلة، خاصة أنه لا توجد جهود مدنية حقيقية خالصة لوقف الحرب ما عدا بعض التجمعات المدنية المنحازة حقيقة للدعم السريع، بالتالي جهودها تصب في اتجاه دعم الحرب رغم شعارات "لا للحرب".
وأشار محمود إلى أن الواقع في تفاوض جدة، رغم أهميته، لن يقود في محصلته الأخيرة إلى سلام أو ايقاف حقيقي للحرب، وربما يقود المفاوضات إلى هدنة طويلة، ستندلع بعدها الحرب بصورة حتمية لأن تفاوض جدة سيحتفظ بالمتسببين في الحرب، بالتالي سيحافظ على ذات الظروف التي قادت إلى إندلاعها. ويري بأن المخرج الحقيقي يكمن في تشكل جبهة عريضة حقيقية غير منحازة، تعمل على ايقاف الحرب وفي ذات الوقت استمرار العمل الثوري.
ويبدو أن الوساطة السعودية الأمريكية قد توصلت إلى أن قادة نظام البشير لن يسمحوا للجيش بالوصول إلى اتفاق أو وقف الحرب. فالطرفان المتحاربان تعاونا في فض اعتصام القيادة العامة، في أبشع مجزرة بشرية، وشاركا بعدها في وضع العراقيل أمام أي تطور في اتجاه التحول المدني الديمقراطي، وآخرها اتفاقهما معً ًبقطع الطريق نهائيا أمام الثورة السودانية بانقلاب دموي، قتلوا من أجله أكثر من 120 شابا وشابة.
وهما الطرفان اللذان تحاربا على وقع ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، ضمن مطلوبات الاتفاق الاطاري، ووجها بنادقهما نحو الشعب في الخرطوم، وكردفان، ودارفور، وقتلا ما أكثر من 10 آلاف مدنياص بحسب إحصاءات منظمات دولية، وشردا الملايين داخل السودان وخارجه.
تعليق التفاوض وبحسب التجارب السابقة، يعني مزيدا من الاقتتال وانتهاك القوانين المجرمة لحق المدنيين في الحصول على الخدمات، وتمدد رقعة الحرب .