الإستثمار في حرب أبريل
خالد ماسا
والمشاهِد التي سنأتي على ذِكرها ستقودنا للإتفاق على أنه لايُمكِن النظر للحرب في السودان إلا من زاوية أنها " شر مُطلق" وأن الذين يُبررون لإستمرارها سيحتاجون لأكثر من مساحيق التجميل رديئة الصُنع حتى تقف آرائهم هذه أمام محاكم التاريخ التي ستواجههم بالوجه القبيح الذي خلّفته الحرب .
دارفور .. دارفور التي لم يسكت الرصاص فيها منذ عقدين من الزمان ولم يتوقف نزيف الدم من وريدها لسنوات وصارت باسم الحرب عبارة عن شاشة عرض كبيرة للعالم ليشاهد فيها آخر ما أنتجته سينما أفلام الرعب عن جرائم التطهير العرقي وأعلى مراتب الإنتهاكات للانسانية وكانت الاحداث فيها على الدوام شاهدة على سقوط الضمير الوطني والدولي في إمتحان الالتزام بالمعايير والمعاهدات التي تحث على إعلاء قيمة حياة وكرامة الإنسان .
الأحوال الانسانية بالغة التعقيد في معسكرات "النزوح" التي فرضتها " أم كواكية" دارفور الأولى جعلت منها حرب أبريل مستوى عال من "الرفاهية" مقارنة بظروف "اللجوء" من معسكرات "النزوح" في مشهد يجسد تماماً إستجارة الخارج من "الرمضاء" الى "النار" الشيء الذي يؤكد بأن "السلام" في دارفور كان على الدوام وفي كل جولاته التي طافت عواصم الاقليم والعالم لم يكن سوى "التكتيك" بارواح البشر في إستراتيجيات الوصول للسلطة .
لايمكن توصيف حرب أبريل التي تحصد الارواح الآن بغير أنها إستثمار " رخيص" بأسهم " خطاب الكراهية" في بورصة ومزاد بيع أصول السودان وشعبه .
نافخو كير حرب أبريل الأن لاينظرون للتكاليف التي يدفعها الشعب السوداني بعين الاعتبار وهي لاتتعدى عندهم حدود أنها مجرد خسائر جانبية في مقابل مكاسب تجريف الحياة المدنية والسياسية من قيمها ومبادئها ولذلك يبدو واضحا ما يتعرض له الإصطفاف المدني الوطني من إبتزاز حتى يتنازل عن قيمة التي دفع من أجلها أرواح شهداء الحرية والسلام والعدالة .
المشهد الاكثر إبتزالاً في حرب أبريل ليس في إسترخاص أرواح الشعب السوداني والتقليل من خسائرة المادية والمعنوية والأذى الجسيم الذي حاق بكل بيت سوداني بل في النظر الى المشاعر التي تنتجها هذه الظروف كرأس مال يجوز الإستثمار فيه لخدمة أغراض وأمراض سياسية .
مشهد يؤديه "تجار الحرب" باجتهاد كبير على خشبة مسرح حرب أبريل مطالبين الضحايا أنفسهم بالتصفيق لنيران الحرب التي تأكل أجسادهم وآمالهم .
حرب أبريل هي إستثمار في "الظواهر الصوتية" وبضائع المواقف المغشوشة بالتطفيف في الكيل الوطني لصالح شركات وشراكات الرِدة الى ما كّنا عليه قبل ثورة الوعي والتغيير .
تجار حرب أبريل بإستثمارهم فيها يرغبون في بقاء الشعب السوداني مقيداً بأوتاد الجهوية والقبلية والكراهية التي نزعتها رياح ديسمبر المجيدة .
الخطاب "السوقي" لحرب أبريل هو إغراق الفضاء العام المحتقن ببضائع فاسدة ختم عليها العالم باتفاقياته وقوانينه والتزاماته الاخلاقيه بخاتم إنتهاء الصلاحية وقال بأن الكراهية سلعة غير قابله للتدوال في عصر الحقوق وزاد على بأنها جريمة يجب أن يحاسب عليها القانون .
التخريب الذى طال الدولة السودانية جراء حرب الشهور المنصرمة يتعدى بكثير الارقام التي جاءت في تقديرات السيد جبريل ابراهيم وزير المالية لانها أرقام "تقديرية" وليست مبنية على إجتهاد إحصائي حقيقي يشمل المورد الأهم في محركات ومحددات بناء الاقتصاد الوطني ألا وهو المورد البشري والذي خسرناه بسبب الحرب إما بالموت أو باختيار الخروج النهائي من دائرة الاضافة للاقتصاد الوطني .
أرقام لم تقف في زاوية رؤية صحيحة لترى مؤشرات الاستثمار في السودان بعد السبعة العجاف من عمر الحرب العبثية أكلن الزرع والضرع ولم تُبقي أخضراً إلا وأتت عليه وفتحت شهية المستثمرين الخارجيين للدخول برؤوس أموالهم لتبييضها وغسيلها بدم الشعب السوداني .
ظرف الحرب الحالي يُحتم على القوى المدنية المؤمنه بالتغيير وإيقاف تسلسُل الحروب في السودان أن تدخر مجهودها لمعركة الوعي والتنوير وعدم الاستجابة لخطاب الإستفزاز وطواحين الغلو والشطط لانه يخلق معارك إنصرافية تطيل أمد الحرب ولا تنهيها .
تطيل أمدها وعامل الزمن هو جوهر إستثمار دعاة الحرب لأنه يخرج الحلول من يد الأطراف السودانية الى يد مستثمرين كثر يهمهم جدا إعادة ترسيم الدولة السودانية وفقاً للمصالح والاجندات .
