10/12/2023

جبر الضرر في سياق العدالة الانتقالية

يرمي جبر الضرر إلى الإقرارِ بأسبابِ وقوعِ انتهاكات حقوق الإنسان والمظالم وبتبعاتها كما يرمي إلى معالجتها على حد سواء، وذلكَ في البلدان الخارجة من حكم ديكتاتوري أو نزاع مسلح أو عنف سياسي وفي المجتمعات التي تعاني من ظلم بسببِ العرق أو من إرث الاستعمار.

لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان جميعهم الحق في جبر الضرر. ولكل ضحية حاجاتها المختلفة، وهذه الحاجات تتبدل مع مرور الزمن. وقد يختلف نوع جبر الضرر المطلوب باختلافِ مستوى الضحية الاقتصادي ونوعها الاجتماعي وعمرها وهويتها الاجتماعية. فَعلى سبيل المثال، تؤثر الانتهاكات في النساء تأثيراً مختلفاً تماماً عنه في الرجال، علماً أن تجارب النساء لا تحصر بالعنف الجنسي أو العنف القائم على النوع الاجتماعي وتبعاتهما. والأمر سيّان بالنسبة إلى المجتمعات المشردة الّتي تختلف حاجاتها إلى جبر الضرر عن حاجات العائلات المدنية النازحة.

إن الدول الّتي ترتكب انتهاكات أو التي تخفق في ردعها، وكذلك الهيئات غير الحكومية، ومنها الأشخاص المعنويون والمؤسسات والشركات والمجموعات المسلحة الّتي ترتكب هذه الانتهاكات أو تتواطأ في ارتكابها، يقع على عاتقها التزام قانوني يقضي بتوفير جبر الضرر.

ومن الأهمية بمكان الالتفات إلى أن التعويض- أي دفع المالِ- ليس سوى شكلاً واحداً من أشكالِ جبر الضرر المادية العديدة. فالأشكال الأخرى تشمل استرداد الحقوق المدنية والسياسية، وإعادة التأهيل الجسدية، ومنح حق دخول الأرض، والإيواء، وتوفير الرعاية الصحية أو التعليم. ويمكن أن يتخذ جبر الضرر شكلاً آخر هو كشف الحقيقة حول الانتهاكات وتقديم ضمانات بعدم تكرارها. أما أشكال جبر الضرر المعنوية - على غرار تقديم الاعتذار، وتشييد النصب التذكارية وتخليد الذكرى- فتعد تدابيرَ جبرية مهمة، وتزداد جداوها حين تقرن بأشكال جبرِ ضرر مادية.

يمكن جبر الضرر أن ينفذَ عبر برامج إدارية أو أن يفرض بموجب الأحكام في الدعاوى القضائيّة. ففي الكثير من البلدان، قدمت عمليات العدالة الانتقالية جبر الضرر لمجموعاتٍ وجماعات وحتى لمناطق برمتها. وقد يتقاطع تصميم جبر الضرر الجماعي وتنفيذه مع برامج التنمية، في حين قد تتقاطع أشكال جبر الضرر الفردية المستعجلة مع برامج الإغاثة الإنسانية. فَبروز مواضع التقاطع هذه أمر حتمي لأن الأفراد الأشد عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان هم أكثر من يعاني من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. وينبغي أن يصمم جبر الضرر وينفذ على نحو يخوله تبديل الظروف الظالمة والمجحفة هذه. وصحيح أن أغلب الضحايا ينظرون إلى جبر الضرر على أنه الطريقة الأكثر وضوحاً والأفضل جدوى من أجلِ نيل العدالة، إلا أنه "قلما يولى الأولوية" وغالباً ما ينال النصيب الأدنى من تمويلِ العدالة الانتقالية.

لا بد من دور للضحايا في عملية تصميم برامج جبر الضرر وتنفيذها وفي تحقيق نتائجها على حد سواء. لذا، يساعد المركز الدّولي للعدالة الانتقالية الضحايا في الإفصاحِ عن حاجاتهم وفي تحديد أشكال جبر الضرر الأفضل لهم. ولا بد من التواصل، إلى جانب الضحايا، مع واضعي السياسات في شأنِ التحديات العملية والقانونية والمالية والإجرائية الّتي تكتنف تصميمَ برامج جبر الضرر وتنفيذها. بالإضافة إلى ذلك، التواصل مع الضحايا ومختلف الأطراف المعنية، بمن فيهم واضعو السياسات الوطنيون والدوليون، والجهات المانحة، والفاعلونَ في مجال التنمية، وغيرهم من منظمات حقوق الإنسان، وذلكَ بغية إيلاء جبر الضرر الأولوية نفسها المولاة للبحث عن الحقيقة والمحاسبة الجنائية الفردية في إطارِ مساعي البلد إلى إحقاق العدالة الانتقاليّة.

إنَّ برامج جبر الضرر يمكن وضعها بشكلٍ منفصل، وأنها تقدر على تسريع تنفيذ التدابير المتعلقة بالبحث عن الحقيقة وإحقاق العدالة الجنائية. فتقديم جبر الضرر للضحايا لا يتطلب التريث حتى إصدار لجنة الحقيقة توصياتها، كما لا يتطلب ربطه بالملاحقات الجنائية أو بالمقاضاة في المحاكم. ولا بد من حث المحاكم الجنائية الدولية على الاستفادة من التجارب غير القضائية ودعم الضحايا الماثلين أمام المحاكم الواقعة في الشمال العالمي، في ادعاءاتهم للمطالبة بجبر الضرر، بما في ذلك الدعاوى المرفوعة ضد الشركات المتواطئة في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.

من الأهمية بمكان، ومن أجل التوّصل إلى أفضل السبل التي تؤدي إلى تلبية حاجات الضحايا وتنفيذ برامج جبر الضرر، العمل دعم لجان الحقيقة والمؤسسات المنفذة لجبر الضرر، ودعم هيئات الدولة التي تساعد في تأمينِ تمويل جبر. وكذلك معالجة الانتهاكات التي تنال من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وربط المحاسبة على الفساد بجبر الضرر، ودعم التدابير التي تتصدى للتهميش على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي على السواء. وحثّ المجتمعات على اعتماد مقاربات تنبثق من لغة البلد وثقافته وتاريخه، ومن الجماعات التي وقعت ضحية حكم استبدادي أو حرب أو استعمار أو ظلم عرقي وعنف اقتصادي أو عنف سياسي.

*هذه المادة استفادت من منشورات المركز الدولي للعدالة الانتقالية

معرض الصور